تشكل الأمراض غير المعدية أبرز التحديات التي تواجهها المجتمعات الخليجية والعربية والعالمية في ظل تزايد أعداد المرضى واستنزاف ميزانيات وزارات الصحة، خصوصا أن الأمراض غير المعدية تعتبر من الأمراض المزمنة التي تلازم المريض في حياته.
ويبحث 62 خبيرا من المملكة وخارجها غدا خلال المؤتمر الدولي لأنماط الحياة الصحية والأمراض غير السارية في العالم العربي والشرق الأوسط، والذي دعت اليه وزارة الصحة برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز: المستجدات التي طرأت على الأمراض غير المعدية، وذلك في قاعة الأمير سلطان بن عبد العزيز في فندق الفيصلية.
ورأى المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون الدكتور توفيق بن أحمد خوجة: أن أهم الأسباب التي ساعدت على انتشار الأمراض غير المعدية، ماشهدته دول الخليج ومنها المملكة من تغيرات كبيرة كانت لها تأثيرات بالغة على صحة المواطنين، حيث أدت هذه التغيرات إلى تحول ملموس في النمط العام للأمراض إذ تعود الناس على أساليب حياتية وعادات معيشية وغذائية جديدة نجم عنها انتشار البدانة والتراخي البدني وانحسار ممارسة الرياضة وانتشار التدخين وزيادة الإجهاد الفكري والتوتر العصبي، وكل هذه العوامل تسببت في زيادة معدلات الإصابة بالأمراض القلبية والوعائية والسكر والسرطان.
وأضاف: «رغم أن وزارات الصحة أخذت على عاتقها إعداد برامج وقائية من الأمراض المزمنة بهدف تغيير النمط السلوكي وتوعية الناس لتغيير أساليب معيشتهم من خلال التغذية السليمة، الرياضة، الإقلاع عن التدخين، الكشف الدوري لأمراض ضغط الدم والداء السكري وزيادة الكولسترول، إلا أن أية محاولات لإصحاح الوضع للسيطرة على الأمراض المزمنة لن تكتب لها النجاح دون مشاركة حقيقية من المجتمع.
السمنة والسرطان
ورأى وكيل وزارة الصحة للصحة العامة رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر الدكتور زياد ميمش: أن المملكة سجلت نسبا وإحصائيات للمصابين بالأمراض غير السارية والمعدية، حيث بلغ نسبة الإصابة بالسكري 14 % بين كافة فئات المجتمع و28 % لمن أعمارهم تفوق 30 سنة، كما سجلت السمنة نسبة 36 % والإصابة بالكولسترول 19.3 % وكذلك التدخين نسبة 13.10 % والضغط 26 %، والنشاط البدني 33.30 % بين كافة فئات المجتمع.
وأشار إلى أن أسباب الوفيات حول العالم من الأمراض غير السارية ارتفعت إلى 65 % ويتوقع أن تصل النسبة خلال العشر السنوات القادمة إلى أكثر من 75 %.
ولفت إلى أن مشكلة الأمراض غير السارية وما يرتبط بها من أمراض مثل السمنة والتي ترتبط بأربعة من الأمراض الأساسية (الأمراض القلبية الوعائية والسرطان والسكري والأمراض التنفسية المزمنة) غير السارية، يصاحبها انخفاض الإنتاجية، وتفرض تكاليف صحية باهظة على الأسر في الإقليم، وعلى ميزانيات الرعاية الصحية أيضا، بالرغم من تحسن حياة النساء والرجال في الإقليم.
الأقدام السكرية
واعتبر المشرف العام على كرسي محمد حسين العمودي لأبحاث القدم السكرية وأستاذ الجراحة واستشاري جراحة الأوعية الدموية في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة البروفيسور حسن بن علي الزهراني: مشكلة القدم السكرية من أهم المشاكل الصحية، نتيجة الإصابة بمرض السكر نظرا لتفشي الإصابة بمرض السكر بين السعوديين خاصة، حيث تتزايد أعداد المصابين بمرض السكر سنويا وبصورة متنامية، فطبقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية وبعض الدراسات يمكن القول بأن واحدا من كل 5 سعوديين يعد مريضا بالسكر، وتزداد نسب الإصابة لتناهز 1 من 3 مع تقدم العمر.
وأفاد أن قلة الوعي لدى كثير من المرضى بأهمية التحكم في مستويات السكر في الدم لديهم، فقد تزايدت نسب حدوث المضاعفات طويلة المدى لمرضى السكر، ويأتي في مقدمة ذلك نسب الإصابة بحدوث مضاعفات القدم السكرية.
وأضاف: «لا تقتصر المشكلة على البعد الصحي بل تمتد مشكلة القدم السكرية لتشمل أبعادا اجتماعية ونفسية واقتصادية تضاف إلى ما يعانيه المريض من مشاكل صحية، ويأتي في مقدمة ذلك فقد المريض لوظيفته أو تأثر أدائه فيها، ومعاناته من مشاكل نفسية قد تؤثر على حياته الزوجية وعلاقته بأفراد أسرته ومجتمعه، إضافة إلى ما يشكله الإنفاق المالي على علاج ومتابعة وتأهيل حالات القدم السكرية من أعباء باهظة ترهق ميزانية الصحة للدول التي يتفشى فيها مرض السكر.
البروفيسور الزهراني خلص إلى القول: «إن فرق البحث لكرسي محمد بن حسين العمودي لأبحاث القدم السكرية في جامعة المؤسس مستمرة في إجراء الأبحاث العلمية للتوصل إلى فهم أعمق لهذه المشكلة الصحية المعقدة، وأن تساهم نتائج تلك الدراسات في الحد من هذه المشكلة ومن مضاعفاتها، بجانب تحقيق إسهامات علمية مبتكرة وفريدة من نوعها في طرق الوقاية والتشخيص والتثقيف والعلاج لقرحة القدم السكرية ومضاعفاتها».
مخاطر السمنة
وأوضح استشاري طب الأسرة والمجتمع الدكتور خالد عبيد باواكد: أن السمنة أصبحت تشكل من أبرز التحديات الصحية التي تواجه المجتمعات الخليجية وخصوصا المملكة لاعتبارات عديدة، مسببة بذلك خطورة على المرضى، بجانب الانعكاسات النفسية والاجتماعية والبدنية والاقتصادية المترتبة على ذلك.
وأشار إلى أن عدة دراسات نشرت حول معدل انتشار السمنة وهي لاتختلف كثيرا عن بقية دول الخليج بينت أن نسبة زيادة الوزن عند الرجال تصل إلى 29 % بينما عند النساء 27 %، بينما نجد أن نسبة السمنة عند النساء تصل إلى 24 % وفي الرجال 16 %.
وعن أسباب زيادة السمنة والعوامل المؤدية إلى ذلك، لفت باواكد إلى أن هناك 6 عوامل وراء السمنة هي: النمط الغذائي، قلة النشاط والحركة، العوامل النفسية والبيئية، اختلال في الغدد الصماء، وتشكل الوراثة العامل الخامس، بينما تشكل جينات السمنة العامل السادس في المسببات.
باواكد أكد أن مواجهة زيادة الوزن والسمنة تكون بإتباع العديد من الطرق الوقائية والعلاجية وفق أهداف محددة ومنطقية قصيرة وطويلة المدى.
سكري الأطفال
وفي جانب سكري الأطفال أوضح استشاري طب الأطفال والغدد الصماء والسكري بكلية الطب جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عبدالمعين الآغا: أن داء السكري من النوع الثاني أصبح منتشرا في جميع أنحاء العالم بما فيه أطفالنا في المجتمع السعودي خاصة والخليجي عامة، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى انتشار البدانة لدى جميع فئات المجتمع بما فيها الأطفال.
وأشار إلى ان انتشار البدانة هو المسبب الرئيسي لداء السكري وله أسباب عديدة منها: تغير نمط الحياة من الحياة القروية إلى الحياة المدنية، وما صاحبها من الابتعاد عن المواد الغذائية الصحية والتحول إلى الوجبات السريعة الغنية بالسعرات الحرارية، وانتشار الوجبات السريعة أصبح من أكبر المخاطر التي تواجه كل أطفال العالم وأضرارها عديدة على صحة الفرد والمجتمع، وللأسف أصبحت منتشرة في معظم أحيان كل مدينة محليا وعالميا، وتوفر وسائل الراحة للفرد والمجتمع مما أدى إلى قلة الحركة والجلوس أمام أجهزة التلفاز والحاسوب والألعاب الالكترونية، مما قلل بشكل كبير أوقات النشاط الرياضي وهذا مما أدى بشكل كبير إلى انتشار البدانة والوراثة، ولها دور كبير في الاستعداد الجيني للبدانة وكذلك لحدوث مرض السكر من النوع الثاني.
وحول كيفية وقاية الأطفال من النوع الثاني من داء السكري قال الدكتور الآغا: هناك عدة خطوات أهمها أن نعود أطفالنا منذ صغرهم على الأطعمة الصحية، مثل كثرة تناول الخضراوات والفواكه، والابتعاد عن أكل الحلويات والأطعمة التي تحتوي على سعرات حرارية عالية مثل الوجبات السريعة، والتي هي من أهم العوامل في انتشار البدانة في جميع أنحاء العالم، وتشجيع ممارسة الرياضة لجميع أفراد العائلة، حيث إن الطفل بحاجة لمرافقة أفراد عائلته معهم خلال فترة الحركة والنشاط البدني (الأبوان هما القدوة التي يقتدي بها الطفل)، والتقليل من الجلوس أمام شاشات التليفزيون والألعاب الالكترونية، وتعتبر فترة ساعتين في اليوم هي أكثر فترة يسمح بها في الجلوس، وتجنب شرب المياه الغازية والعصيرات المحلاة، حيث تحتوي على سعرات حرارية عالية واستبدالها بشرب الماء فهو ضروري جدا لخلايا الجسم المختلفة، والمحاولة من تجنب العقاقير التي تحتوي على الكورتوزون قدر الإمكان خصوصا المراهم الجلدية.
الأمراض الصدرية
وتعتبر الأمراض الصدرية من الأمراض المنتشرة في المجتمعات العالمية، ويقول استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم المشرف على مركز اضطرابات النوم في مدينة الملك عبد العزيز الطبية بجدة الدكتور أيمن بدر كريم: إن ملايين الناس يصارعون يوميا كثيرا من الأمراض التنفسية المعدية وغير المعدية (كالربو الشعبي، وأورام الرئة، والتهاب الشعب الهوائية المزمن، وتليف الرئتين) إذ يموت بسببها أكثر من 10 ملايين شخص سنويا وتحصد قريبا من 7 % من مجموع الوفيات حول العالم.
وأفاد أن المنظمات الطبية الدولية للأمراض الصدرية لفتت الانتباه إلى ضعف الاهتمام بأمراض التنفس، واحتلالها مرتبة متأخرة في جدول أعمال الصحة العامة لكثير من الدول، وقصور قوانينها عن الحد من آفة التدخين، ومحاصرة بيع واستعمال التبغ، بالرغم من تسببه في قتل أكثر من 5 ملايين شخص سنويا، كما حذرت تلك المنظمات من وفاة ما يقرب من 250 ألف شخص سنويا، نتيجة غياب التحكم في مرض الربو الشعبي والذي يصيب نسبة (15 – 20 %) من الأفراد في بعض مناطق المملكة، ويتميز بأعراض السعال وضيق التنفس المتكررة، ومضاعفات صحية ونفسية واجتماعية، يمكن تجنبها عن طريق التشخيص السليم، وتوفير العلاج والمتابعة المستمرة على المدى الطويل.
وعن اضطرابات النوم قال الدكتور أيمن: تبين حديثا ارتباط الشخير المزمن وانقطاع التنفس أثناء النوم، بوصفها من اضطرابات النوم المنتشرة بكثرة (17 % من أفراد المجتمع) بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، مرض السكري، أمراض القلب والشرايين والسكتة الدماغية، فضلا عن فرط الوزن، الاكتئاب، حوادث السيارات نتيجة زيادة النعاس أثناء النهار، وارتفاع عدد الوفيات في المجتمعات المختلفة، مما يؤكد على ضرورة الاهتمام باضطرابات النوم وتشخيصها وعلاجها بشكل فعال في مراكز خاصة بفحص طبيعة النوم أثناء الليل، لتجنب مضاعفاتها الخطيرة.
ومضى د.أيمن قائلا: «تتجاوز مضاعفات اضطرابات النوم، كالأرق المزمن والحرمان من النوم السليم المعاناة من اضطرابات المزاج، وزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض شرايين القلب، وتأثر نظام مناعة الجسم بشكل سلبي، فقد أشار تقرير حديث إلى ارتباط الأرق المزمن بارتفاع خطر الموت المبكر نتيجة الإصابة بأمراض السرطان المختلفة، فضلا عن ارتباط الحرمان المزمن من النوم، واضطراب الساعة الحيوية (كعمل الورديات المسائية) بارتفاع نسبة الوفيات نتيجة حوادث السيارات وإصابات العمل».
الوجبات الدسمة
من جانبها، رأت منسقة برنامج مكافحة داء السكري في محافظة جدة واستشارية طب الأسرة الدكتورة هناء الغامدي: أن تغير أسلوب الحياة والتوجه للأسلوب الخاطئ يعد من أهم أسباب السمنة وخصوصا عند الأطفال الذين أصبحوا يعتمدون على الوجبات الدسمة والسريعة التي تحتوي على كميات كبيرة من السعرات والدهون، بجانب قلة الحركة عند الأطفال خصوصا مع وجود ألعاب الفيديو التي يلازمون عليها لساعات طويلة.
وأشارت إلى أن هناك نتائج سلبية مترتبة على السمنة لا تقتصر على الجسد فقط وإنما على نفسية الفرد، كما أن السمنة تعتبر مسببا رئيسيا للعديد من الأمراض منها السكري وضغط الدم وبعض أنواع السرطانات وأمراض المفاصل.
الدكتورة هناء خلصت إلى القول: «للآباء دور كبير في توعية أبنائهم عن طرق الأكل الخاطئة، وحثهم على ممارسة الرياضة حتى تتوافق أوزانهم مع أطوالهم، وعدم الجلوس لساعات طويلة أمام التلفاز».