-A +A
خالد ربيع السيد
الصيد بحنكة صناديق الشاي له شأن آخر، وجلد آخر تزكيه عزيمة الصبر.. انتظار الطير حتى يحط، ثم استدراجه نحو قدره المحتوم.. يقلبون صندوق «شاي ربيع» على جهته المفتوحة ويرفعونه بعصا غادرة تركزه وتصنع فتحة بين الأرض وبين شراكه، وبتؤده يوضع الطعم للعصفور تحته، لأن العصا الساندة تكون مربوطة بخيط بحيث يكون الصياد على بعد عشرة أمتار على أقل تقدير، ليمنح الطائر أمانه، يختبئون خلف شجرة أو صخرة ممسكين بالخيط، وعندما يأتي المختال بقفزاته يسحبون الخيط، ثم يقع الصندوق على الطير فيحبسه.
وفي صيفية قادمة ستعم لعبة صناعة السيارات من علب «السمن» ذات ا لاطارات المشغولة بأغطية البيبسي والتي تركب على خشبة الخيط المستعمل في خياطتها الملابس.. يتفانى كل في صناعة سيارته بحيث يصبو الى ان تكون هي الكُبرى ولها مقود، يصنعها الصبية الأشد بأسا.. غير ان الصغار تكون سيارتهم مصنوعة من علبة ساردين كبيرة تخرق في أحد أطرافها لربطها بالخيط وجرها بعد ان تملأ بالتراب لكي تعمل خلفها «خطا» عند جرها، وكلما كان الأثر واضحا وغائرا في تراب الحارة كان الطريق أملس وممهدا على صفحة التراب دعاه ذلك الى الفخر.

إبان تلكم الصيفية تفجرت لعبة طيارات الورق، البخارية هم الرواد في صنعها وكانوا يقومون ببيعها لهؤلاء الفتية: (طيري يا طيارة طيري من ورق وخيطان بدي أرجع، ولد صغير، على سطح الجيران).
ثم انهم تعلموا صناعتها ثم اصبحوا مهرة في تركيبها.
كانوا مخترعين بفطرتهم، أو ربما لحاجتهم، يخترعون اللعبة تلو اللعبة، فإذا ما لم يجدوا ما يخترعونه تعاركوا لتبديد ضجرهم، يأتي أحدهم الى رفيقه ويدعوه: تكاسرني، ويمد يده نحوه، ومن يلوي ذراع الآخر ينتصر.
«برجون علب الصلصة» هي لعبتهم المخترعة، ذات ضجر، وضعوا علب الصلصة في صف طويل، ورسموا دائرة كبيرة حلولها ثم يقف المتنافسون على بعد لمحاولة اصطياد العلب بحجر بحيث يخرجها من الدائرة، يتنافسون في جمع أكبر عدد من العلب، ويقف المتفرجون مشجعين باثّين في اصحاب اللعبة الحماس، أما الحكم فيقف في المنتصف ليحكم اللعبة ويفض النزاع اذا ما احتدم، هو القانون يحدد المسافة للابتعاد عن الدائرة، والحجر لابد ان يكون مسطحا، لا يصلح الحجر الكروي.
أين يذهب المنتصر بما كسبه من علب.. لن يذهب بها والأرجح انها ستترك في مكانها بعد انتهاء اللعبة عند اذان المغرب، عند المغيب فهو المؤشر لهم بالدخول الى بيوتهم.. الشياطين وحدها تخرج الى الشوارع بعد الآذان.. هكذا يردد أهاليهم.
«البربر» و«الليري» كان لهما حظ في صيفيات حارة بقيلي.. يخططون الملعب على تراب الأزقة.. عماد اللعبتين التقافز والركض.. للعبة «الليري» طقوس وقوانين لا يحسنها الا الحاذقون.. خشبة عريضة كمضرب تنس الطاولة «المضراب»، وقطعة اخرى «الفز» في شكل حبة الخيار أو الجزر.. دائرة وخط يبتعد عنها ترسمان على الأرض، وصبي يقف على الخط ممسكا بالفز وآخر داخل الدائرة ممسك بالمضراب..
«المقطار» يخططونه بالفحم على هيئة مربعات في حجم رقعة الشطرنج.. على «دكاك» البيوت ومداخلها وادراجها، مقطار أبو تسعة ومقطار أبو ثلاثة.. تشتد منافسة الغلمان الأكبر سنا على مقطار أبو تسعة يدرك البزورة الصغار انه يحتاج الى حنكة -تخطيط ودهاء شبيه بالشطرنج- فيلعبون مقطار أبو ثلاثة.
أما المبارزة بالسيوف الخشب وعمل الدروع من أغطية صفيحة السمن الى الشوكة والملعقة فقد كان بدعة واختراعا تفنن فيه «عيال حارة بقيلي» بحيث يحمل المحارب السيف بعد ان يجعل له مقبض على شكل الصليب لكي يحمي الصليب اليد من الاصابة، وغطاء صفيحة السمن لها مقبض في الوسط فيتم حملها باليد اليسرى والسيف باليمنى يبدأون المبارزة والحرب المتخيلة، يتصايحون: أنا عنترة، أنا صلاح الدين، أنا الفارس المغوار.. لا يعرفون من هو عنترة ومن المغوار ولكنهم يتلبسون الشجاعة.
يخترعون القوس من خشبة بعرض اصبعين تخزق من منتصفها لربط مطاط بين طرفي الخشبة يمر على الخزق المنتصفي حيث يعبر السهم المسنون من خيزرانة مشدودة على المطاط لينطلق عند فلتة طرف السهم يلبس بغطاء علبة الصلصة، يثنى على السن فيكون رأس السهم الخيزراني المدبب.