-A +A
حاوره : عبد الله الغضوي (هاتفيا، الدوحة)

كشف رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، عن بعض تفاصيل الحكم في سورية، وتصور بشار الأسد للأزمة، مشيرا إلى أن الأسد منذ اليوم الأول كان يؤمن بسحق الثورة.

ووصف حجاب في حوار مع «عكاظ» الأسد بالرجل العنيد، لافتا إلى أنه كان ينهي كل حوار حول الأزمة بفرض رأيه وضرورة استخدام كل أنواع القوة لقمع المتظاهرين، مؤكدا أن الأسد سيقاتل حتى النهاية.

وحول تشكيل الحكومة الانتقالية، لفت إلى أن هناك مقومات لنشوء هذه الحكومة، معتبرا أن هذه المقومات لم تكتمل بعد، خصوصا الدعم المالي والجدية الدولية في قيام مثل هذه الحكومة.

وفي ما يتعلق بالمرحلة المقبلة، أوضح حجاب أنه يعمل من خلال التجمع الوطني، على التواصل مع مسؤولين في الداخل لمنع انهيار مؤسسات الدولة. فإلى تفاصيل الحوار:





• تتجاذب شخصيات الائتلاف اسم رياض حجاب رئيسا للحكومة الانتقالية ما هو تعليقكم ؟

• لا شك أن الحكومة الانتقالية باتت مسألة لا غنى عنها، وأنا شخصيا أحترم وأقدر قرار الائتلاف الوطني، خصوصا وأن «كتلتي» التجمع الوطني الحر، متواجدة في الائتلاف، وأي قرار يصدره الائتلاف سيكون محط إجماع خصوصا وأنه المظلة السياسية للمعارضة، وفي كل الأحوال منذ أن خرجت من النظام لم يكن لدي أي طموح للقيادة بقدر حرصي على سورية، وهذا هو سبب خروجي، فقد كنت رئيس حكومة لكنني خرجت حتى لا أتحمل مسؤولية الدم السوري، ولن أتردد عن خدمة الثورة.

• ما هي رؤيتك للحكومة وشروط نجاحها؟

• هناك مقومات موضوعية لتشكيل ونجاح الحكومة، وما زالت هذه المقومات غير مكتملة، هناك احتياجات ضرورية للحكومة، منها الاعتراف الدولي والقانوني قبل الاعتراف السياسي، ولا بد من توفر إمكانات مادية لتقوم الحكومة بعملها سواء في العمل الميداني والإغاثي، والأكثر أهمية من كل هذا لا بد من حمايتها من غدر النظام، أي دعم الجيش السوري الحر بالسلاح، حتى يكون قادرا على حماية المدنيين الذين يتعرضون للقصف.

• لكن البعض يرى أن الائتلاف يحظى بدعم المجتمع الدولي من كل النواحي حتى المادية؟

• تم عقد اجتماعات كثيرة من أجل سورية، لكن كل هذه الاجتماعات لا تعدو كونها ندوات سياسية لا أكثر، لم نر الدعم المادي كما تم الإعلان عنه من بعض الدول الأوروبية.. كيف يمكن تشكيل حكومة في الخارج، والمأساة السورية في الداخل، المطلوب أن تكون الحكومة في الداخل لذلك هي تحتاج إلى منطقة آمنة وهذا غير متوفر الآن.

• أنشأتم مع بعض المنشقين تجمعا سمي «التجمع الوطني الحر».. ما هو الغرض منه بوجود الائتلاف؟

• التجمع هو إطار لتنظيم الكفاءات التي انشقت عن النظام، فهو يضم سفراء ومديري ومؤسسات إعلامية ومسؤولين كبارا في الدولة السورية، فضلا عن الكفاءات التي هجرت الوطن نتيجة ما يتعرض له الشعب وكانت الفكرة أن نضع هذه الخبرات تحت تصرف الثورة، وهذا التجمع ممثل من تجمعات الائتلاف وهو ليس بديلا له، كما أنهم ليسوا من «الفلول»، أما الهدف منه إقامة شبكات مع العاملين في الداخل من أجل منع انهيار مؤسسات الدولة والحفاظ عليها.

• بعد كل هذه السنوات من العمل في صفوف الحزب كيف تنظر إلى هذا الإرث الطويل؟

• عندما قررت الانشقاق، قررت أيضا البراء من الحزب والنظام، وحتى أن بشار أصدر قرارا بإعدامي، ودعني أوضح أمرا في غاية الأهمية، وهو أن الكثير يعتقد أن الحزب هو من يحكم، لكن الواقع أن الحزب اتخذ وسيلة لتفتيت الحكم وأصبح أداة في يد السلطة والأجهزة الأمنية.

• هل تعتقد أن المعارضة في صدد اجتثاث البعث على الطريقة العراقية؟

• المعارضة السورية واعية وتدرك أن الوطن لكل السوريين وهذا العمل الثوري مفتوح لكل الأحزاب، فهناك الكثير من البعثيين انشقوا عن النظام ويقاتلون في صفوف الجيش الحر، وفي المرحلة المقبلة بعد زوال هذا النظام سيكون هناك قانون أحزاب جديد ودستور وسيتم إعادة تشكيل الحزب وبقية الأحزاب ولن يكون هناك اجتثاث فالمواطن هو من سيحكم.

• ننتقل إلى فترة عملك كرئيس وزراء وحواراتك مع الأسد، كيف كانت تتم هذه اللقاءات؟

• كان هناك لقاءات أسبوعية مع الأسد، وكل مرة كنا نتحدث عن أسلوب وطريقة معالجة الثورة وقمع المتظاهرين وخصوصا عن ممارسات الأمن والجيش والشبيحة مع المتظاهرين السوريين السلميين، وكنت أقول للأسد بضرورة التعامل بأخلاق مع المتظاهرين، فهم في نهاية الأمر سوريون، لكنه كان «يتظاهر» أنه متفاجئ مما يسمعه حول تعامل الشبيحة والأمن القذر مع المتظاهرين، ويزعم أنه لا يعرف بهذه الممارسات، وعندما طلبت منه محاسبة هؤلاء كان يرد أن الوقت ليس مناسبا للحسابات المهم الآن أن ننتهي من الأزمة والحساب سيكون في وقت لاحق.

عندما تشكلت الحكومة برئاستي، سماها الأسد حكومة المصالحة الوطنية وبناء على ذلك تم استهداف وزارة المصالحة برئاسة علي حيدر وجمعت هذه الحكومة عدة أحزاب في الداخل السوري وفي أول يوم من تولي شؤون الحكومة وأداء القسم، أطلق على الحكومة تسمية حكومة حرب، وفي نفس يوم أداء القسم قصف الجيش مدينتي دير الزور علما أنني طلبت منه أكثر من مرة ألا يفعل ذلك وعندها اعترضت وقلت للأسد، كيف يكون ذلك ونحن نسمي أنفسنا حكومة مصالحة وطنية؟ كان رده كما في كل مرة «نحن من يجب أن ينتصر»،على من ننتصر على الشعب، لا يمكن الانتصار على إرادة الشعب .

• كيف كان يرد على الحوار حول الأزمة والنقاش الدائر على الأحداث؟

• كان شديد الانزعاج، ويبدي غضبا واضحا عندما يجري الحديث عن الأزمة والتدمير. وفي كل مرة ينفعل وينهي الحديث، إنه شخص عنيد وكان لا يتمالك نفسه حينما يتم الحديث عما يجري في البلاد وفي كل مرة يحاول أن ينهي الحديث من أجل ألا يطول ولكي لا تتفرع عنه قضايا أخرى.

• ولماذا يتحدث البعض عن حل سياسي ما دام الأسد مصمما على الحرب؟

• نعم الأسد كان وما زال مصمما على الحل الأمني والعسكري للأزمة وأنه سيمضي في الحرب فالحل السياسي لا مكان له في سورية إطلاقا فهذا النظام لا يؤمن بالحلول السلمية ولا يؤمن إلا بالقوة والعنف، وخطاب الأسد الأخير أثبت لكل من يقرأ الأزمة أن الأسد ونظامه لم ولن يتغيرا، فالشعار الذي يعمل به النظام الأسد أو نحرق البلد.

• لكن البعض كان يقول إنه في بداية الأزمة كان يفكر في الرحيل، لولا الدعم الروسي الإيراني؟

• الأسد لم يفكر يوما في الرحيل ولم يفكر إلا في قتل الشعب السوري ومنذ اليوم الأول للأزمة لم يتردد النظام في القتل وسحق المدنيين، كل ما كان يفكر به كيف يقضي على الثورة ولو على جثث الشعب السوري. أما بالنسبة للدعم الروسي، فدعني أقل لك إن الأسد قال لي إنه كان متفاجئا بالفيتو الروسي فلم يكن يتوقع في البداية أن روسيا ستدعمه وتقف إلى جانبه إلى هذا الحد وهذا الفيتو شجع النظام على المزيد من الفتك للشعب السوري، وقال لي مرة حتى لو تخلت روسيا عني لن أتراجع وكان السيناريو الليبي ماثلا أمام الأسد إلا أن الفيتو الروسي بدد كل المخاوف للنظام.

• وبرأيك ولماذا؟

• بالطبع بسبب الدعم الإيراني اللامحدود، الأسد يعتمد على إيران وليس روسيا ومبادرته إيرانية، وهي التي تدير سورية وأصبحنا ورقة بيدها، فالدعم الإيراني يتركز في الجانب العسكري ويتلخص في توصيل النفط والسلاح، وهي مستمرة حتى الآن والخبراء الإيرانيون موجودون في أكثر مفاصل الدولة الأمنية والعسكرية.

• ماذا لو جرى توافق دولي وتسوية الأزمة السورية بوجود الأسد حتى العام 2014؟

• هذا أمر مستحيل لا يمكن أن يكون هناك حل بوجود الأسد ولا أحد قادرا على فرض التسوية لو اجتمعت كل الدول العالمية على الشعب السوري قد يكون مقبولا وجود من لم تتلوث يده بالدماء السورية في المرحلة الانتقالية، وهناك قيادات عسكرية موضوعة على الهامش، لكن كل من له يد في سفك الدم السوري، فهو خارج الحسابات المستقبلية، إلا المحاكمة.

• باعتبارك كنت رئيس حكومة حدثنا عن دور وزير الدفاع؟

• يمكن القول إنه لا دور له، لكنه مسؤول وعليه أن يتخذ موقفا، ومنذ اليوم الأول الذي تسلم فيه وزارة الدفاع، أصدر الأسد قرارا أن قائد أي وحدة عسكرية تتخذ الإجراءات بما يراه مناسبا وهذا دليل على التهميش الواضح لوزارة الدفاع، ولم يتخذه الوزير نفسه ومن يتخذ القرارات الجهاز العسكري المرتبط مباشرة بالرئيس وجهاز الأمن.

• ماذا عن وليد المعلم؟

• هو الآن وزير خارجية النظام السوري، وسمعنا حديثه الأخير أن أي عملية سياسية بدون الأسد غير مقبولة، فهو ما زال لسان الخارجية السورية ولا نعرف ما في قلبه علما أن هناك الكثير لا يوافقون جملة وتفصيلا ضمنيا على ممارسات النظام لكنهم صامتون.

• وهل تؤثر الانشقاقات؟

• بالطبع النظام مرعوب من الانشقاقات فهي تهز أركانه وتجعله في حالة هستيرية ودرجة الخوف يمكن أن تلحظها في حجم الرقابة التي يفرضها على المسؤولين.

• من هي الجهة المسؤولة عن رقابة المسؤولين؟

• سرية الحراسات في الحرس الجمهوري مسؤولة عن مراقبة المسؤولين، وكانت قبل فترة المخابرات الجوية.

• قيل إنك كنت في وساطة بين الجيش الحر والنظام لمنع اقتحام دير الزور؟

• نعم، حاولت أن أجنب مدينتي الدمار، لأني أعرف أن النظام سيدمر كل مدينة يدخلها، وتحدثت إلى بعض الوجهاء وعناصر الجيش الحر، على أن يغادروا المدينة ويتعهد النظام بعدم دخولها، ووافق الأسد على هذا الاقتراح بوجود وزير الدفاع ورئيس الأركان، لكن الجيش الحر رفض ذلك وأصر على البقاء في المدينة، عندها عرفت أن دير الزور ستكون مدينة مدمرة ومنكوبة، وكنت أتمنى أن لا يحدث الدمار في دير الزور. لكن الأسد أعطى أمرا بالقصف وحصل ما حصل من تدمير.

• حدثنا عن الانشقاق، منذ لحظة اتخاذ القرار؟

• لقد مرت علي أيام صعبة وأنا أشاهد أبناء سورية يقتلون ومدنها تدمر، أحيانا لم أنم وبات الخروج عن هذا النظام هاجسي، خصوصا بعد أن عجزت أن أقدم شيئا يجنب البلاد الدمار، وتأكدت أن الأسد ماض في حربه ضد الشعب.

وكانت البداية بالتنسيق مع كتائب دمشق، وتم الخروج يوم الأحد ونمت يوما في ريف دمشق واتجهنا إلى درعا ولم نتمكن من المغادرة. وعندما علم النظام بانشقاقي، بدأ الطيران الحربي، في ريف دمشق ودرعا يبحث، والمدفعية تقصف في أي مكان يعتقد أنني فيه. حتى أننا سلكنا طرقا زراعية وسرنا على الأقدام، وكل القرى التي مررنا فيها تعرضت للقصف الجنوني من النظام، وفي النهاية تمكنا من تجاوز الحدود السورية إلى الاردن أنا ومعي 45 شخصا من عائلتي وأبناء أخي بينهم 25 طفلا.

• بماذا خرجت من سورية؟

• خرجت من سورية صفر اليدين، لم أكن طامعا في منصب ولا مال، حتى الموكب الذي تم تصويره على بعض القنوات على أنني فيه، لم يكن صحيحا، كان الموت علي أهون من أن أكون مع هذا النظام المجرم، وعلى الفور بعد انشقاقي حكم علي النظام بالإعدام. رئيس الوزراء الذي سبقني عادل سفر خرج بمئة مليون دولار خلال الأزمة، ولو كنت طامعا في مال أو منصب لبقيت مع النظام لكن سورية أكبر من كل المناصب والأموال.