قبل أن أبدأ مقالتي هذه أود أن أوجه كلمة عتاب لأخي معالي الدكتور عبدالله الربيعة وزير الصحة، قائلا له إنني أحبه في الله وفخور به كجراح سعودي عالمي في فصل التوائم، وقد حرصت على حضور تكريمه في اثنينية الشيخ الفاضل عبدالمقصود خوجة قبل أن يكون وزيرا للصحة، والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وليست كلمتي هذه موجهة ضده كشخص، وإنما كمسؤول عليه أن يتقبل بصدر رحب النقد الهادف البناء، وصديقك من صدقك لا من صدقك، وهدفي الأول والأخير هو المصلحة العامة، فليس لي أي مصلحة مع المستشفى المغلق، وأتمنى أن لا يأخذ مني موقفا كما حدث بعد مقالاتي عن أنفلونزا الخنازير، والتي أثبتت الأيام صحة ما كتبت، وآخرها ما نشر هذا الأسبوع عن وجود شوائب في تطعيمات الأنفلونزا الموسمية هذا العام، وقد حذرت الهيئة العامة للغذاء والدواء من أن استخدامها قد يؤدي إلى تأثيرات خطيرة على الصحة، وما نشر بصحيفة عكاظ يوم الاثنين 20 ذي الحجة 1433هـ: أكد مسؤول في منظمة الصحة العالمية أن المنظمة لم تعد تعتبر أنفلونزا الخنازير وباء، مشيرا إلى أنها تضعها ضمن قائمة الأنفلونزا الموسمية.
وأتمنى من الكتاب الأفاضل والمواطنين الأكارم ومسؤولي وزارة الصحة الذين كتبوا مؤيدين لغلق المستشفى أن يتدبروا كلمتي هذه بصدر رحب وموضوعية، بعيدا عن العاطفية التي ربما هي سبب موقفهم ذلك بسبب حدوث أخطاء طبية في حقهم أو أحد ذويهم، ونضع المصلحة العامة فوق الجميع.
قرار إغلاق مستشفى بالكامل بسبب خطأ طبي لم نسمع عنه من قبل في أي دولة، وأنا هنا لا أدافع عن الخطأ، بل أطالب بأقصى عقوبة على المخطئ، ولكن ليس ضد المنشأة ككل، فما ذنب كل المتضررين من المرضى والموظفين الذين ليس لهم لا ناقة ولا جمل فيما حدث؟! فكان بالإمكان منع مدير المستشفى من السفر، وسجن من هرب الطبيب صاحب قضية الخطأ، وفرض أكبر غرامة مالية على المستشفى (بالملايين كما يحدث في أمريكا وأوروبا)، وغلق القسم الذي حدثت به المشكلة، أما غلق المستشفى كاملا بالشمع الأحمر فلنتدبر تبعاته من المعلومات التالية لنرى من المتضرر الأكبر من هذا الغلق:
1) المستشفى المغلق تبلغ أسرته 300 سرير وبنسبة إشغال 100 %، وطبقا لنسبة الأسرة لعدد السكان التي أوضحت وزارة الصحة أنها 2.2 سرير لكل 1000 نسمة، أي أن المستشفى يغطى احتياج شريحة من السكان توازي 136ألف نسمة.
2) يراجع المستشفى حوالي خمسين ألف مريض شهريا.
3) يستقبل قسم الطوارئ حوالي 400 مريض يوميا.
4) يعمل بالمستشفى 2700 من الأطباء والموظفين والموظفات، منهم أكثر من 500 من السعوديين ومؤمن عليهم طبيا بالمستشفى، وأصبحوا بدون عمل أو تغطية طبية بعد إغلاق المستشفى. فما ذنبهم، وهل هناك مبرر لهذا العقاب الجماعي الذي يتنافى مع الشرع!!
5) كلنا يعلم ــ بما فيهم معاليكم ــ العجز الكبير في أسرة العناية المركزة في جدة كلها وغيرها من المدن، ووزارة الصحة بكامل طاقتها لا تستوعب مرضاها، وتستأجر أسرة القطاع الخاص بالعناية المركزة، وبهذا المستشفى وحدة كبيرة للعناية المركزة تبلغ أسرتها 50 سريرا للكبار والأطفال والمواليد، فأين سننقل هذه الأعداد، وما هي المخاطر التي سنعرضهم لها بهذا النقل المفاجئ والذي ليس له ضرورة ولا علاقة بالخطأ الذي حدث.
6) كلنا يعلم ــ بما فيهم معاليكم ــ معاناة مرضى الفشل الكلوي وإيجاد مكان لهم في المستشفيات الحكومية أو الخاصة، بل حتى المراكز الخيرية، وفي هذا المستشفى يجرى الغسيل الكلوي لنحو 50 إلى 70 مريضا يوميا بمعدل 3جلسات غسيل أسبوعيا، فأين يذهب هؤلاء، وإذا لم يتم الغسيل لهم حتما سيؤدى ذلك لمضاعفات خطيرة قد تصل لحد الوفاة.
7) مركز علاج العقم في المستشفى تجري به حوالي 6 إلى 8 حالات يوميا، والعلاج دقيق وطويل المدى، ويتم أخذ البويضة لتخصيبها في وقت محدد، وإذا مرت 36 ساعة دون أخذ البويضة تموت، وتفقد المرأة فرصة الحمل بعد علاج مرهق وصبر طويل وتكلفة عالية، فمن يتحمل وزر تفويت فرص هؤلاء النساء اللاتي يعانين من العقم، ومن يهون عليهن ما حل بهن بسبب هذا الإغلاق الذي ليس له أي مبرر، فما ذنب وحدة العقم بما حدث؟! وأيضا الحوامل ماذا يحدث لهن، خصوصا من كانت في أيامها الأخيرة من الحمل؟! فأين يذهبن، وأي مستشفى سيقبلهن وهن لم يكن من متابعات الحمل فيه، وهذا دون شك سيعرض الأم أو الجنين أو الاثنين معا لمخاطر لا يعلمها إلا الله.
8) مركز أمراض وجراحات القلب الذي يستقبل حالات القلب الحرجة ويجرى لهم عمليات القلب المفتوح والقسطرة ووضع الدعامات الشريانية، وهم عرضة لانسداد الشرايين أو الدعامات خاصة في الشهر الأول بعد العملية، فأين يذهب هؤلاء لو حدث لهم هذه المضاعفات، ومن المسؤول عن تضررهم بإغلاق مركز تلقيهم العلاج والمتابعة؟؟
9) مركز الأمراض النفسية، وهو من أكبر المراكز التي تعنى بالعلاج النفسي في المنطقة، وبه قسم تنويم داخلي وعدد كبير من الاستشاريين للأمراض النفسية، فما هو مبرر إخراج المرضى النفسيين المنومين بالمستشفى، وبعضهم حالاتهم خطيرة ولم يكتمل علاجهم، وبعضهم يتلقى الجلسات الكهربائية، ومن أين سيحصلون على الأدوية النفسية التي لا تتوفر بسهولة في كل المستشفيات؟ وكيف يتقبل المريض النفسي طبيبا آخر لا يعرفه ولا يعرف حالته؟
10) المرضى الذين أجريت لهم عمليات جراحية حديثا أين يتابعون، وماذا لو حدثت لهم مضاعفات لا قدر الله؟!
لقد أربك إغلاق المستشفى الكثير من المرضى، خصوصا من أجروا عمليات كبيرة ومعقدة ودقيقة تتطلب عناية ومتابعة من الجراح المعالج، وقد يتطلب المريض علاجا إشعاعيا أو كيماويا بعد استئصال أورام خبيثة، فلماذا تغلق العيادات الخارجية ويحرم المريض من مراجعة طبيبه واستكمال الخدمة التي دفع تكلفتها؟!
أبعد كل هذا نسمع من يؤيد قفل المستشفى بالشمع الأحمر!! ثم ألم نسمع من مدير المستشفى أن سبعة مستشفيات رفضت استقبال 280 مريضا بسبب الطاقة الاستيعابية، ثم من أي منطلق، وبأي منطق يرفض معاليكم استقبال مدير المستشفى ــ كما جاء على لسانه في صحيفة الوطن؟!، فملكنا ــ حفظه الله وعافاه ــ وأمراؤنا الأكارم أبوابهم مفتوحة للمواطن يسمعون منه، فلماذا لا تقابل صاحب المستشفى وتسمع منه، فمن حقه أن يقابلك، ومن واجبك أن تسمع له (كما جاء على لسان ملكنا ــ حفظه الله ورعاه)، ثم تتخذ ما تراه مناسبا على بينة. أما الأخطاء الطبية فموجودة في كل القطاعات الصحية بما فيها مستشفيات وزارة الصحة، بل وحتى في أرقى الدول تقدما كأمريكا وأوروبا ــ كما جاء في أحاديث سابقة لمعاليكم عن الأخطاء الطبية، وغلق المستشفيات ليس هو الحل للأخطاء الطبية!!، ولكي نكون عادلين لا بد أن نفرق بين الخطأ الطبي والخطأ الفني (التقني)، كما حدث مع الحالة الأخيرة وبين المضاعفات، وهذا ما يدركه ويعرفه معاليكم تماما لأنك طبيب وجراح ماهر، ولا يعرفه العامة والكتاب، فالضرر الذي يلحق بالمريض قد لا يكون بسبب خطأ طبي أو جهل الطبيب، بل قد يكون بسبب طبيعة المرض أو الحالة العامة للمريض أو تفاعل المريض مع معطيات العلاج.
وهل من المنطق والعدل والشرع أن نتسبب في وفاة آخرين وضرر الكثيرين بهذا الغلق لوفاة طفل بخطأ تقني وليس طبي، ولكنه فادح ويجب معاقبة المتسبب فيه بأقصى عقوبة، وليس بعقاب جماعي كهذا، وماذا عن أعداد الوفيات من حوادث المرور في المملكة وهي الأكبر عالميا؟! وماذا لو مات هذا الطفل في حادث مروري بسبب شاب طائش؟! هل بإمكاننا وقف قيادة السيارات بسبب هؤلاء المتهورين؟!، ولماذا غلق غرفة الملفات بالشمع الأحمر؟! فقد قال المواطن علي أحمد في صحيفة الوطن أن ذلك حال دون حصوله على الملف الذي يحتوي على التحاليل والأشعة الخاصة بإجراء عملية سرطان في البروستاتا كان من المفترض إجراؤها أمس الأول (وهذا مثال من عشرات، بل ربما مئات من الحالات أمثاله)، وكما يقول الأستاذ الفاضل خالد السليمان في صحيفة عكاظ يوم الأربعاء 7 محرم 1434هـ : اللافت هنا أن وزارة الصحة أغلقت المستشفى دون أن تؤمن الأسرة البديلة لمرضاه المنومين، وخاصة مرضى غرف العناية المركزة والعمليات المستعجلة، ولدي عدة شكاوى من بعض أهالي المرضى المنومين الذين يعانون من حالة ارتباك في كيفية التصرف، خصوصا أن الوزارة شكلت لجنة لحل هذه الإشكالية، لكن الأمراض لا تصبر على بيروقراطية اللجان!
وهل من المصلحة العامة قفل كل مستشفى يحدث به خطأ طبي مرة أو اثنتين أو ثلاثا؟! لو أخذنا بهذا المبدأ سنقفل الكثير من المستشفيات الخاصة والحكومية، وعلى رأسها مستشفيات وزارة الصحة، أم نأخذ بمبدأ البعض الذي يزن بميزانين بأن نقفل المستشفى الخاص بعد الأخطاء الطبية، أما إذا حدث هذا في المستشفى الحكومي فنشهر بالطبيب فقط ونوقفه عن العمل!! وهل حل مشكلة الأخطاء الطبية في غلق المستشفيات أم في رقابة حقيقية ودقيقة وموضوعية؟! فقفل المستشفيات فيه خطر كبير على المجتمع، فكلنا يعلم المعاناة من عدم توفر الأسرة اللازمة في القطاعين العام والخاص، وتدني خدمات مستشفيات وزارة الصحة باعترافهم لعدم توفر الكوادر الطبية اللازمة، وقفل المستشفيات الخاصة فيه ضرر أكبر على المواطن والمقيم بالذات؛ لأنه محروم من العلاج في المستشفيات الحكومية، وهناك حالات توفيت بأمراض القلب والفشل الكلوي؛ لأنها لا يسمح لها بالعلاج في الحكومي ويرهقها تكلفة العلاج في القطاع الخاص، وبهذه المناسبة أدعو معاليه لإعادة النظر في علاج المقيمين بالقطاع الحكومي ووضع آلية استثنائية على الأقل لمثل تلك الحالات التي تودي بحياة أولئك الأبرياء في حال عدم تلقي العلاج اللازم.
وأختم بما ختم به الأستاذ عبدالله أبو السمح في كلمته الطيبة في صحيفة عكاظ يوم الأربعاء 7 محرم 1434هـ تحت عنوان أصلحوه ولا تغلقوه: فضلا لا تصلحوا الخطأ بخطيئة.
وأتمنى من معالي الوزير مراجعة ذلك القرار والرجوع للحق فضيلة، فما ذنب آلاف المرضى والموظفين المتضررين من قرار الغلق؟! كما أتمنى وضع رقابة حقيقية وجادة وموضوعية على جميع المستشفيات الحكومية والخاصة، وأولها مستشفيات وزارة الصحة، وأطالب بما طالب به سعادة الأستاذ الدكتور محسن الحازمي رئيس لجنة الشؤون الصحية والبيئة في مجلس الشورى بتكوين هيئة مستقلة ومحايدة للتقييم الطبي واعتماد المنشآت الصحية.. والله من وراء القصد.
وأتمنى من الكتاب الأفاضل والمواطنين الأكارم ومسؤولي وزارة الصحة الذين كتبوا مؤيدين لغلق المستشفى أن يتدبروا كلمتي هذه بصدر رحب وموضوعية، بعيدا عن العاطفية التي ربما هي سبب موقفهم ذلك بسبب حدوث أخطاء طبية في حقهم أو أحد ذويهم، ونضع المصلحة العامة فوق الجميع.
قرار إغلاق مستشفى بالكامل بسبب خطأ طبي لم نسمع عنه من قبل في أي دولة، وأنا هنا لا أدافع عن الخطأ، بل أطالب بأقصى عقوبة على المخطئ، ولكن ليس ضد المنشأة ككل، فما ذنب كل المتضررين من المرضى والموظفين الذين ليس لهم لا ناقة ولا جمل فيما حدث؟! فكان بالإمكان منع مدير المستشفى من السفر، وسجن من هرب الطبيب صاحب قضية الخطأ، وفرض أكبر غرامة مالية على المستشفى (بالملايين كما يحدث في أمريكا وأوروبا)، وغلق القسم الذي حدثت به المشكلة، أما غلق المستشفى كاملا بالشمع الأحمر فلنتدبر تبعاته من المعلومات التالية لنرى من المتضرر الأكبر من هذا الغلق:
1) المستشفى المغلق تبلغ أسرته 300 سرير وبنسبة إشغال 100 %، وطبقا لنسبة الأسرة لعدد السكان التي أوضحت وزارة الصحة أنها 2.2 سرير لكل 1000 نسمة، أي أن المستشفى يغطى احتياج شريحة من السكان توازي 136ألف نسمة.
2) يراجع المستشفى حوالي خمسين ألف مريض شهريا.
3) يستقبل قسم الطوارئ حوالي 400 مريض يوميا.
4) يعمل بالمستشفى 2700 من الأطباء والموظفين والموظفات، منهم أكثر من 500 من السعوديين ومؤمن عليهم طبيا بالمستشفى، وأصبحوا بدون عمل أو تغطية طبية بعد إغلاق المستشفى. فما ذنبهم، وهل هناك مبرر لهذا العقاب الجماعي الذي يتنافى مع الشرع!!
5) كلنا يعلم ــ بما فيهم معاليكم ــ العجز الكبير في أسرة العناية المركزة في جدة كلها وغيرها من المدن، ووزارة الصحة بكامل طاقتها لا تستوعب مرضاها، وتستأجر أسرة القطاع الخاص بالعناية المركزة، وبهذا المستشفى وحدة كبيرة للعناية المركزة تبلغ أسرتها 50 سريرا للكبار والأطفال والمواليد، فأين سننقل هذه الأعداد، وما هي المخاطر التي سنعرضهم لها بهذا النقل المفاجئ والذي ليس له ضرورة ولا علاقة بالخطأ الذي حدث.
6) كلنا يعلم ــ بما فيهم معاليكم ــ معاناة مرضى الفشل الكلوي وإيجاد مكان لهم في المستشفيات الحكومية أو الخاصة، بل حتى المراكز الخيرية، وفي هذا المستشفى يجرى الغسيل الكلوي لنحو 50 إلى 70 مريضا يوميا بمعدل 3جلسات غسيل أسبوعيا، فأين يذهب هؤلاء، وإذا لم يتم الغسيل لهم حتما سيؤدى ذلك لمضاعفات خطيرة قد تصل لحد الوفاة.
7) مركز علاج العقم في المستشفى تجري به حوالي 6 إلى 8 حالات يوميا، والعلاج دقيق وطويل المدى، ويتم أخذ البويضة لتخصيبها في وقت محدد، وإذا مرت 36 ساعة دون أخذ البويضة تموت، وتفقد المرأة فرصة الحمل بعد علاج مرهق وصبر طويل وتكلفة عالية، فمن يتحمل وزر تفويت فرص هؤلاء النساء اللاتي يعانين من العقم، ومن يهون عليهن ما حل بهن بسبب هذا الإغلاق الذي ليس له أي مبرر، فما ذنب وحدة العقم بما حدث؟! وأيضا الحوامل ماذا يحدث لهن، خصوصا من كانت في أيامها الأخيرة من الحمل؟! فأين يذهبن، وأي مستشفى سيقبلهن وهن لم يكن من متابعات الحمل فيه، وهذا دون شك سيعرض الأم أو الجنين أو الاثنين معا لمخاطر لا يعلمها إلا الله.
8) مركز أمراض وجراحات القلب الذي يستقبل حالات القلب الحرجة ويجرى لهم عمليات القلب المفتوح والقسطرة ووضع الدعامات الشريانية، وهم عرضة لانسداد الشرايين أو الدعامات خاصة في الشهر الأول بعد العملية، فأين يذهب هؤلاء لو حدث لهم هذه المضاعفات، ومن المسؤول عن تضررهم بإغلاق مركز تلقيهم العلاج والمتابعة؟؟
9) مركز الأمراض النفسية، وهو من أكبر المراكز التي تعنى بالعلاج النفسي في المنطقة، وبه قسم تنويم داخلي وعدد كبير من الاستشاريين للأمراض النفسية، فما هو مبرر إخراج المرضى النفسيين المنومين بالمستشفى، وبعضهم حالاتهم خطيرة ولم يكتمل علاجهم، وبعضهم يتلقى الجلسات الكهربائية، ومن أين سيحصلون على الأدوية النفسية التي لا تتوفر بسهولة في كل المستشفيات؟ وكيف يتقبل المريض النفسي طبيبا آخر لا يعرفه ولا يعرف حالته؟
10) المرضى الذين أجريت لهم عمليات جراحية حديثا أين يتابعون، وماذا لو حدثت لهم مضاعفات لا قدر الله؟!
لقد أربك إغلاق المستشفى الكثير من المرضى، خصوصا من أجروا عمليات كبيرة ومعقدة ودقيقة تتطلب عناية ومتابعة من الجراح المعالج، وقد يتطلب المريض علاجا إشعاعيا أو كيماويا بعد استئصال أورام خبيثة، فلماذا تغلق العيادات الخارجية ويحرم المريض من مراجعة طبيبه واستكمال الخدمة التي دفع تكلفتها؟!
أبعد كل هذا نسمع من يؤيد قفل المستشفى بالشمع الأحمر!! ثم ألم نسمع من مدير المستشفى أن سبعة مستشفيات رفضت استقبال 280 مريضا بسبب الطاقة الاستيعابية، ثم من أي منطلق، وبأي منطق يرفض معاليكم استقبال مدير المستشفى ــ كما جاء على لسانه في صحيفة الوطن؟!، فملكنا ــ حفظه الله وعافاه ــ وأمراؤنا الأكارم أبوابهم مفتوحة للمواطن يسمعون منه، فلماذا لا تقابل صاحب المستشفى وتسمع منه، فمن حقه أن يقابلك، ومن واجبك أن تسمع له (كما جاء على لسان ملكنا ــ حفظه الله ورعاه)، ثم تتخذ ما تراه مناسبا على بينة. أما الأخطاء الطبية فموجودة في كل القطاعات الصحية بما فيها مستشفيات وزارة الصحة، بل وحتى في أرقى الدول تقدما كأمريكا وأوروبا ــ كما جاء في أحاديث سابقة لمعاليكم عن الأخطاء الطبية، وغلق المستشفيات ليس هو الحل للأخطاء الطبية!!، ولكي نكون عادلين لا بد أن نفرق بين الخطأ الطبي والخطأ الفني (التقني)، كما حدث مع الحالة الأخيرة وبين المضاعفات، وهذا ما يدركه ويعرفه معاليكم تماما لأنك طبيب وجراح ماهر، ولا يعرفه العامة والكتاب، فالضرر الذي يلحق بالمريض قد لا يكون بسبب خطأ طبي أو جهل الطبيب، بل قد يكون بسبب طبيعة المرض أو الحالة العامة للمريض أو تفاعل المريض مع معطيات العلاج.
وهل من المنطق والعدل والشرع أن نتسبب في وفاة آخرين وضرر الكثيرين بهذا الغلق لوفاة طفل بخطأ تقني وليس طبي، ولكنه فادح ويجب معاقبة المتسبب فيه بأقصى عقوبة، وليس بعقاب جماعي كهذا، وماذا عن أعداد الوفيات من حوادث المرور في المملكة وهي الأكبر عالميا؟! وماذا لو مات هذا الطفل في حادث مروري بسبب شاب طائش؟! هل بإمكاننا وقف قيادة السيارات بسبب هؤلاء المتهورين؟!، ولماذا غلق غرفة الملفات بالشمع الأحمر؟! فقد قال المواطن علي أحمد في صحيفة الوطن أن ذلك حال دون حصوله على الملف الذي يحتوي على التحاليل والأشعة الخاصة بإجراء عملية سرطان في البروستاتا كان من المفترض إجراؤها أمس الأول (وهذا مثال من عشرات، بل ربما مئات من الحالات أمثاله)، وكما يقول الأستاذ الفاضل خالد السليمان في صحيفة عكاظ يوم الأربعاء 7 محرم 1434هـ : اللافت هنا أن وزارة الصحة أغلقت المستشفى دون أن تؤمن الأسرة البديلة لمرضاه المنومين، وخاصة مرضى غرف العناية المركزة والعمليات المستعجلة، ولدي عدة شكاوى من بعض أهالي المرضى المنومين الذين يعانون من حالة ارتباك في كيفية التصرف، خصوصا أن الوزارة شكلت لجنة لحل هذه الإشكالية، لكن الأمراض لا تصبر على بيروقراطية اللجان!
وهل من المصلحة العامة قفل كل مستشفى يحدث به خطأ طبي مرة أو اثنتين أو ثلاثا؟! لو أخذنا بهذا المبدأ سنقفل الكثير من المستشفيات الخاصة والحكومية، وعلى رأسها مستشفيات وزارة الصحة، أم نأخذ بمبدأ البعض الذي يزن بميزانين بأن نقفل المستشفى الخاص بعد الأخطاء الطبية، أما إذا حدث هذا في المستشفى الحكومي فنشهر بالطبيب فقط ونوقفه عن العمل!! وهل حل مشكلة الأخطاء الطبية في غلق المستشفيات أم في رقابة حقيقية ودقيقة وموضوعية؟! فقفل المستشفيات فيه خطر كبير على المجتمع، فكلنا يعلم المعاناة من عدم توفر الأسرة اللازمة في القطاعين العام والخاص، وتدني خدمات مستشفيات وزارة الصحة باعترافهم لعدم توفر الكوادر الطبية اللازمة، وقفل المستشفيات الخاصة فيه ضرر أكبر على المواطن والمقيم بالذات؛ لأنه محروم من العلاج في المستشفيات الحكومية، وهناك حالات توفيت بأمراض القلب والفشل الكلوي؛ لأنها لا يسمح لها بالعلاج في الحكومي ويرهقها تكلفة العلاج في القطاع الخاص، وبهذه المناسبة أدعو معاليه لإعادة النظر في علاج المقيمين بالقطاع الحكومي ووضع آلية استثنائية على الأقل لمثل تلك الحالات التي تودي بحياة أولئك الأبرياء في حال عدم تلقي العلاج اللازم.
وأختم بما ختم به الأستاذ عبدالله أبو السمح في كلمته الطيبة في صحيفة عكاظ يوم الأربعاء 7 محرم 1434هـ تحت عنوان أصلحوه ولا تغلقوه: فضلا لا تصلحوا الخطأ بخطيئة.
وأتمنى من معالي الوزير مراجعة ذلك القرار والرجوع للحق فضيلة، فما ذنب آلاف المرضى والموظفين المتضررين من قرار الغلق؟! كما أتمنى وضع رقابة حقيقية وجادة وموضوعية على جميع المستشفيات الحكومية والخاصة، وأولها مستشفيات وزارة الصحة، وأطالب بما طالب به سعادة الأستاذ الدكتور محسن الحازمي رئيس لجنة الشؤون الصحية والبيئة في مجلس الشورى بتكوين هيئة مستقلة ومحايدة للتقييم الطبي واعتماد المنشآت الصحية.. والله من وراء القصد.