-A +A
فالح الذبياني (جدة)
في الليث جنوب منطقة مكة المكرمة.. وفي قرية الغالة الساحلية تحديدا تراقب امرأة في الستين من العمر صورة علقتها على جدار غرفة الضيوف للأمير سلطان بن عبدالعزيز يرحمه الله، عندما سألتها عن سر احتفاظها بهذه الصورة لشخص انتقل إلى رحمة الله تعالى منذ عام قالت لي «هو والد الجميع، وما هذا المنزل الذي يؤويني وأبنائي السبعة سوى ثمرة من ثمار كرمه وعطفه غير المتناهي».
عائشة الثعلبي واحدة من نساء كثر امتدت لهن رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد يرحمه الله، حيث تسكن ونحو 120 أسرة في فلل سكنية شيدتها مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية وأثثتها بالكامل وسلمت المستفيدين مفاتيح هذه المساكن.
عناية الأمير سلطان بن عبدالعزيز لم تنحصر في إنشاء المساكن ولا في علاج المرضى أو التعليم والمعارف والعلوم الإنسانية بل شملت كل شيء، وما العبارة التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله حينما قال إن الأمير سلطان مؤسسة خيرية متنقلة إلا وصف دقيق لمسيرة رجل حافل بالخير والإنسانية والعطف.

رغم حجم المهام والمسؤوليات الجسام التي تولاها الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله داخل المملكة إلا أنها لم تشغله مطلقا عن العمل الإنساني حيث امتدت رعايته إلى المحتاجين خارج المملكة.
يروي مقربون من الأمير أنه وفي أحد الأيام وحينما ضربت النيجر مجاعة شديدة شاهد في وكالات الأنباء صورة امرأة تلاحق النمل وتراقب مخبأه وتجمع الفتات مما يجمعه النمل لتقتات عليه، حيث تأثر بشكل بالغ وأمر فريقا للسفر إلى النيجر والبحث عن هذه المرأة وتقديم المعونة الكاملة لها وأسرتها.
لقد أثمر هذا الأمر وهذا الجهد الذي وجه به يرحمه الله عن تشكيل حملة إغاثة عمت كل أرجاء النيجر، وعندما علمت هذه المرأة أن الأمير سلطان بن عبدالعزيز هو من قدم لها ولأبناء النيجر هذا الدعم الكبير، رفعت يديها إلى السماء وقالت «الله أكبر» ثلاث مرات.
لقد توسعت نشاطات هذه اللجنة لتغطي عدة دول إفريقية، وتقدم المساعدات والبرامج الإنسانية، وترفع عن المحتاجين أحزانهم.
لم يقتصر دعم الفقيد واهتمامه ومتابعته للقضايا الإنسانية على حالة هذه المرأة، بل إن ذلك أبسط مثال لاهتمام الأمير سلطان رحمه الله بالقضايا والمآسي الإنسانية، ومعالجتها قدر المستطاع.
وقد أسس رحمة الله لجنة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخاصة للإغاثة:
هدفت اللجنة إلى تقديم خدمات إنسانية وإغاثية طارئة حيث بدأت في دولة النيجر عام 1998م، ثم ضمت إليها جمهورية مالي عام 1419هـ الموافق 1999م وفي عام 1421هـ 2000م امتد عملها لتشاد وإثيوبيا وملاوي وجيبوتي ودول أخرى، وكانت اللجنة تقوم بتسيير القوافل الإغاثية والطبية العامة لمكافحة الأمراض الشائعة، مثل الملاريا والعمى، كما أقامت العديد من المشروعات التنموية والاجتماعية والصحية؛ منها حفر الآبار، وبناء المدارس والمكتبات العامة والمساجد والمستشفيات ومراكز غسيل الكلى.
وعرف عن الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله أنه الداعم والمساند للكثير من الأعمال الخيرية في المملكة، وصاحب الإسهامات الجليلة في المشاريع الخيرية، وهو صاحب المبادرات المتجددة، لذا يطلق عليه الشعب السعودي سلطان الخير وأمير القلوب تحببا له لقربه منهم، وتكريسه نفسه وجهده وماله لخدمة المواطنين والوطن.
صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، قال: الأمير سلطان يرحمه الله أعماله الخيرة والإنسانية أكبر من الوصف، وقد كان لي شرف العمل تحت إدارته في أكثر من موقع وتحديدا ما يتعلق برعاية المعوقين وتقديم العون والمساعدة لهم، ويشهد الله أنني لم أطرح مشروعا ولم يطرح غيري مشروعا إنسانيا لهذه الفئة إلا وتوجه يرحمه الله بالموافقة داعما لهذا المشروع بالفكر والمال، حتى أنه كان يتابع الحالات بنفسه ويطمئن إلى سلامة ما قدم لها من رعاية واهتمام وعناية.
ويضيف: للأمير سلطان يرحمه الله أكثر من قصة وقصة مع الأطفال المعوقين وذوي الظروف الخاصة فقد تكفل ومن ماله الخاص بعلاجهم خارج المملكة، بل واستقطب أمهر الأطباء وأحدث الأجهزة المتقدمة التي تساعد هؤلاء على العيش والحياة.
وزاد: رصدت جمعية الأطفال المعوقين بعض ما حفل به سجل الأمير سلطان في دعمه للجمعية، ولمركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، ولقضية الإعاقة والمعوقين، فقد تبرع لمشروع توسعة مركز جمعية الأطفال المعوقين بالرياض بمليوني ريال، ورعايته لحفل افتتاح توسعة مركز الرياض في 9 شعبان 1416هـ، كما تبرع لمشروع مركز جمعية الأطفال المعوقين بالمدينة المنورة، الذي شرف بإطلاق اسمه الكريم يرحمه الله (مركز سلطان بن عبدالعزيز لرعاية الأطفال المعوقين)، بخمسة ملايين ريال، وتبرع بعشرة ملايين ريال لحساب أوقاف مركز الجمعية بالمدينة المنورة (مركز الأمير سلطان بن عبدالعزيز)، عشية رعايته حفل افتتاح المركز في 15 رمضان 1422هـ، كما تبرع بعشرة ملايين ريال لمشروع وقف حائل الخيري، لدى رعايته لحفل وضع حجر الأساس لمركز جمعية الأطفال المعوقين بحائل، في 25 ربيع الأول 1426هـ.
وعن المساعدات الكثيرة التي تعهدها الأمير سلطان بن عبدالعزيز يرحمه الله، التي تخص الأطفال المعوقين وأبحاث الإعاقة، فقد ساعد في موافقة المقام السامي على إعفاء جمعية الأطفال المعوقين من شرط المنحة المخصصة للجمعية بمحافظة جدة (أرض حي الجامعة)، ما ساعد على استثمارها بشكل أمثل، إضافة إلى المساعدات النقدية والعينية ونفقات العلاج والإركاب وغيرها التي قدمها سواء بصفة شخصية، أو بتوجيهاته من خلال مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية للمعوقين الذين تزكيهم الجمعية لحاجتهم، وكذلك المساعدة في موافقة المقام السامي على تكليف مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة لإعداد النظام الوطني للمعوقين، وتبرعه بكامل تكاليف إعداد نظام حقوق المعوقين، التي زادت على مليون ونصف المليون ريال، وأيضا تشريفه جائزة الجمعية للخدمة الإنسانية بفوزه، وقبولها في دورتها الثالثة عام 1418هـ، حيث حرصت الجمعية على توثيق دوره يرحمه الله في مساندة أعمال الجمعية وخدماتها ورسالتها منذ تأسيسها حتى صارت صرحا شامخا، وتشرفت الجمعية بقبول الفقيد الراحل جائزتها للخدمة الإنسانية في دورتها الثالثة، تقديرا لدعمه الكريم لأهداف وخطط وبرامج الجمعية.
معالي الدكتور عبدالرحمن السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي قال: لئن غاب عنا أميرنا المحبوب، وولي عهدنا المشبوب رحمه الله وطيب ثراه في شخصه وذاته، فإنه لم ولن يغيب عنا في أفعاله وصفاته وإن آثاره خير ناطق وشاهد على قيامه بالأعمال الجليلة العظيمة في سجل طويل حافل، بأعمال البر والخير في الخارج والداخل.
وأضاف لقد أنشأ مؤسسة خيرية هي مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية، وهي مؤسسة غير ربحية، أنشأها وينفق عليها، لها أهداف إنسانية اجتماعية تتمثل في تقديم الرعاية الصحية والتأهيل الشامل لذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، وتقديم الرعاية الاجتماعية لهم، كما أن لها أنشطة بارزة في دعم الأبحاث في مجال الخدمات الإنسانية والطبية والعلوم التقنية، كما أسس لجنة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخاصة للإغاثة، وتهدف إلى تقديم خدمات إنسانية وإغاثية خارج المملكة، مثل تسيير القوافل الإغاثية والطبية العامة لمكافحة الأمراض الشائعة، ورعى مسابقة للقرآن الكريم في دول شرق آسيا والدول الإفريقية.
وأوضح الدكتور السديس أن الراحل أقام العديد من المشروعات التنموية والاجتماعية والصحية، كحفر الآبار وبناء المدارس والمكتبات العامة والمساجد والمستشفيات ومراكز غسل الكلى، وحرص على دعم الجامعات ومراكز الأبحاث، مثل جامعة الأمير سلطان الأهلية بالرياض، وكراسي البحث العلمي التي تحمل اسمه في جامعات المملكة المختلفة.. وغيرها الكثير والكثير.
واستذكر الدكتور السديس بعض المواقف التي حصلت له مع الراحل ومنها؛ «في السنة الأولى التي عينت فيها إماما وخطيبا في المسجد الحرام، استضاف أصحاب الفضيلة أئمة المسجد الحرام بقصره العامر بمكة المكرمة، وقد أثنى على العبد الفقير وأبدى إعجابه بحسن الصوت والتلاوة، مما كان له الأثر البالغ والتشجيع في تحمل هذه المسؤولية العظيمة، وأذكر أنه في إحدى الخطب التي ألقيتها في المسجد الحرام وكانت عن العلم، وجاء فيها التطرق للاهتمام بمجالات العلوم المختلفة، ومنها العلوم العسكرية، حتى يكون للأمة القوة الذاتية، فكان أن سمعت منه رحمه الله عبارات الثناء والإعجاب، بما يبعث على الاعتزاز، وعند لقائه في الاحتفال بعيد الفطر المبارك يثني على ما يكون من دعوات في ليلة السابع والعشرين ودعاء ختم القرآن الكريم».
«وكان من المواقف التي أعتز بها حينما شرفت بإدارة جامعة المعرفة برئاسة سماحة المفتي العام للمملكة، وكان سموه الرئيس الفخري لهذه الجامعة، وأذكر أنني ألقيت كلمة الجامعة، وقد استمع لها سموه وأبدى شكره وثناءه وإعجابه، وقال: ما دام هذا الرجل هو مدير الجامعة، فهي جامعة مباركة إن شاء الله، وقد شرفني سموه بالمشاركة مع الوفد السعودي لافتتاح مسابقة القرآن الكريم، تحت رعايته، والتي تقام بإندونيسيا سنويا، وقد أمر سموه بطائرة خاصة للوفد تشجيعا منه وتحفيزا لأعمال الخير والبر».
الدكتور محمد العقلا مدير الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة يقول: لا أحد يستطيع حصر كل الأعمال الخيرية التي قام بها هذه الأمير الجليل، فهو داعم كبير لحفظة كتاب الله، وله في ذلك مسابقة مشهورة ومعروفة، كما أنه أسس ومن ماله الخاصة مؤسسة خيرية كبرى مهمتها مساعدة الناس ليساعدوا أنفسهم لقد كان رائد العمل الإنساني في العالم، حيث شملت إسهاماته الخيرة والإنسانية جميع أصقاع الدنيا.
الدكتور ماجد القصبي مدير مؤسسة الأمير سلطان الخيرية، قال: أعمال الأمير الفقيد تتحدث عنه في كل المجالات، فكان قاضي حاجة الأيتام والمحتاجين والأرامل، إضافة إلى أنه كان إداريا محنكا، محبا للخير بصدق وطيب نفس.
وتذكر كيف كان الأمير يحب مشاركة الناس في قضاء حاجاتهم، ومتابعة المشاريع والخدمات التي يقدمها لهم، لدرجة أنه في مرة وبعد أن بدأت مؤسسته في تسليم 340 مسكنا للمحتاجين أمر ببناء مطار مؤقت لنزول طائرته في منطقة نائية، حتى يسهل على المواطنين المستفيدين من الخدمات لقاءه في منطقتهم.
وروى بعض صفاته الشخصية خلال عمله معه، فقال: كان مبتسما وذا إحساس صادق، ولم يرد أية معاملة قدمها له محتاج، بل كان يضاعف المبلغ فوق حاجة من يقدم الطلب دائما، وكان رجلا صاحب قرار، اجتماعيا مع زواره وعامة الناس، حيث عمل مع أهل الحضر والبادية.
معالي الدكتور سليمان أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قال: اشتهر بالجود والسخاء والبذل والعطاء ومناصرة الضعفاء وسد حاجة المعوزين، حتى عرف بـ(سلطان الخير)، فخيره ورعايته ودعمه شملت كافة أنحاء هذا الوطن وامتدت إلى العالم أجمع من شرقه إلى غربه، فما قدمه من أعمال البر في شتى المجالات الصحية والتعليمية والخيرية استفاد منها كثير من الناس، وتوج رحمه الله ذلك بإنشاء مؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية، وهي مؤسسة غير ربحية، وفر لها دعما ماليا وميزانية سنوية للإنفاق على مناشط الخير المتنوعة لتتمكن من تحقيق أهدافها الإنسانية في رعاية المرضى والمحتاجين وتقديم العلاج لهم والعناية بهم، وتقديم الدعم للبرامج الطبية والتعليمية والتقنية، ومشاريع الإسكان.
الدكتور عبدالعزيز المقوشي الأمين العام المساعد لمؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الإنسانية يقول: لا يمكن مطلقا اختزال نشاطات الأمير سلطان بن عبدالعزيز في المجال الإنساني في سطور أو كلمات، الوطن من أقصاه إلى اقصاه يعرف حجم هذا الرجل وقدرته الكبيرة على مد يد العون لكل المحتاجين.
وأضاف: من يشاهد الحجم المهول لأعمال مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية يعرف بدقة مدى عشق الراحل للأعمال الإنسانية، فهو يداوي المرضى، ويساعد المنكوبين، ويفرح المعسرين ويمد يد العون لكل الناس بدون استثناء، لقد كان كما قال عنه الأمير سلمان بن عبدالعزيز مؤسسة خيرية متنقلة رحمه الله رحمة واسعة.
للأمير سلطان بن عبدالعزيز مع كل المحتاجين مواقف تخط بماء الذهب وله مع الأطفال تحديدا قصص لا تنسى، يقول سفير اليمن في الرياض علي الأحول: مآثر الأمير سلطان بن عبدالعزيز وإنسانيته وأعماله الخيرية كبيرة ومتعددة وفي اليمن له بصمات شاهدة على إنسانية هذا الرجل، وأجزم أن كل اليمنيين يعرفون جيدا حب الأمير سلطان وخيره.
وروى الأحول قصتين للأمير سلطان بن عبدالعزيز، الأولى عندما تكفل بعلاج الطفل اليمني (خالد نجيب سعيد) الذي كان يعاني ورما تسبب له في بلوغ جنسي مبكر، على الرغم من أن عمره 3 سنوات حيث تم نقل الطفل اليمني إلى الرياض لتقديم العلاج المناسب له.
أما القصة الثانية فهي لطفل يمني وقف بين يدي الأمير سلطان وألقى قصيدة تجسد علاقة اليمن بالمملكة وعندما فرغ الشاعر الطفل من إلقاء القصيدة ابتسم الفقيد وقال للطفل «وش تامر علي»، فرفض الطفل، وعرض عليه الأمير سلطان أن يصرف له مرتبا شهريا وسيارة، وسط رفض الطفل، حيث ظل يقول له «شكرا»، إلا أن الراحل أمر بصرف مرتب شهري للطفل، وسيارة.