-A +A
مها الشريف
عكفت القنوات الفضائية على استقطاب المشاهد بنشر مزيد من عجائب وغرائب قناعات النفوس المريضة لكي تثير حنق الناس وتستنبط من صوت الشارع الحيرة، وقد قيدت أيديهم وألسنتهم بمهاترات مفزعة تشكك بالعلاقات الأسرية وتناقش وتجادل أصوات غير مقنعة لا تعي المعيار الحقيقي لذاتها وترتبط بعلاقة وثيقة بالوهم الذي يؤدي إلى ارتياب فكري يلوث مفاهيم المجتمع المسلم المحافظ الذي يحفظ كل الحقوق للكبير والصغير ويحيط الأسرة بمنهج ونظام يدلان على كرامة العلاقة وسمو الإنسانية. إننا نرفض تسلط الأسماء على أخلاقيات مجتمع كامل، علما أن اليقينيات المشتركة تحافظ على الانسجام وتمنح الاطمئنان كما علمنا ديننا الحنيف وأساتذة العلم والفلسفة، لا أساتذة الشاشات والبرامج التي تراوح بين خادع ومخدوع وتبحث عن الإثارة فقط لتسويق برامجها ومكاسبها من غوغائية الضيوف ومثيري الشغب اللفظي لتحقيق حضور وظهور اجتماعي.
وغالبا ما نقرأ كثيرا من الأمثلة التي توضح ذلك: يحكى عن ديوجين الكلبي أنه خرج ذات يوم يحمل مصباحا في واضحة النهار قاصدا السوق حيث عامة الناس منشغلون بحياتهم اليومية وهو يردد «أنا أبحث عن الحقيقة» فهل نحتاج في البحث عن الحقيقة إلى مصباح في واضحة النهار، حيث كل شيء واضح وجلي ؟ وهل يمكن أن ننبه عن الحقيقة إلى هذا الحد في حياتنا اليومية ؟ أليست الحقيقة ما نراها ؟ وما يقرها معيار النضج الذي تكدس في تكوين العقول، هل تحول بفعل هؤلاء إلى اعتقاد باطل يتوجب هدمه ؟.

لا يكاد البعض أن يشاهد زهرات بللها المطر وتناثرت أجزاؤها على الأرض إلا وتناول الحادثة عكس ما رأت الأعين قائلين: هو الذنب الذي فرق وحدتها، أليس في الكون أضداد ؟! بلى وربي ولكن نزعة الشك والغش التي يستند عليهما هؤلاء ويسخرانها لإبراز السلبيات المزعومة للنيل من عقول المشاهدين والمتجمهرين حول نظرية ما يؤكد أن أهمية الحقيقة الملحة للقلب والعقل بحيث يترك مجالا للاستدلال العقلي بما لا يتنافى مع ثوابتنا، كما أكد لنا (بليز باسكال) أن العقل لا يمكنه معرفة كل شيء ولا يمكنه احتكار الحقيقة، فهناك طرق أخرى تؤدي إليها منها القلب أو العواطف أو الآراء الخاصة، ومن المفترض أن يولد مع كل فعل ردة فعل مماثلة في القبول والرفض لتنتج تعاكسا مقبولا غير منبوذ، وتترك مجالا لآراء الآخرين ليعبروا من خلالها عن أكياس الرمل التي وضعت في مسارهم وأمام طرقاتهم عوضا عن وقوف الجميع مذهولا ومتسائلا: لماذا هذا الكم الهائل من الصعوبات والحياة لا تحتاج إلى هذه الأضواء المعلقة عاليا والتي لا تكاد تراها بالعين المجردة ولا تومض بشحنات أمل أو مصدر ثقة يبرهن عكس حقيقة الذات المناضلة ضد الظلام.