-A +A
محمد طالب الأحمدي (موفد «عكاظ» إلى لبنان)

يفاخر بأنه صانع الحوار في لبنان، ومخترع معادلة (س س)، لكنه لا يتحدث إلا بلغة العموميات وبالذات عندما يتجه السؤال نحو الأزمة في سورية، أو التحول إلى الاتحاد الخليجي، بينما يغوص في أدق التفاصيل عند ذكر «موسى الصدر» أو معاناة الشعب اللبناني مع الحكومة الحالية.

نبيه بري .. رئيس مجلس النواب في لبنان ورئيس حركة أفواج المقاومة «حركة أمل» استصغر لبنان بوصفها «بر صغير»، واستعظمها في جملة «من يفهم لبنان.. يفهم صيغة المستقبل في العالم»، مذكرا بالبرقية التي بعثها خادم الحرمين الشريفين إلى رئيس الجمهورية حول الوضع في لبنان.

وجد نبيه بري في حديثه لـ «عكاظ» من منزله في عين التينة في العاصمة بيروت فرصة لأن يكشف عن ملفات لأول مرة يفصح بها للإعلام، خصوصا ما يتصل بقضية «موسى الصدر».. فإلى نص الحوار:



• بداية نعرب عن أصدق أمنياتنا للبنان ـ شعبا وأرضا ـ بالوفاق بين أطيافه و المزيد من الأمن والاستقرار.

• الدعاء منيح إن شاء الله.

• ألاحظ نبرة اليأس في ردكم؟.

• يعني.. أضف إلى الدعاء شيئا من القطران. (قالها وابتسم .. وأضاف) إن أحد الخلفاء مر على امرأة تبكي، فسألها ما بالك؟ فقالت عندي ناقة أعيش من ورائها وهي مريضة بالجرب، وأدعو الله أن يشفيها، فأجابها عليك بالدعاء، ولكن أضيفي لدعائك شيئا من القطران.

• وماهو «القطران» في المشهد اللبناني؟

• هو العمل في سبيل عودة لبنان إلى هنائه والاستقرار الدائم فيه.

دعوة خادم الحرمين للحوار

• وكيف يتحقق الهناء والاستقرار في رأيكم لاسيما بعد دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى الحوار في برقيته إلى فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان؟

• أنا أدعي أن لي حصة ونصيبا في هذه البرقية، فالحقيقة قبل البرقية حصل لقاء بيني وبين الأخ سفير المملكة في لبنان، وكان الوضع في شمال لبنان ببداية توتره، إذ كان الوضع ينذر بخطر وشر مستطير خاصة بين المسلمين بعضهم ببعض، وطبعا ينعكس هذا على عموم لبنان، فتحدثت أنا وسعادة السفير عن ضرورة الحوار اللبناني ــ اللبناني، وأن المملكة كانت تتدخل إيجابيا دائما في الملمات لاحتوائها، ولا يمكن لنا أن ننسى ما حصل في الطائف وما بعد الطائف، وكما تعلم فقد كان لي شرف طرح المعادلة «س س» المؤكدة على أن التقارب بين السعودية وسورية يحقق الاستقرار للبنان، وبالتالي وجب السير لمعالجة الوضع مهما كلف الأمر قبل أن يستفحل في لبنان، وهنا لاحظت أن سعادة السفير كتب هذا الأمر وقال لي «سأراجع قيادتي بهذا الموضوع»، ولم تمر أيام بعد ذلك حتى أتت البرقية إلى فخامة رئيس الجمهورية.

• وما الذي وجدته من الكتل النيابية تجاه برقية خادم الحرمين؟

• البرقية أرسلت بهذه الصيغة، وكان الموقف فيها واضحا، وهذا الأمر قد يستغربه البعض، ولكنني لم أستغربه، لأنه ليس جديدا على الملك عبدالله، لأن خادم الحرمين الشريفين دائما يحرص على تعزيز الوفاق بين اللبنانيين، فزيارته الأخيرة إلى لبنان مع الرئيس بشار الأسد كانت بدافع وحدة الصف، ومما لا شك فيه عندما رأى خادم الحرمين الشريفين والقيادة السعودية ما يجري في المنطقة، وما يخطط لها، جاءت البرقية في وقتها، فكانت رسالة صعبة، في زمان صعب، لتدارك الأمر الأصعب.

الفتنة تودي بلبنان

• ماذا تقصدون بالمخطط الذي يجري في المنطقة؟

• المخطط في المنطقة أن ننسى فلسطين والقدس، والمخطط هو إيقاع الفتنة بين المسلمين أنفسهم، وهذا الأمر قد يحتمله بلد أو اثنان أو ثلاثة وأربعة أو خمسة، ولكن لبنان لا يمكن أن يحتمله على الإطلاق، فلبنان بلد أقليات، فيه 18 أقلية في هذا البر الصغير، ففتنة واحدة تودي بلبنان، خاصة إن دبت بين المسلمين.

• لاحظنا أن الاستجابة لبرقية خادم الحرمين جاءت سريعة وذلك بدعوة الرئيس اللبناني كافة الأطياف إلى الحوار غدا الاثنين الحادي عشر من شهر يونيو (حزيران) الجاري.. ما النتائج التي تتنبأ بها من هذا الحوار؟

• أنا لي تجربة في الحوار.

• تقصد ما بعد حرب تموز؟

• نعم، فقد بدأت الدعوة للحوار سنة 2006م، و استشرت كل البلدان العربية بما فيها المملكة، فانعقد الحوار، وعندما هاجرت إسرائيل لبنان في تموز 2006م كنا نتحاور، تلك هي الوحدة اللبنانية التي أدت إلى اجتماعنا فانتصرنا على إسرائيل، وحققنا أول انتصار عربي على إسرائيل، فالذي ينتصر في وحدته وحواره على أكبر قوة موجودة ومدعومة في العالم يستطيع أن ينتصر على ذاته، فالمطلوب الآن أن ننتصر على ذواتنا، وأن نتخلص من أنانيتنا، وأن نتخلص من حساسيتنا، وأن نتمسك بديننا لا بطائفيتنا، وبمذهبنا لا بمذهبيتنا، فإن هذا الأمر هو حاجة كبرى للبنانيين جميعهم، وحاجة أكبر وماسة أكثر للمسلمين فيما بينهم. فبمجرد أن ينعقد الحوار بحسب الموعد الذي تحدد أعتقد أن الوضع سوف يتغير بنسبة 50 في المئة، أما الـ50 في المئة الأخرى فهي ما يسفر عنه هذا المجهود الحواري.. فنحن في لبنان نؤمن بالمثل «لاقيني ولا تغديني» يعني قابلني ولا تعطيني أكل، لكن نحن نريد أن نتقابل ونحل مشاكلنا وجها لوجه.

توسيع الخلافات بين الدول والطوائف

• قلتم إن الخطط المرسومة تهدف إلى إشغال العالم العربي بعيدا عن فلسطين والقدس.. هل تقصدون هذا تحديدا؟

• أقصد محاولة إشغال بعضنا ببعض، وتوسيع خلافاتنا العربية والإسلامية.

• تقصدون بالخلافات بين دولنا العربية أم داخل لبنان؟

• بين الدول وبين المذاهب وبين الطوائف.

التحالف مع نظام الأسد

• هذا يدفعني للسؤال عن موقفكم تجاه الأزمة في سورية، وأحتاج الحصول على جواب واضح وصريح، خاصة أنكم رئيسا لحركة أفواج المقاومة «حركة أمل» والتي تعد أحد أركان تحالف 8 آذار الداعمة لنظام الأسد؟

• الموقف بمنتهى الوضوح والصراحة أن حركة أمل حركة لبنانية عربية مؤمنة، فهذه مبادئنا، وفي السياسية نحن بمنتهى الصراحة نريد قيام دولة ديمقراطية في سورية، ونحن مع الإصلاحات فيها، إنما نريد أن يتم هذا عبر حوار داخل سورية لتطبيق هذه الإصلاحات، وللوصول إلى دولة ديمقراطية، بمعنى آخر أننا ضد التدخل الأجنبي في سورية، لأننا نريد أن يقرر الشعب السوري مصيره بنفسه، لذا نحن وقفنا من خلال تحالف 8 آذار ومن خلال الحكومة وقلنا «نحن ننأى بنفسنا»، مما فسره البعض بأنه ضد الشعب السوري ومع النظام، وهذا غير صحيح. والجميل أن خادم الحرمين الشريفين في برقيته لرئيس الجمهورية أورد فيها هذا المفهوم، وقالها حرفيا وأنقلها إليك عن ظهر قلب «والنأي بالساحة اللبنانية عن الصراعات الخارجية وخصوصا الأزمة السورية».

النأي عن الأزمة السورية

• وكيف تنأون بأنفسكم عن الشأن السوري وأنتم على حدود واسعة معها؟

• لا الشعب اللبناني ولا لبنان يستطيع أن يفعل شيئا تجاه الوضع السوري، ولا يستطيع أن يؤثر فيه، بل يتأثر به حتما، فأية فتنة مذهبية ـ يا أخي ـ في سورية سوف تنتقل إلى لبنان، لأنه هو الجار العربي للبنان الآن، فحدود لبنان مشتركة مع ثلاثة أطراف، إسرائيل العدو والبحر وسورية، فمع إسرائيل لا نستطيع أن نتعامل، فيبقى لنا اتجاهان، إما أن كل اللبنانيين يسبحون في البحر، أو يتعاطون مع سورية. فالآن لبنان في حصار حقيقي، صدقني أننا في حصار، إن كان من حيث الفواكه والتصدير فنحن نتأثر اقتصاديا، وهذا عدا الروابط والعائلات المشتركة بين البلدين. لذلك أكرر أننا نحن مع دولة ديمقراطية، ومع الإصلاحات في سورية، ولكن لا نريد أن يحصل هذا الأمر نتيجة تدخلات أجنبية، نريد من الشعب السوري أن يجلس على طاولة حوار.

التفريط بالنفط والغاز

• وماذا ترون حول اختراق إسرائيل للحدود البحرية اللبنانية بعد الكشف عن مكامن ثمينة للغاز الطبيعي والنفط؟

• أنا هنا أسجل تقصيرا للحكومة اللبنانية، وإن كنا أعضاء فيها لكن يجب أن تنطق بالحق حتى على نفسك، فيوجد تقصير كبير من الحكومة اللبنانية في موضوع استخراج النفط، فنحن نرزح تحت ديون طالت 58 مليار دولار، ولبنان ليس دولة عظمى مثل دول الخليج، فاقتصادنا لا يحتمل مثل هذا الدين، وكل الاستكشافات من الشركات الكبرى العملاقة الخبيرة تؤكد أن مخزون الغاز والنفط في المياه خاصة في الجنوب اللبناني ومقابل بيروت وعلى الحدود السورية القبرصية هي كميات وافرة وواعدة جدا، ويمكن أن يكون لها أثر كبير ليس على الاقتصاد اللبناني فحسب، بل حتى على الواقع اللبناني، فأنت تعلم أنه ما دخل الفقر على منزل إلا وخرج الإيمان منه وتخرج الوطنية منه أيضا، فبالنسبة لموضوع النفط قد أصدرنا القانون الخاص به من المجلس النيابي منذ حكومة الرئيس سعد الحريري، أي منذ ما يزيد عن عام ونصف العام، وحتى الآن لم نستكمل الإجراءات للتعيينات وبدء الالتزامات، والمجلس النيابي أخذ وعدا من الحكومة أن تستوفى الالتزامات قبل الأول من مارس (آذار)، ونحن الآن في بداية يونيو (حزيران)، أي أننا تأخرنا ثلاثة أشهر عن الوعد الذي قطعته الحكومة أمام المجلس النيابي. وفي المقابل أخذت إسرائيل تدعو شركات، حتى أن قبرص التي تعتبر دائما بالمعنى السياسي جزيرة عربية، أصبحت الآن بالمعنى الاقتصادي جزيرة تتعاطى مع إسرائيل، ومع كل هذا فلبنان لم يلزم أي بئر من آباره حتى الآن وهو في أمس الحاجة إليها. وهذا الأمر يشكل خطرا كبيرا لاسيما أن لإسرائيل أطماعا، وهي تدعي زورا ملكية حوالى 850 كيلو مترا مربعا من حقوقنا، وحاولت أنا مرارا والحكومة حاولت أيضا أن تدخل الأمم المتحدة، بل قلنا إنه لا مانع من تدخل أمريكا بوساطة، والآن توجد وساطة أممية، وموقفي أنا شخصيا من الأساس أن الأمم المتحدة التي رسمت الخط الأزرق على الحدود البرية لماذا لا ترسم خطا أبيض على البحر الأزرق، فهذا من واجباتها وبحسب روحية القرار الصادر سنة 1901م، والأمم المتحدة تلكأت فاستعنا بالأمريكيين لحل هذا الموضوع، والأوضاع إيجابية الآن، ولكن لا نستطيع أن نقول أننا وصلنا إلى اتفاق نهائي بيننا والأمم المتحدة، وإنما في المراحل النهائية.

الضغط على الحكومة

• إذن ماذا ستصنعون مادام هناك تقصير من الحكومة بحسب وصفكم؟

• سنواصل الضغط من خلال المجلس النيابي على الحكومة لإلزامها الاستعجال مهما كلف الأمر. وأقولها بصراحة فلولا الخشية من الفتن الداخلية في لبنان لكان موقف المجلس النيابي مختلفا تماما وقاسيا جدا على الحكومة في هذا الموضوع، ولكننا نساير الوضع الداخلي ولو على حساب اقتصادنا.

• ماذا تقصدون بالموقف القاسي؟

• يستطيع المجلس النيابي أن يطرح الثقة عن الحكومات.

نصيحة خادم الحرمين لموسى الصدر

• في ضوء التطورات العربية.. أين بلغت المساعي الرامية إلى الكشف عن قضية اختفاء الصدر؟

• في البداية أكشف عن أمر لأول مرة قد لا يعلمه كثير من الإخوة السعوديين ولا غيرهم، فالملك عبدالله بن عبدالعزيز قبل أن يصبح ملكا، وعندما كان نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء في فترة الملك خالد رحمه الله كان صديقا للإمام موسى الصدر، بل نصح الإمام موسى بألا يزور ليبيا في تلك الزيارة المشؤومة التي اختطفه فيها معمر القذافي ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب، والصحافي عباس بدر الدين، وأنا كان لي شرف لقاء الملك عبدالله مرات عديدة، خاصة في عهد الملك فهد رحمه الله، وفي كل المناسبات ومن بينها أدائي فريضة الحج كان يسألني كل مرة عن آخر أخبار الإمام الصدر، وما الذي توصلنا إليه في قضيته، ويذكرني بما نصح به الإمام الصدر بـ «ألا يذهب عند هذا الرجل المجنون». وفي إحدى المرات قمت بزيارة رسمية إلى المملكة بدعوة من مجلس الشورى، وأذكر أن نجيب ميقاتي كان في ذاك الوقت نائبا ومن بين الوفد الذي زار معي المملكة، فقابلنا الملك عبدالله، وأول ما بادر به أمام الوفد هو سؤالي عن الإمام موسى الصدر، لأنه كان يعلم مقدار ما للصدر من أثر على الوحدة الوطنية في لبنان.

• تردد أنه في سنة 2009م ظهرت معلومات استخباراتية إلى لبنان تؤكد أن الصدر لا زال على قيد الحياة، وأنه يقبع في سجن بجنوب ليبيا، والآن بعد سقوط نظام القذافي هل كان لتلك المعلومات شيء من الصحة؟

• قدم المجلس الانتقالي تأكيدات على متابعة القضية باهتمام شديد، وعبروا عن أن قضية الصدر ليست قضية عادية، وأنها من أولوياتهم، بحكم أنها قضية إسلامية عربية وطنية كبرى، وقالوا لي إنهم يشعرون بالعار كليبيين أن تختطف شخصية مثل الإمام موسى الصدر على أرضهم، ووعدوا بمنح هذه القضية اهتماما بالغا.

أسألوا السنوسي عن الصدر

• وهل لمستم ذلك عمليا؟

• نعم، فعمليا ألفوا لجنة تحقيق من قاضيين، ونحن هنا أرسلنا قاضيا من لبنان، مع أشخاص مختصين بهذا الموضوع، وحصلت عدة زيارات بيننا وبينهم، والتحقيقات مستمرة، إنما هنا أود أن أقول شيئا لأول مرة أفصح عنه، فأنا أتساءل عن مصدرين أساسيين في اليد الآن، ويعادلان كل التحقيقات، وهما يعلمان البيضة وقشرتها، فالمصدر الأول هو عبدالله السنوسي الذي كان مدير المخابرات عند القذافي عندما زار الإمام موسى الصدر ليبيا، وهو يعلم بالتأكيد كل التفاصيل المتعلقة بالاختطاف وأمكنة الصدر، وهذا الرجل الآن في موريتانيا، والمصدر الآخر هو سيف الإسلام، صحيح أن سيف الإسلام كان صغيرا عندما اختطف الصدر، ولكن الدنيا تعلم أن هذا الرجل كلفه والده بأكثر الملفات، بما فيها ملف الإمام الصدر، وهو الآن في طرابلس الغرب في ليبيا، وأنا عبر جريدتكم الغراء أناشد خادم الحرمين الشريفين هذه المرة، وهو الذي لم يأل جهدا في هذه القضية، ويسألني عنها في كل مرة ألتقيه، أناشده أن يؤازرني مرة أخرى، ويؤازر كل لبنان، لأن الإمام الصدر لم يكن لفريق ولا لطائفة ولا لفئة، بل كان لكل اللبنانيين والعرب والمسلمين.. فنطمح لمبادرة خادم الحرمين وعطفه بالبحث مع الموريتانيين والليبيين عن مصير الإمام موسى الصدر.

بو مدين نصح الصدر بزيارة ليبيا

• ولماذا في رأيكم لم يأخذ الصدر بنصيحة خادم الحرمين الشريفين بعدم الذهاب إلى ليبيا؟

• لا أنا أعلم ولا الملك أبلغني، ولكن من المعلوم أن الإمام الصدر كان يقوم بجولة عربية لأجل مؤتمر الرياض، وتحقيق فكرته التي قامت على أساس إنقاذ لبنان أثناء الحرب الأهلية، وكان يتحرك في هذا الإطار، حيث ذهب إلى الجزائر، فنصحه الرئيس بو مدين بزيارة ليبيا.

ملف التحقيق في اغتيال الحريري

• دعني أسألكم في المقابل عن نتائج التحقيقات في اغتيال الحريري، فلماذا لم تظفر قضية الحريري بالاهتمام نفسه الذي أوليتموه قضية الصدر؟

• (يضحك) في لبنان من يقول العكس، ويسألوني لماذا لم ينشأ لقضية الإمام موسى الصدر محكمة دولية؟ وهي قضية خطيرة ومعلومة والرجل اختفى في ليبيا تحت مسؤولية النظام الليبي، بينما أنشئت لقضية الشهيد رفيق الحريري محكمة دولية. والحقيقة أن القضيتين لم تنسيا، وعندما وقع الاغتيال سنة 2005م أنا من قال بأنه زلزال، والزلزال دائما له ارتدادات، وقد أوجد فقده في المجتمع اللبناني خللا كبيرا وخسارة عظمى، وهذا ليس شعوري فقط، بل شعور كل الناس في لبنان، وإن كانت السياسة أحيانا تجعل الإنسان يكابر، إلا أنني فقدت صديقا كبيرا ورجل دولة كبيرا وابن منطقتي في الجنوب.

الوفاق رغم الاختلاف

• وأنتم تجلسون على كرسي رئاسة المجلس النيابي كيف تحكمون المعادلة في المجلس خاصة أنكم ترأسون حركة «أمل"؟

• الشعب اللبناني ليس قوميات مختلفة، إنما عائلات روحية مختلفة، ولكننا قومية واحدة، وعرق واحد وجنس واحد وعائلة واحدة، فلا تجد عائلة واحدة في لبنان واقفة على طائفة معينة أو مذهب معين، فعائلة الحريري مثلا فيها الشيعي والسني والمسيحي، وعائلة بري فيها الشيعي والسني والمسيحي أيضا، حتى الاسم الواحد تجده مختلطا، فرئيس جمهورية لبنان في الستينيات فؤاد شهاب اسمه الكامل «فؤاد عبدالله حسن شهاب» وهو ماروني مسيحي.. فهذا هو لبنان، لذا نحن نقول «من يفهم لبنان.. يفهم صيغة المستقبل في العالم».

التحول إلى الاتحاد الخليجي

• كيف ينظر لبنان إلى دعوة الملك عبدالله الانتقال بمجلس التعاون إلى الاتحاد؟

• أنا مع الوحدة العربية والإسلامية، وهذا ما تدعو إليه حركة أمل أيضا كونها حركة لبنانية عربية إيمانية، ونحن مع كل تقارب بين بلد عربي وبلد عربي آخر، وأعتقد أنه لو كان هنالك جامعة عربية تستطيع أن تأخذ قرارات لما وصلنا إلى كثير من الأمور التي وصلنا إليها، ولما لجأنا إلى نواد أخرى في العالم كي تحل مشاكلنا.

دفاع عن سورية

• هنالك أطياف لبنانية أبدت انزعاجها من تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية .. فما رأيكم؟

• هنا أختلف معك قليلا، فا الذي حصل في الجامعة العربية بالنسبة لسورية دستوريا وعربيا لم يكن مقبولا، إذ ينص البند الرابع عشر أو الثامن عشر ـ لا أذكر الآن ـ على أن طرد أو عزل أية دولة عربية لا يتحقق إلا بإجماع كل الأطراف ما عدا الدولة المعنية، فمثلا أنموذج ليبيا؛ كانت فيه جميع الدول مجمعة على عزل ليبيا عدا ليبيا نفسها، فإذا طبقنا هذا الأمر على سورية يجب أن تقبل كل الدول على إخراجها عدا سورية، فهذا ميثاق الجامعة ودستورها. فماالذي حصل في شأن سورية؟ لبنان نأى بنفسه ولم يكن موافقا، وعمان اتخذت الحياد، الجزائر والعراق امتنتعا، ومع ذلك صدر القرار. وكان من المفترض أن ترعى الجامعة العربية الحوار والوفاق داخل سورية، وأن تسعى لتحقيق ما يريده الشعب السوري من إصلاحات بإقناع النظام والمعارضة، فعندما أخرجت الجامعة سورية كيف لها أن تبحث الأمر مع النظام؟ ولماذا يستطيع مجلس الأمن أن يلعب وساطة وهو ليس عربيا، ويرسل كوفي عنان كي يحاور النظام المعارضة ولا تستطيع الجامعة العربية فعل ذلك؟ لأن مجلس الأمن لم يطرد سورية حتى الآن.

عودة النازحين من سورية

• قلت إن لبنان وجد نفسه مجبرا على استضافة النازحين من سورية بينما تملأ نواحيه مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي واجهت تندرا من بعض أبناء الشعب اللبناني.. هل للبنان أن يفكر في تهجير النازحين واللاجئين من أرضه كما يطالب بعض شعبه؟

• الفلسطيني طرده عدو، وعندما وصل إلى لبنان كان على أساس أن يظل فيها جمعة أو جمعتين، حتى أن بعضهم جاءوا حاملين مفاتيح بيوتهم، ولبنان تحمل كثيرا من وزر القضية الفلسطينية، وله شرف ذلك، ومهما طال الزمان يبقى الفلسطينيون لاجئين في لبنان وضيوفا عليها، وعلى الشعب اللبناني أن يحتضنهم حتى يعودوا إلى فلسطين، ودائما نحن نقول إن للفلسطيني في لبنان الحقوق ذاتها التي للبناني ما عدا الجنسية وحق الاستيطان، بمعنى أننا ضد استبدال الفلسطيني فلسطين بلبنان أو غير لبنان. أما الإخوة السوريون ففي الأوضاع العادية يفد للبنان عشرات آلاف السوريين للعمل فيها، وبعضهم يقولون إنهم مئات آلاف، فكل بساتين الجنوب وحدائقها ومزارعها يعمل بها سوريون بجانب البناء وغيره، حيث يبلغ حجم العمال السوريين في لبنان من 90 إلى 95 في المئة من إجمالي عدد العمالة، بينما اللبناني لا يعمل في هذه المهن، وأكاد أقول إنه يشبه المواطن السعودي في هذا الأمر. وما يحصل الآن في الظرف الراهن فهو مختلف، فاللاجئون من سورية بعضهم له طرف يعمل في لبنان فأحضر عائلته إلى هنا، ونحن لا نستطيع أن نقول له «لا» ، لكنه ليس مقيما دائما في لبنان، بل حتى تحل الأزمة في سورية، فباختصار أن لبنان تستقبل من شعر بأنه بحاجة إلى تطبيب ونحوه، وجميع المؤسسات اللبنانية ووزارة الصحة قامت بواجباتها كاملة، ونحن نتمنى عودة الوضع إلى طبيعته في سورية، وإحلال الوفاق فيها بأسرع وقت، وعندئذ على السوري كعائلات أن يعود إلى بلده.