لأهل الغرب شأن من التقاليد يمضون على الحفاظ عليها، وإحياء ذكرياتها، بل يصرون على أن يتخذوا منها أحداثا عالمية كمناسبة الألعاب الأولمبية، ونحن العرب ننظر ونتفرج، وكأننا أمة دون حضارة ولا تقاليد عريقة، مع أن نظرية جديدة استكشفت ــ إن صحت ــ تذهب إلى أن سكان العالم كلهم ينتمون إلى الجزيرة العربية. ومما يجب أن يفتخر به العرب بعامة، والسعوديون بخاصة، سوق «عكاظ» التي ظلت زمنا طويلا قبل الإسلام تقام قبيل أداء مناسك الحج، فكان أشراف العرب وأدباؤها وشعراؤها يجتمعون ليتباروا في إنشاد الشعر، وضرب الأمثال، بل أورد الخليل بن أحمد في معجم العين «أن امرأة في الجاهلية كانت تقوم في سوق عكاظ فتنشد الأقوال، وتضرب الأمثال، وتخجل الرجال»، مما يدل على رفعة المستوى الثقافي والأدبي لدى المرأة العربية القديمة.
وليس أدل على ذلك إلا تجرؤ الخنساء على حسان بن ثابت، وأنها أشعر منه، فاضطرا إلى الاحتكام إلى النابغة الذبياني الذي كانت تضرب له قبة حمراء يجتمع فيها إليه الشعراء ليستمعوا إلى رأيه في أشعارهم، فأنشدته الخنساء بعد الأعشى، فقال لها: «لولا أن أبا بصير أنشدني قبلك لقلت إنك أشعر الناس، أنت والله أشعر من كل ذات مثانة»، مما أغضب حسانا وحمله على أن يزعم أنه أشعر منها ومن النابغة نفسه.
إذن، كانت سوق «عكاظ» عيدا أدبيا كبيرا ومعرضا تجاريا مزدهرا، كما كانوا يتخذون من تلك الشهور الثلاثة زمن سلم بينهم، فلم يكونوا يتحاربون فيها، ونحن نرى أن ذلك يعود إلى حضارة إنسانية راقية عظيمة درست وبادت، ولم يصلنا من أخبارها وآثارها إلا قليل؛ وإلا فكيف قامت تلك السوق بتلك العظمة وذلك النظام؟، وكيف وقع الاتفاق على مكانها وزمانها بالتدقيق؟، وكيف تطورت فانتهت إلى أن تصبح العاصمة الأولى للأدب العربي؟، وكيف اتفقت القبائل العربية كلها في الجزيرة على أن تتخذ أربعة أشهر للأمن والسلام لا قبيلة منها تحارب فيها أخرى، منها ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وهي الشهور الثلاثة الحرم السرد، بالإضافة إلى شهر رجب الفرد.
أن يذهب الناس إلى مكان من أجل أن يتناشدوا الأشعار ويتضاربوا الأمثال، ويتسامعوا الخطب الفصاح، لهو أمر في غاية الرقي، وحق للعرب أن يفتخروا به بملء أصواتهم.
ولعل من أجل ذلك وقع إحياء هذا الموسم الأدبي على نحو ما، في المملكة على عهدنا هذا، وفي مكانه بالتحديد، غير أننا نريد للموسم الابنِ أن يكون في مستوى عظمة الموسم الأب، لتصبح المملكة عاصمة للأدب العربي، بعد أن شرفها الله باحتضان الحرمين الشريفين.
وليس أدل على ذلك إلا تجرؤ الخنساء على حسان بن ثابت، وأنها أشعر منه، فاضطرا إلى الاحتكام إلى النابغة الذبياني الذي كانت تضرب له قبة حمراء يجتمع فيها إليه الشعراء ليستمعوا إلى رأيه في أشعارهم، فأنشدته الخنساء بعد الأعشى، فقال لها: «لولا أن أبا بصير أنشدني قبلك لقلت إنك أشعر الناس، أنت والله أشعر من كل ذات مثانة»، مما أغضب حسانا وحمله على أن يزعم أنه أشعر منها ومن النابغة نفسه.
إذن، كانت سوق «عكاظ» عيدا أدبيا كبيرا ومعرضا تجاريا مزدهرا، كما كانوا يتخذون من تلك الشهور الثلاثة زمن سلم بينهم، فلم يكونوا يتحاربون فيها، ونحن نرى أن ذلك يعود إلى حضارة إنسانية راقية عظيمة درست وبادت، ولم يصلنا من أخبارها وآثارها إلا قليل؛ وإلا فكيف قامت تلك السوق بتلك العظمة وذلك النظام؟، وكيف وقع الاتفاق على مكانها وزمانها بالتدقيق؟، وكيف تطورت فانتهت إلى أن تصبح العاصمة الأولى للأدب العربي؟، وكيف اتفقت القبائل العربية كلها في الجزيرة على أن تتخذ أربعة أشهر للأمن والسلام لا قبيلة منها تحارب فيها أخرى، منها ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وهي الشهور الثلاثة الحرم السرد، بالإضافة إلى شهر رجب الفرد.
أن يذهب الناس إلى مكان من أجل أن يتناشدوا الأشعار ويتضاربوا الأمثال، ويتسامعوا الخطب الفصاح، لهو أمر في غاية الرقي، وحق للعرب أن يفتخروا به بملء أصواتهم.
ولعل من أجل ذلك وقع إحياء هذا الموسم الأدبي على نحو ما، في المملكة على عهدنا هذا، وفي مكانه بالتحديد، غير أننا نريد للموسم الابنِ أن يكون في مستوى عظمة الموسم الأب، لتصبح المملكة عاصمة للأدب العربي، بعد أن شرفها الله باحتضان الحرمين الشريفين.