منذ صدور المرسوم الملكي القاضي بتأسيسها في عام 1952م قطعت مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» شوطا طويلا في تطوير صناعة الخدمات المالية في المملكة عبر اضطلاعها بتنفيذ جملة من المهام الرئيسية كان من أبرزها إصدار العملة الوطنية وقيامها بدور بنك الحكومة، ومراقبة البنوك التجارية، وإدارة احتياطيات المملكة من النقد الأجنبي، وتشجيع نمو النظام المالي للمملكة وضمان سلامته، وإدارة السياسة النقدية للمحافظة على استقرار أسعار الصرف، والإشراف على شركات التأمين. وقد نجحت «ساما» في تحقيق مستويات أداء عالية في المهام الموكلة إليها، وأظهرت حصافة استثنائية في إدارة السياسة النقدية في ظل متغيرات اقتصادية دولية وإقليمية هامة، كما يحسب لـ «ساما» بناء كوادر وطنية مؤهلة تعاقبت على إدارة وتطوير مختلف المهام والمسؤوليات المناطة بها، هذا إلى جانب القفزة التقنية التي حققتها الصناعة المصرفية السعودية بتوجيه وإشراف مؤسسة النقد. كما تميزت «ساما» بإطلاق مبادرات رائدة تمثلت في إصدارها للكثير من الأنظمة والتعليمات لاسيما في مجال النهوض بصناعة الخدمات المالية التي أصبحت اليوم تضاهي إن لم تتفوق على الخدمات التي تقدمها بنوك العديد من الدول المتقدمة وذات التاريخ العريق في هذه الصناعة. أما النجاح الأبرز لمؤسسة النقد من وجهة نظري فقد تمثل في إدارتها للسياسة النقدية للمملكة بكل اقتدار خلال فترة الأزمة المالية العالمية التي اجتاحت العالم نتيجة لأزمة الرهن العقاري التي انطلقت شرارتها في النصف الثاني من عام 2007 في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تمكنت «ساما» من تجنيب مؤسساتنا المالية النتائج السلبية للأزمة باتباعها سياسات نقدية حصيفة عندما اتخذت موقفا استباقيا تمثل في تبني إجراءات تنظيمية حديثة أدت إلى تعزيز ملاءة بنوكنا الوطنية والنظام المصرفي في المملكة. ونتيجة لسياسات «ساما» وإجراءاتها أصبحت المملكة من بين بلدان محدودة نجحت في تطبيق معايير (بازل 2) لكفاية رأس المال اعتبارا من بداية عام 2008 حيث طبقت «ساما» جميع تلك المتطلبات والتي تشمل متطلبات رأس المال، وآليات المراجعة والإشراف، والشفافية والإفصاح. وقد أعلنت لجنة بازل في ديسمبر 2010م حزمة الإصلاحات التي أصدرتها بعنوان (بازل 3). وتشمل معايير جديدة للحد الأدنى من كفاية رأس المال ونسبة الإقراض إلى رأس المال، ونسبتي سيولة جديدتين. من المؤكد أن لاتواجه بنوكنا صعوبات تذكر حيث تتمتع بقاعدة حقوق مساهمين قوية ونسبة سيولة عالية ومستوى اقراض متوازن. ورغم الإنجازات الكبيرة التي حققتها «ساما» إلا أن هناك بعض التحديات التي يتعين عليها الاستعداد لها ومن أبرزها في اعتقادي توسع الجهاز المصرفي في تقديم الائتمان للأفراد لاسيما في مجال التمويل الاستهلاكي وتلبية حاجات غير أساسية للمقترضين حتى بلغ إجمالي الديون على الأفراد بنهاية الربع الثاني من العام الحالي ــ وفقا لتقديري ــ حوالى 220 مليار ريال، مقابل القروض الشخصية وقروض بطاقات الائتمان وتمويل السيارات والتأجير التمويلي. وفي تقديري فإن ارتفاع حجم عمليات القروض الشخصية يأتي على حساب تراجع برامج الادخار والتمويل الاستثماري للأفراد نظرا لتفشي ثقافة الاستهلاك لدى المجتمعات الخليجية بشكل عام. وأختم واثقا بأن تواصل «ساما» كعادتها التعامل بنجاح مع مختلف التحديات وأن توليها اهتمامها المعهود في التعاطي مع قضايا تطوير الصناعة المصرفية بقيادة معالي المحافظ الدكتور فهد المبارك بوصفه أحد القيادات الوطنية البارزة في القطاع المالي الذي آلت إليه مسؤولية قيادة مؤسسة النقد قبل نحو ثمانية أشهر بعد أن اضطلعت بمسؤوليتها قامتان وطنيتان كبيرتان في مجال الصناعة المالية والبنوك المركزية هما معالي الشيخ حمد السياري ومعالي الدكتور محمد الجاسر اللذان قادا «ساما» باقتدار على مدى الخمسة والعشرين عاما الماضية ووضعا مؤسسة النقد في مصاف أكفأ البنوك المركزيه في أكثر الدول الصناعية تقدما. ومما لاشك فيه فإن الأداء المتميز للمحافظين الذين تعاقبوا على قيادة مؤسسة النقد العربي السعودي يعود في المقام الأول إلى حسن اختيارهم من قبل ولاة الأمر حفظهم ثم إلى كونهم من القيادات المالية الوطنية المشهود لها بالكفاءة والتميز.. ومن المتوقع أن يسخر الدكتور المبارك خبراته العريضة للبناء على الإنجازات التي نجحت مؤسسة النقد في تحقيقها خلال العقود الماضية مع انتهاج سياسات نقدية أكثر ملاءمة لمواجهة التحديات المختلفة وقيامه باستكمال بناء الكوادر البشرية والأطر النظامية لزيادة فاعلية الدور الحيوي الذي تقوم به «ساما» مع تمنياتي له بالمزيد من التوفيق في قيادة مؤسسة نقدنا العريقة.
تنويه واجب:
الآراء الواردة في المقال تعكس وجهة نظر الكاتب ولاتعبر عن رأي أي جهة أخرى.
كاتب اقتصادي.
تنويه واجب:
الآراء الواردة في المقال تعكس وجهة نظر الكاتب ولاتعبر عن رأي أي جهة أخرى.
كاتب اقتصادي.