المحافظة سلوك دفاعي أكثر منه موقفاً واعياً بمتطلبات التحولات المختلفة. وهي تنطوي على ذهنية شكوكية ترصد المختلف عن مألوفها. وتنطلق من قناعات تشكلت عبر مراحل زمنية راحلة، وتتبنى خليطاً من المفهومات الدينية والاجتماعية والعادات القبلية والطبائع الاجتماعية. وفي كثير من الثقافات تجد الذهنية المحافظة إشكالية بنيوية مع التحولات، إذ أنها تضطرها لسل سيف الدفاع عن مكتسباتها وقناعاتها عبر سلوك دفاعي يقوم على التشكيك، ومخاصمة الأشخاص لا الأفكار.
فأين تقف الذهنية المحافظة في مجتمعنا من تحولات العصر؟
الذهنية المحافظة في مجتمعنا تمتد جذورها إلى بنية المجتمع التقليدي فيما قبل طفرة المجتمع الاقتصادية. فهي ذهنية أملتها طبيعة المجتمع الأصيلة، أي ذهنية طبيعية غير مؤدلجة، وتعتبر كافية لتلبية الاحتياجات النفسية للمجتمع. أما فيما بعد الطفرة الاقتصادية فقد تحولت بنية المجتمع من حد الكفاية إلى حد الطفرة في المال وفي السلوك وفي الجرعات الدينية التي أعادت تأسيس الذهنية المحافظة ونقلتها من التكوين العفوي إلى التكوين المركب.
لهذا وجدت الذهنية المحافظة المركبة في التدين الطبيعي لدى أفراد المجتمع فرصة لتأسيس خطابها ومقولاتها، ووسعت مساحة الاختلاف مع من يخالفها، وصنعت من الاختلاف قضية تهدد الدين. ورسمت معالم الاختلاف مع معارضيها على أنه خلاف في جوهر الدين لا في وجهات نظر اجتهادية غير محسومة. فكان الإقصاء أحد وسائلها في تأكيد سيادتها.
زاد حضور الذهنية المحافظة مع زيادة التحديات العصرية التي شكلت صدمة للذهنية المحافظة التي وجدت نفسها في موقف دفاعي يرصد ويترقب وينافح، لكن الحتميات التاريخية تفرض وجودها. ورغم الرفض والمقاومة، فإن التسليم بالأمر والإذعان لهذه الحتميات من التحولات هو النتيجة النهائية. بل الأمر أبعد من التسليم، فأصحاب الذهنية المحافظة يسعون لاستيعاب هذا التحول ليس لفهم طارئ أو وعي جديد، بل لمحاولة تكريس الذهنية المحافظة عبر استخدام وسائل معاصرة. فيكون الخطأ مركباً، وتكون الخسارة مؤكدة.
ويمكن في هذا السياق استحضار الإعلام الفضائي ذي الصبغة الدينية. وهو إعلام جاءت نشأته متأخرة جداً، لأن نخب الذهنية المحافظة ظلت لسنوات تقاوم فكرة البث الفضائي، فحاربت واتهمت من يستقبله في دينه وفي أخلاقه، غير أن تزايد الإقبال رغم حملات التشويه فرض على هذه الذهنية إعادة النظر. فجاءت فكرة الاستفادة من هذا البث. فانتشرت محطات البث الفضائي تمارس من خلاله تمرير خطابها المحافظ. وكان يمكن أن تصل لهذه النتيجة دون المرور بهذا السلوك الدفاعي، وإضاعة الوقت فيما لا طائل من ورائه. فللتحولات والمتغيرات حتميات إن لم نسايرها ونستوعبها ونصبح جزءا منها فسيكون تأثيرها سلبياً. والمتغيرات والتحولات ليست دائما ودودة وإنسانية، لكن مقاومتها وادعاء الترفع لن يجدي طالما أننا لا نملك مقومات التحدي الصناعي والتقني، فنحن مجتمع لا يصنع التحولات، بل مجتمع يتفرض فيه الفهم والتكيف وهذا قدره كما هو قدر المجتمعات العربية عموماً.
خلاصة القول: إن الذهنية المحافظة تخسر رهاناتها لأنها لا تبني سلوكها وفقا لقراءة واقعها من خلال مرايا المستقبل، بل من خلال ما ألفته من ماضيها فقط. فهي تتحرك في اتجاه معاكس تنشد من خلاله الاحتماء والاستقواء حتى لو جانب موقفها منطق الحياة وضروراتها. ويمكن للذهنية المحافظة أن تكون أكثر عدلاً مع نفسها ومع أتباعها ومع مجتمعها عند قراءتها لمتغيرات العالم وتقديم فكرة الإفادة على فكرة الضرر. مجتمعنا يمر بتحولات سريعة ولا يمكن أن ينهض ونحن نختلف على ما لا يجب الاختلاف حوله وهو بناء هذا المجتمع بمشاركة كافة أطيافه الفكرية ورموزه الدينية وقياداته التربوية.
halnemi@gmail.com
فأين تقف الذهنية المحافظة في مجتمعنا من تحولات العصر؟
الذهنية المحافظة في مجتمعنا تمتد جذورها إلى بنية المجتمع التقليدي فيما قبل طفرة المجتمع الاقتصادية. فهي ذهنية أملتها طبيعة المجتمع الأصيلة، أي ذهنية طبيعية غير مؤدلجة، وتعتبر كافية لتلبية الاحتياجات النفسية للمجتمع. أما فيما بعد الطفرة الاقتصادية فقد تحولت بنية المجتمع من حد الكفاية إلى حد الطفرة في المال وفي السلوك وفي الجرعات الدينية التي أعادت تأسيس الذهنية المحافظة ونقلتها من التكوين العفوي إلى التكوين المركب.
لهذا وجدت الذهنية المحافظة المركبة في التدين الطبيعي لدى أفراد المجتمع فرصة لتأسيس خطابها ومقولاتها، ووسعت مساحة الاختلاف مع من يخالفها، وصنعت من الاختلاف قضية تهدد الدين. ورسمت معالم الاختلاف مع معارضيها على أنه خلاف في جوهر الدين لا في وجهات نظر اجتهادية غير محسومة. فكان الإقصاء أحد وسائلها في تأكيد سيادتها.
زاد حضور الذهنية المحافظة مع زيادة التحديات العصرية التي شكلت صدمة للذهنية المحافظة التي وجدت نفسها في موقف دفاعي يرصد ويترقب وينافح، لكن الحتميات التاريخية تفرض وجودها. ورغم الرفض والمقاومة، فإن التسليم بالأمر والإذعان لهذه الحتميات من التحولات هو النتيجة النهائية. بل الأمر أبعد من التسليم، فأصحاب الذهنية المحافظة يسعون لاستيعاب هذا التحول ليس لفهم طارئ أو وعي جديد، بل لمحاولة تكريس الذهنية المحافظة عبر استخدام وسائل معاصرة. فيكون الخطأ مركباً، وتكون الخسارة مؤكدة.
ويمكن في هذا السياق استحضار الإعلام الفضائي ذي الصبغة الدينية. وهو إعلام جاءت نشأته متأخرة جداً، لأن نخب الذهنية المحافظة ظلت لسنوات تقاوم فكرة البث الفضائي، فحاربت واتهمت من يستقبله في دينه وفي أخلاقه، غير أن تزايد الإقبال رغم حملات التشويه فرض على هذه الذهنية إعادة النظر. فجاءت فكرة الاستفادة من هذا البث. فانتشرت محطات البث الفضائي تمارس من خلاله تمرير خطابها المحافظ. وكان يمكن أن تصل لهذه النتيجة دون المرور بهذا السلوك الدفاعي، وإضاعة الوقت فيما لا طائل من ورائه. فللتحولات والمتغيرات حتميات إن لم نسايرها ونستوعبها ونصبح جزءا منها فسيكون تأثيرها سلبياً. والمتغيرات والتحولات ليست دائما ودودة وإنسانية، لكن مقاومتها وادعاء الترفع لن يجدي طالما أننا لا نملك مقومات التحدي الصناعي والتقني، فنحن مجتمع لا يصنع التحولات، بل مجتمع يتفرض فيه الفهم والتكيف وهذا قدره كما هو قدر المجتمعات العربية عموماً.
خلاصة القول: إن الذهنية المحافظة تخسر رهاناتها لأنها لا تبني سلوكها وفقا لقراءة واقعها من خلال مرايا المستقبل، بل من خلال ما ألفته من ماضيها فقط. فهي تتحرك في اتجاه معاكس تنشد من خلاله الاحتماء والاستقواء حتى لو جانب موقفها منطق الحياة وضروراتها. ويمكن للذهنية المحافظة أن تكون أكثر عدلاً مع نفسها ومع أتباعها ومع مجتمعها عند قراءتها لمتغيرات العالم وتقديم فكرة الإفادة على فكرة الضرر. مجتمعنا يمر بتحولات سريعة ولا يمكن أن ينهض ونحن نختلف على ما لا يجب الاختلاف حوله وهو بناء هذا المجتمع بمشاركة كافة أطيافه الفكرية ورموزه الدينية وقياداته التربوية.
halnemi@gmail.com