-A +A
مها الشريف
لابد من الخوض في القديم لكي نكتب الوقائع والأحداث بفلسفة تاريخية، ويتبادر للأذهان التسلسل الزمني الذي يفرض الماضي قبل الحاضر لتطبيق هذا المنطق بكل الصيغ النسبية والجزئية والمشروطة.
عندما تسجل الأقلام الآراء تتفرق الصفحات وتتوارد الصدف وتنتهي الحيل وتتقدم الكتب لتدفع التأويل إلى التدليل والإثبات.

مهما اندثرت حقب كثيرة من الزمن نجدها تتجدد مع كل حالة ميلاد وتصطف الأحداث اصطفافا وبأعداد متساوية في القيمة والمكانة، و تركن على سطر واحد وخط استقامة واحدة ...
اختلف الناس في التقديرات والتبريرات حول مسلسل الصحابي الجليل «عمر بن الخطاب» وانقسموا بين مؤيد ومعارض، فكثير منا أدرك مضامين الأشياء وأهمية أهدافها، والقسم الآخر صور النزعة الاختيارية على أنها مؤامرة على الدين والصحابة. لقد جبلنا على التحريم أكثر من التحليل لذلك نستنكر كل جديد ونتأثر بكل محور يملأ المكان حركة، قال آرون: «تختلف المعرفة التاريخية بالماضي عن المعرفة بالحاضر، الأولى صعبة وتتطلب جهدا منهجيا في بنائها، والثانية تلقائية». إن لكل ضرورة قانونا تعتمد عليه وصفة متداولة لدى الجميع لها لوائحها ونتائجها العامة والخاصة وتظل رهنا لطبيعة المجتمعات وعاداتها التي كادت أن تشرع، فمنهم من طالب وحشد الجهود لمقاطعة بعض القنوات الفضائية التي تعرض المسلسل، ومنهم من ناشد القائمين من أصحاب القرار على وقف العرض والاستمرار، وهذا يؤكد أننا أمة تقاتل بلا سلاح وتسعى في نفس المكان وتشير إلى الآخرين بنفس إصبع الشهادة وتكيل كل صنف بمكيالين.
إذا مكثنا طويلا على أرض ثابتة لا تدور فلن نجد تلك السماء التي ألفناها والفلك الذي يحوي الكواكب، ستتغير الأشياء، وتتعامد الشمس في وسط النهار وتتحول مسارات التاريخ إلى غاية أخرى، وتتوقف الوسائل قبل مفاهيمها.
تتمحور كثيرا من الأحداث في نطاق ضيق، دعونا نجوب حقول الممكنات ونرتع في القناعات، ونخفي الكلمات والإشارات غير الواعية، ويتبادر إلى الذهن السؤال الحيوي، لماذا المؤلف والسيناريست لم يعرض لنا من الصور المشرقة لأحد التابعين وبذلك يتم إغلاق الأبواب التي تختبئ خلفها الشكوك والفتاوى حول تجسيد شخصيات الخلفاء، كما أن التابعين أبطال ظهروا في العصر الأصعب ولقد سجل برنامج الداعية عمرو خالد «مع التابعين» العام الماضي أكبر نسبة مشاهدة في شهر رمضان وهي سيرة عظيمة بعيدة عن الشبهات والشك بين التحليل والتحريم، ولو تم عرض أحد شخوص البرنامج الناجح لكفى الناس الجدل الذي لا ينتهي. ولكن تعددت الطرق المنهجية الفاعلة التي تؤلف النسق و تعنون المواضيع التي تنتظرها الأجيال، وتأمل أن تجد فحوى عظيمة تستحق الحفاظ عليها، ولكن كلما شاء التاريخ أن يبدأ بنا تعلقت المسائل بالعقائد وأسرفنا كثيرا في أفكار عمياء لا ترى النور، و نعود كما كنا ونمكث في حالة استنفار حائرة تحت سيطرة المستجدات والمنطق المتوتر .