الحروب منذ بداية التاريخ كانت تبدو أكثر إغراءً للساسة، من أي سلوك إيجابي آخر ينحاز إلى السلام. هذه ظاهرة يمكن ملاحظتها ليس في الأنظمة الشمولية الاستبدادية، فحسب... ولكن أيضاً مع الفارق في الأنظمة التي ترسخت فيها الممارسة الديموقراطية. التاريخ كشف: أن بريطانيا لم تكن، كما كان يُعتقد، ضحية الحرب العالمية الثانية.. ولم تكن مخلصة في الانحياز إلى السلام، كما صور ذلك في حينه، رئيس الوزراء البريطاني تشمبرلن، عندما لوح بالورقة التي وقع عليها هتلر وتعهد فيها بعد آخر لقاء بين الرجلين في ميونخ قبل الحرب بسنة (سبتمبر 1938)، بعدم اللجوء إلى خيار الحرب واحترام قيم وآليات توازن القوى التقليدي التي كانت تحكم المسرح السياسي والاستراتيجي في أوروبا، عقب الحرب الأولى.
لو بقي تشمبرلن في حكم بريطانيا، ولم تُمارس عليه ضغوط سياسية كبيرة، من صقور الحرب في لندن، ليبدو حاكماً ضعيفاً.. ولو اختار الملك جورج السادس اللورد هاليفكس، بدلاً من ونستون تشرشل المعروف بدهائه وشراسته وانحيازه الغريزي لخيار الحرب لتولي رئاسة حكومة الحرب الائتلافية التي تشكلت في مايو 1940، إن لم يكن حينها بالإمكان تفادي الحرب كان بالإمكان تفادي اتساعها.. وبالتالي: تفادي حرب شاملة في أوروبا، سرعان ما توسعت لتصبح ثاني حرب كونية عصفت بالإنسانية، منذ بداية ظهور الإنسان على الأرض. في حقيقة الأمر، في ما يخص متغير الحرب وحتمية دورها التاريخي، لا فرق كبير بين هتلر وتشرشل.
التاريخ كشف لنا، أيضاً: أن الرئيس روزفلت، لم يكن أقل حماساً من تشرشل في الهرولة إلى الحرب. لم تكن الضربة التي تلقتها الولايات المتحدة في بيرل هاربر ديسمبر 1941، هي وراء دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. كان تشرشل يُزَين لروزفلت الدخول في الحرب لتفادي هزيمة قاسية مع الألمان، وقد تأكد ذلك في اجتماع الأطلنطي التاريخي بين الرجلين، أغسطس 1940، الذي بموجبه تخلت واشنطن سراً عن حيادها المعلن تجاه أطراف الحرب في أوروبا، ولم تعد مساعدات واشنطن للندن تقتصر على النواحي الإنسانية أثناء حرب الغواصات والبوارج الحربية الألمانية، التي كانت تفرض حصاراً على الجزر البريطانية، لاعتراض سفن الشحن الإنجليزية في شمال الأطلسي القادمة من الولايات المتحدة، بل كانت واشنطن تزود بريطانيا بالأسلحة والمعدات، حتى تصمد بريطانيا في مواجهة الغزو الألماني المحتمل لأراضيها، انتظاراً لظرف أكثر ملاءمة لدخول أمريكا الحرب، الأمر الذي تطور، بعد سنة ونصف من اجتماع الأطلنطي، بالهجوم الياباني الكاسح على الأسطول الأمريكي في المحيط الهادي، الذي كان يربض في ميناء بيرل هاربل. أيضاً، هنا: يتجسد البعد «الإنساني» في حركة الحرب لثلاثة زعماء تاريخيين، ينتمون لخلفية سياسية وأيديولوجية مختلفة، جميعهم كانوا على ما يبدو مدفوعين خارجاً عن إرادتهم لخيار الحرب..!؟
على مستوى سلوك الدول: الولايات المتحدة كانت تتطلع لأن تأتي تلك الحرب على القوى الاستعمارية التقليدية في أوروبا، لتبدأ مشروعها في الهيمنة الكونية على العالم، الذي استمر إلى وقتنا الحاضر ومازال يتعثر على المستوى السياسي والاستراتيجي. لم تدخل الولايات المتحدة الحرب الثانية، إذن: حباً في بريطانياً ولا كرهاً في ألمانيا ودول المحور... ولا حتى انتصاراً للسلام. ولكن التاريخ كان يخبئ مفاجآت كثيرة للقوة الدولية الصاعدة، ليجعلها أكثر تواضعاً في تصور أن قوة دولية واحدة يمكنها أن تخل بتوازن النظام الدولي، بادعاء الهيمنة المطلقة عليه. أول دروس التاريخ للولايات المتحدة، كانت في الحرب الكورية 1950 وفي حرب فيتنام (1956 - 1975).. وفي العراق، الآن.. وقبل ذلك في الصومال ومنطقة البلقان. ولكن أكبر درس في التاريخ لأمريكا، كان في سقوط الاتحاد السوفيتي، دون استخدام الترسانة النووية الأمريكية، ولأسباب لها علاقة بالنظام الشيوعي أكثر من علاقتها بقوة أمريكا الاستراتيجية غير التقليدية الكاسحة..!؟
لنقترب أكثر من فهم «تاريخية» الحرب لابد، إذن، من تقدير دور المتغير الإنساني في حركتها. الاستسلام لخيار الحرب شيء، وقرار الدخول في الحرب، شيء آخر. مشكلة الحرب الأزلية تكمن في أن غواية الدخول فيها تتفوق على حسابات مخاطرها وتقدير مجازفتها. عادةً ما يبالغ مشعلو الحروب في حساب عائدها، ليطغى... بل حتى يتجاوز حساب تكلفتها. عندما تتبلور إرادة شن الحرب سياسياً يتوقع الزعماء السياسيون والقادة العسكريون أن تكون الحرب قصيرة وحاسمة في هزيمة العدو.. مع تواضع تكلفتها المادية والسياسية والأخلاقية، مقارنة بجزالة عوائدها السياسية والاقتصادية والمعنوية. معظم الحروب الكبيرة التي دونها تاريخ الإنسانية، كانت نتيجة لخطأ إنساني في الحساب، لم تتعلم من درسه الإنسانية، بعد.
وبالتالي: فإن الحرب تأخذ من النفس الأمارة بالسوء عند البشر، أهم تفسيرات وقوعها، بعيداً عن حسابات وحتى وعي مَنْ استسلم لخيارها. الحروب، خاصةً تلك الحاسمة في التاريخ، كانت بمثابة منعطف استراتيجي في مسيرته السرمدية نحو غايتها النبيلة (السلام). القادة العسكريون والزعماء السياسيون هم، في حقيقة الأمر، أدوات في مسيرة التاريخ رغم ما يبدو من دورهم الأساسي في شن الحروب. لقد استفادت مسيرة التاريخ من هذا الضعف الإنساني تجاه الاستسلام لخيار الحرب، لتحدث الحقب المتعاقبة في حركة التاريخ. كان نابليون لابد أن ينهزم في معركة واترلو 1815، لتنتهي حقبة الفتوحات الكبيرة في تشكيل بنية النظام الدولي. وكان حتمياً أن تنهزم ألمانيا، ومعها أنظمة الأيديولوجيات الشمولية والفاشية، في الحرب الثانية، حتى يتم القضاء على أية خلفية عنصرية في علاقات البشر بعضهم ببعض تتشكل بموجبها التراتبية الهيكلية للنظام الدولي. وكان حتمياً، أيضاً، أن تفشل كل حروب إسرائيل ضد العرب، لأن استقرار أهم منطقة استراتيجية في العالم يعتمد على الحفاظ على توازنها، من داخلها، وليس على بروز قوة إقليمية بعينها تهيمن عليها... دعك من أن هذه القوة الإقليمية ليست من المنطقة، وتسَبَّبَت في وجودها فيها متغيرات دولية، بعيدة عن طبيعة المنطقة وتضاريسها الجغرافية والسياسية والثقافية والإنسانية والتاريخية.
بين «غواية» الحروب، في بعدها الإنساني، وضرورتها التاريخية لمواصلة مسيرة التاريخ نحو غايتها النبيلة (السلام) يتبين الخيط الرفيع بين الحرب والسلام.
لو بقي تشمبرلن في حكم بريطانيا، ولم تُمارس عليه ضغوط سياسية كبيرة، من صقور الحرب في لندن، ليبدو حاكماً ضعيفاً.. ولو اختار الملك جورج السادس اللورد هاليفكس، بدلاً من ونستون تشرشل المعروف بدهائه وشراسته وانحيازه الغريزي لخيار الحرب لتولي رئاسة حكومة الحرب الائتلافية التي تشكلت في مايو 1940، إن لم يكن حينها بالإمكان تفادي الحرب كان بالإمكان تفادي اتساعها.. وبالتالي: تفادي حرب شاملة في أوروبا، سرعان ما توسعت لتصبح ثاني حرب كونية عصفت بالإنسانية، منذ بداية ظهور الإنسان على الأرض. في حقيقة الأمر، في ما يخص متغير الحرب وحتمية دورها التاريخي، لا فرق كبير بين هتلر وتشرشل.
التاريخ كشف لنا، أيضاً: أن الرئيس روزفلت، لم يكن أقل حماساً من تشرشل في الهرولة إلى الحرب. لم تكن الضربة التي تلقتها الولايات المتحدة في بيرل هاربر ديسمبر 1941، هي وراء دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. كان تشرشل يُزَين لروزفلت الدخول في الحرب لتفادي هزيمة قاسية مع الألمان، وقد تأكد ذلك في اجتماع الأطلنطي التاريخي بين الرجلين، أغسطس 1940، الذي بموجبه تخلت واشنطن سراً عن حيادها المعلن تجاه أطراف الحرب في أوروبا، ولم تعد مساعدات واشنطن للندن تقتصر على النواحي الإنسانية أثناء حرب الغواصات والبوارج الحربية الألمانية، التي كانت تفرض حصاراً على الجزر البريطانية، لاعتراض سفن الشحن الإنجليزية في شمال الأطلسي القادمة من الولايات المتحدة، بل كانت واشنطن تزود بريطانيا بالأسلحة والمعدات، حتى تصمد بريطانيا في مواجهة الغزو الألماني المحتمل لأراضيها، انتظاراً لظرف أكثر ملاءمة لدخول أمريكا الحرب، الأمر الذي تطور، بعد سنة ونصف من اجتماع الأطلنطي، بالهجوم الياباني الكاسح على الأسطول الأمريكي في المحيط الهادي، الذي كان يربض في ميناء بيرل هاربل. أيضاً، هنا: يتجسد البعد «الإنساني» في حركة الحرب لثلاثة زعماء تاريخيين، ينتمون لخلفية سياسية وأيديولوجية مختلفة، جميعهم كانوا على ما يبدو مدفوعين خارجاً عن إرادتهم لخيار الحرب..!؟
على مستوى سلوك الدول: الولايات المتحدة كانت تتطلع لأن تأتي تلك الحرب على القوى الاستعمارية التقليدية في أوروبا، لتبدأ مشروعها في الهيمنة الكونية على العالم، الذي استمر إلى وقتنا الحاضر ومازال يتعثر على المستوى السياسي والاستراتيجي. لم تدخل الولايات المتحدة الحرب الثانية، إذن: حباً في بريطانياً ولا كرهاً في ألمانيا ودول المحور... ولا حتى انتصاراً للسلام. ولكن التاريخ كان يخبئ مفاجآت كثيرة للقوة الدولية الصاعدة، ليجعلها أكثر تواضعاً في تصور أن قوة دولية واحدة يمكنها أن تخل بتوازن النظام الدولي، بادعاء الهيمنة المطلقة عليه. أول دروس التاريخ للولايات المتحدة، كانت في الحرب الكورية 1950 وفي حرب فيتنام (1956 - 1975).. وفي العراق، الآن.. وقبل ذلك في الصومال ومنطقة البلقان. ولكن أكبر درس في التاريخ لأمريكا، كان في سقوط الاتحاد السوفيتي، دون استخدام الترسانة النووية الأمريكية، ولأسباب لها علاقة بالنظام الشيوعي أكثر من علاقتها بقوة أمريكا الاستراتيجية غير التقليدية الكاسحة..!؟
لنقترب أكثر من فهم «تاريخية» الحرب لابد، إذن، من تقدير دور المتغير الإنساني في حركتها. الاستسلام لخيار الحرب شيء، وقرار الدخول في الحرب، شيء آخر. مشكلة الحرب الأزلية تكمن في أن غواية الدخول فيها تتفوق على حسابات مخاطرها وتقدير مجازفتها. عادةً ما يبالغ مشعلو الحروب في حساب عائدها، ليطغى... بل حتى يتجاوز حساب تكلفتها. عندما تتبلور إرادة شن الحرب سياسياً يتوقع الزعماء السياسيون والقادة العسكريون أن تكون الحرب قصيرة وحاسمة في هزيمة العدو.. مع تواضع تكلفتها المادية والسياسية والأخلاقية، مقارنة بجزالة عوائدها السياسية والاقتصادية والمعنوية. معظم الحروب الكبيرة التي دونها تاريخ الإنسانية، كانت نتيجة لخطأ إنساني في الحساب، لم تتعلم من درسه الإنسانية، بعد.
وبالتالي: فإن الحرب تأخذ من النفس الأمارة بالسوء عند البشر، أهم تفسيرات وقوعها، بعيداً عن حسابات وحتى وعي مَنْ استسلم لخيارها. الحروب، خاصةً تلك الحاسمة في التاريخ، كانت بمثابة منعطف استراتيجي في مسيرته السرمدية نحو غايتها النبيلة (السلام). القادة العسكريون والزعماء السياسيون هم، في حقيقة الأمر، أدوات في مسيرة التاريخ رغم ما يبدو من دورهم الأساسي في شن الحروب. لقد استفادت مسيرة التاريخ من هذا الضعف الإنساني تجاه الاستسلام لخيار الحرب، لتحدث الحقب المتعاقبة في حركة التاريخ. كان نابليون لابد أن ينهزم في معركة واترلو 1815، لتنتهي حقبة الفتوحات الكبيرة في تشكيل بنية النظام الدولي. وكان حتمياً أن تنهزم ألمانيا، ومعها أنظمة الأيديولوجيات الشمولية والفاشية، في الحرب الثانية، حتى يتم القضاء على أية خلفية عنصرية في علاقات البشر بعضهم ببعض تتشكل بموجبها التراتبية الهيكلية للنظام الدولي. وكان حتمياً، أيضاً، أن تفشل كل حروب إسرائيل ضد العرب، لأن استقرار أهم منطقة استراتيجية في العالم يعتمد على الحفاظ على توازنها، من داخلها، وليس على بروز قوة إقليمية بعينها تهيمن عليها... دعك من أن هذه القوة الإقليمية ليست من المنطقة، وتسَبَّبَت في وجودها فيها متغيرات دولية، بعيدة عن طبيعة المنطقة وتضاريسها الجغرافية والسياسية والثقافية والإنسانية والتاريخية.
بين «غواية» الحروب، في بعدها الإنساني، وضرورتها التاريخية لمواصلة مسيرة التاريخ نحو غايتها النبيلة (السلام) يتبين الخيط الرفيع بين الحرب والسلام.