-A +A
نصير المغامسي
في الجزء الأول من الندوة تحدث المشاركون عن ضرورة اتخاذ الرئيس الجديد لهيئة السوق المالية محمد آل الشيخ إجراءات حاسمة في بداية فترته بفتح ملف الانهيار الكبير الذي شهده سوق الأسهم في فبراير 6002، ومعرفة ماحدث فيه بالضبط، ومحاسبة المتسببين فيه.
وتوقعوا من الرئيس الجديد للهيئة أن يوسع قاعدة التداول في السوق ويقضي على التلاعب الحاصل فيه، حتى يكون سوقا حقيقيا محصنا من أي تلاعبات قد تحدث فيه من قبل البعض.
«عكاظ» طرحت على المشاركين أسئلة حرجة عن التحديات التي سيواجهها آل الشيخ، والملفات الأكثر إلحاحا التي يتعين عليه مواجهتها لتصبح هيئة السوق المالية السعودية فاعلة أكثر في ضبط إيقاع السوق وتوسعة قاعدته.
المشاركون في ندوة «عكاظ» أعربوا عن أملهم بتجديد وإصلاح كثير من الأنظمة والقوانين في سوق الأسهم السعودية، وحثوا على إعادة ثقة المستثمرين في السوق.
التفاؤل تبدى من كون الرئيس القادم لهيئة السوق المالية يمتاز بتجربة ثرية في القانون والأنظمة التجارية وهو ما سيسعف في سد الثغرات القانونية التي نفذ منها كثير من المتلاعبين إلى سوق المال.
وإلى تفاصيل الجزء الثاني من الندوة ونقاشاتها ومداخلات المشاركين:


- باعجاجة: لا يمكن الحديث عن الإصلاح أو عن تسريع خطواته، وسوق الأسهم لا تزال يمارس بها التلاعب علانية، فبالأمس القريب افتتح التداول على سهم أسمنت الشمالية بسبعة عشر ريالا، ووصل إلى 68 ريالا، بقيمة تداول وصلت إلى خمسة مليارات ريال تقريبا، وهو أمر يعني وقوع مضاربة من قبل مضاربين، وخسارة - تعلق - العديدين ممن غرر بهم للدخول في السهم وهذا الأمر يتكرر كثيرا في قطاع التأمين فكيف يمكن الحديث عن تسريع الإصلاح سوق الأسهم والمتلاعبون في السوق بعيدون عن المحاسبة.


الحزم مع المتلاعبين
- الرقيب: كثرة الملفات المطروحة أمام رئيس هيئة المال، هو مايحد من سرعة تنفيذها. أضف إلى ذلك ــ وأنا هنا أختلف مع زملائي السابقين ــ في أن حزم رئيس هيئة سوق المال القادم مع المتلاعبين في السوق قد يتسبب في تكتلهم ومن ثم انهيار السوق وسيكون صغار المستثمرين ضحايا ذلك، ولذا أرى أنه من المفيد التروي والحذر في التعامل مع ملف المتلاعبين، وتطبيق الأنظمة بشكل تدريجي للحد من تلاعبهم في السوق. كما أن السوق بحاجة إلى حوكمة للشركات المدرجة فمجالس إدارات بعضها يتلاعب بطريقة احترافية في تحقيق المكاسب على حساب المساهمين. ولذا من المهم حتى يمكن التسريع من وتيرة الإصلاح في سوق الأسهم ضبط ملف الشركات المدرجة، فليس من المعقول أن تدرج شركة كانت رابحة قبل الإدراج في سوق الأسهم، ومن ثم تخسر عند تداولها في السوق والأمثلة على ذلك كثيرة وهو أمر أفقد كثيرا من المتداولين ثقتهم في السوق بل وحتى الاكتتاب في الشركات الجديدة التي ينوى إدراجها في سوق الأسهم .. وعلى هيئة سوق المال التحقق في ملفات تلك الشركات وحفظ حقوق المساهمين بها.

الشركات العالقة
- خليفة: أتصور أن الإسراع بالاصلاحات في سوق الأسهم يتطلب أولا الكشف عن الممارسات غير المشروعة والتي منها التلاعب بأسهم بعض الشركات المدرجة في السوق ووقف المضاربين عن التعامل بالبيع والشراء واتباع سياسات صارمة للحد من الاشاعات وهو ماسيؤدي إلى دعم سوق الأسهم وإضفاء الثقة على تعاملاته المتنامية وطمأنة المستثمرين الحاليين، نتيجة توفر عوامل الأمان والنزاهة التي تمنح كل ذي حق حقه، فالإصلاحات هدفها الأخير زيادة أعداد المستثمرين وهو أمر لن يتأتى إلا بتحقيق العدالة والكفاءة والشفافية في كافة معاملات السوق ومراقبة أنشطة الجهات الخاضعة لإشراف هيئة السوق المالية والإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالأوراق المالية والجهات المصدرة لها، وهو أمر يجب البدء به أولا قبل الولوج إلى عملية إصلاح جديدة، من خلال الفصل في ملفات الشركات العالقة في السوق، وفي مقدمتها شركة «بيشة» التي لاتزال معلقة عن التداول منذ أكثر من سبع سنوات، ولاتزال.. فكيف يكون الحديث عن «إصلاح» وحقوق المساهمين في تلك الشركات توشك أن تذهب إدراج الرياح.

مهام الرئيس
• عكاظ: ماهي أهم الملفات التي يجب أن يضطلع بها الرئيس الجديد للهيئة؟
- بادكوك:
ملف الشركات المعلقة، التي يجب أن ينظر إليها ويبت فيها، فإما تسوية أوضاعها المالية أو تصفيتها، فوضع الشركات المعلقة يعني أن هناك أموالا مجمدة، لا يمكن أن تظل كذلك، بل يمكن استثمار تلك الأموال في أوعية استثمارية أخرى، حفاظا على حقوق المساهين.
ومن الملفات الأخرى المهمة، يأتي ملف علاوات الإصدار في الشركات المدرجة في سوق الأسهم، وهو ملف تكتنفه مؤشرات على الفساد والمحسوبية، وإلا فكيف بتلك الشركات التي أدرجت بعلاوات إصدار مرتفعة، وإذا بها تهوي بعد التداول بسعر يقل كثيرا عن سعر الاكتتاب.
أضف إلى ذلك ملف الاستثمار الأجنبي، الذي تتطلبه مكانة المملكة في منظمة التجارة العالمية، إلى جانب أن الحديث عن هذا الأمر تكرر كثيرا على مدار السوات الماضية، دون أن يصدر أي قرار بشأنه حتى الآن، إلى جانب توسيع قاعدة السوق، التي لاتزال تقتصر على معاملات الأسهم، فالسوق لديها الملاءمة في احتضان المزيد من الأدوات المالية، وفي مقدمة ذلك «الصكوك» التي تهدف الشركات من إصدارها إلى الحصول على مزيد من السيولة.
ما أود أن أضيفه أيضا في هذا الصدد، هو ضرورة أن توجه الغرامات المحصلة من المخالفين لأنظمة السوق إلى تعويض المتضررين من تلك المخالفات، وهو ما يجب أن تقوم به هيئة السوق المالية، بعد التحقق والتثبت من الأضرار التي لحقت بالمساهمين في السوق، إلى جانب عدم الاكتفاء بالغرمات على المخالفين ــ كما أسلفت ــ بل إلغاء الصفقات التي تحايلوا بها على السوق، وهو الأمر الذي سيعزز من مصداقية الهيئة، ويبعث برسائل طمأنة لكافة المستثمرين على الأوضاع داخل سوق الأسهم بالإضافة إلى أن على هيئة سوق المال تجاوز الكثير من الأطر البيروقراطية في إصدار التصاريح لصناديق الاستثمار، والتي تتطلب فترة زمنية قد تمتد إلى ستة أشهر، في حين أن ذلك قد يستدعي ساعات أو أيام على أبعد تقدير في العديد من أسواق المنطقة والعالم. كما أن على الرئيس القادم مراعاة أن المملكة وهي أحد أعضاء مجموعة العشرين الاقتصادية، ليس لديها وكالة تصنيف مالي وطنية، ولا يمكن بحال أن نركن إلى وكالات التصنيف العالمية التي تفتقد الكثير من المعلومات عن الاقتصاد السعودي، وكانت في معزل عن الأزمة الي حدثت في السوق المالية المحلية عام 2006م.
- باعجاجة: أتمنى من الرئيس الجديد أن ينظر إلى المقترحات بشأن تقسيم سوق المال إلى قسمين رئيسي: ويعني بالشركات القيادية والتي تحقق أرباحا آخر العام، وآخر ثانوي، تندرج فيه الشركات التي لا تتمتع بمركز مالي، ولا تحقق أي أرباح مالية آخر العام. وهذا التقسيم معمول به في كثير من الأسواق العالمية المتقدمة، بل والعربية أيضا، وهو مقترح موجود لا تزال يدرس من قبل هيئة سوق المال مند مدة ليست بالقصير، في سعيها نحو الارتقاء بآلية عمل السوق.
إلى جانب مراعاة أوقات التداول للسوق المحلية، التي لا تتوافق مع مواعيد تداول معظم الأسواق العالمية، التي يتوقف نشاطها أيام السبت والأحد، في حين أن سوق الأسهم المحلية يتوقف نشاطها أيام الخميس والجمعة، وهذا مايعني أن نشاط السوق المحلية لا يتوافق مع نشاط الأسواق العالمية طيلة أربعة أيام في الأسبوع.
كما أن نشاط التداول لفترة صباحية فقط، قلص كثيرا من حجم التداول ومن حركة المتداولين ففي السابق حين كان يقسم نشاط سوق الأسهم لفترتين: صباحية ومسائية، كانت حجم التداولات تقارب الثمانية مليارات ريال على أقل تقدير، وهو مالم يحققه السوق بعد اقتصاره على فترة تداول واحدة.
أضف إلى ذلك أن هيئة سوق المال معنية بنشر الوعي الاستثماري بين المساهمين والمتداولين في السوق، ولا يجب أن يقتصر هذا الدور على نشرات الإصدار أو الموقع الالكتروني للهيئة، بل يجب أن يتوسع في تقديم هذه الرسالة، من خلال مختلف وسائل الإعلام، وشبكات الاتصال المختلفة.
- الرقيب: أؤيد ما ذهب إليه الدكتور باعجاجة بضرورة إنشاء قسمين لسوق المال، الأول يعنى بالشركات القيادية والرابحة، وآخر بالشركات الأقل من حيث المركز المالي أو التي حققت خسائر متكررة، ففي اعتقادي أن ذلك لو طبق سيكفل سيسهل من عملية دخول المستثمرين للسوق، وسيساعد في استقطاب الاستثمار الأجنبي، وسيحد أيضا من التذبذبات الحادة في مؤشر السوق. والأهم من كل ذلك يجب على الرئيس القادم أن يمعن النظر والاختيار في الشركات المزمع إدراجها في سوق الاسهم، بحيث يتم رصد أداء الشركة لعدة سنوات، للتأكد من حسن إدارتها ونمو أرباحها، وهو الأمر الذي سيشجع كافة الشركات في السوق على مضاعفة جهودها لتحقيق الأرباح، والارتقاء بمراكزها المالية والادارية في السوق.
كما اتمنى ايضا أن يتم تعميق سوق الاسهم، من خلال ضخ مزيد من الشركات العائلية الناجحة للتداول، فهناك شركات عائلية رائدة وناجحة، وتحقق بشكل مضطرد المزيد من الأرباح سنويا. ومثل هذه الشركات ستعزز من قوة وعمق سوق الأسهم إذا ماتم إدراجها للتدوال، لكن ولتحقيق ذلك على هيئة سوق المال، تقديم الحوافز المشجعة لمجالس إدارات الشركات العائلية الناجحة، كي توافق على إدراج أسهمها في سوق المال.
- خليفة: أرى أن هيئة سوق المال عليها أولا السعي لإعادة الثقة المفقودة للمتداولين، وهو الملف الأهم والأكثر تأثيرا على المستثمرين في سوق المال، ومن ثم البت في أمر الشركات المعلقة في السوق، كشركة بيشة مثلا، التي لا تزال معلقة عن التداول طيلة سبع سنوات تقريبا. إلى جانب قيام الهيئة بضبط الإجراءات الإدارية المعنية بحماية صغار المستثمرين، من تأخير تنفيذ أوامر بيع وشراء الأسهم، والسيطرة على الشائعات والمضاربات العشوائية من خلال تفعيل برنامج حوكمة الشركات، إذ سيدفع البرنامج الشركات إلى احترام مساهميها بتوفير البيانات الصحيحة في الوقت المناسب.
كما أن الرقابة الفعالة على المتعاملين في السوق، ومتابعة كل التفاصيل والتدخل عند اللزوم وتطبيق الأنظمة واللوائح بحق المخالفين، وتنقية التعاملات من أي شائبة يمكن أن تعكر حركة السوق، ومتابعة أداء الشركات وإفصاحها عن بياناتها المالية بكل شفافية، تعد أهم الملفات المنتظر تقنينها وفق منظومة جديدة وفاعلة. فحماية صغار المستثمرين وتحويلهم إلى مستثمرين حقيقيين وليس مضاربين، أمر يتطلبه السوق في وضعه الحالي، ويجب أن تحظى تلك الملفات بأولوية من قبل الهيئة، ذلك أن المستثمرين الصغار هم في الغالب العماد الرئيسي للسوق ومصدر قوة الشركات المدرجة، حيث تمثل نسبة شريحة صغار المستثمرين 85% من مجموع المتداولين في هذه سوق الاسهم، والذين يربو عددهم على 3 ملايين مساهم.
بالإضافة إلى أن اكتشاف الممارسات غير المشروعة والتلاعب بأسهم بعض الشركات المدرجة في السوق ووقف المضاربين عن التعامل بالبيع والشراء، واتباع سياسات صارمة للحد من الإشاعات، سوف يؤدي إلى إضفاء مزيد من الثقة على تعاملات سوق الاسهم، وطمأنة عشرات الآلاف من المستثمرين فيه، كما أن زيادة أعداد المستثمرين واتساع قاعدتهم يتطلب توفير سوقا مالية على درجة عالية من الكفاءة والشفافية للحفاظ على مدخرات المجتمع وصيانتها من أي مخاطر تهددها.

عودة الطفرة
• عكاظ: في حال تحققت جميع تلك المطالب الآنفة، هل من المؤمل أن يشهد سوق الأسهم طفرة مالية جديدة؟.
- بادكوك:
لا أعتقد حدوث ذلك، وإنما أتوقع حدوث نمو متصاعد لمؤشر السوق، شريطة تحقيق تقدم في مسيرة إكمال البنى التشريعية للسوق، فكلما تحقق تقدما في هذا المجال، كلما انعكست تأثيراته الإيجابية في زيادة المستثمرين وتداولاتهم في السوق، وبالتالي تحقيق الأرباح المرجوة. لكن ذلك لا يعني عودة الطفرة التي تحققت في السوق قبل انهياره في عام 2006م، فهذا أمر أصبح من التاريخ، وليس له أي مؤشرات على تكراره.
- خليفة: سوق الأسهم المحلية لا تعكس واقع الاقتصاد السعودي، الذي يحقق نموا متزايدا، في ظل ارتفاع حجم الإنفاق الحكومي، واستفادة كثير من شركات القطاع الخاص من هذا الإنفاق، وفي مقابل ذلك لا يتفاعل سوق الأسهم إيجابيا مع كل هذه المعطيات، ما يؤكد وجود مشكلات هيكلية تعاني منها السوق، كما أن الواقع الحالي مختلف تماما عما كان عليه الوضع أيام الطفرة قبيل انهيار 2006م وحتى الآن، من حيث تدفق السيولة النقدية، والنواحي المعنوية والنفسية تجاه السوق، ولذا من المستبعد تكرار الطفرة المالية في السوق.. على الأقل في المنظور المتوسط. لكنني مع التوقعات التي تذهب نحو تحسن وضع سوق الاسهم للافضل، فسوق الأسهم يعتمد على العوامل الاقتصادية الخارجية والداخلية المؤثرة، لكن يبقى الاقتصاد السعودي الذي يقف على أرض صلبة، الداعم الرئيسي لاستقرار السوق ونموه، وهذا مبعث اطمئنان كبير لا يمكن بأي حال من الأحوال الشك في موثوقيته. كما أن المؤشرات العامة لاقتصادنا تنبئ أن مؤشر السوق سيمضي مستمرا في الصعود، ولا يمنع أن يتخلل ذلك حدوث حركات تصحيحية في مؤشر السوق من حين لآخر، بالإضافة إلى أن الاكتتابات في الشركات الجديدة المدرجة وزيادة رؤوس أموال بعض الشركات القائمة سيفتح مجالا لامتصاص بعض السيولة التي كانت تغذي المضاربات في سوق الأسهم.
- الرقيب: في اعتقادي وطالما أن هناك محدودية في أوعية الاستثمار، فمن المحتمل أن يشهد سوق الأسهم طفرة مالية في يوم من الأيام، وذلك لاعتبارات عدة: أهمها أن هناك مدخرات كبيرة تبحث عن أوعية استثمارية، كما أن هناك رؤوس أموال ضخمة قد تخرج من السوق العقارية في أي لحظة، بسبب حالة الركود التي أصابت سوق العقار جراء تضخم أسعاره. وما يشجع التوقع بهذا الاحتمال أن سوق الأسهم المحلية لا تتحكم به الصناديق الاستثماري وإنما الافراد، الذين قد ينحون إلى المضاربة في أسعار بعض الشركات، ورفع مؤشر السوق إلى نقاط قياسية، بغية تحقيق مصالحهم، والتي قد تتصادف مع مصالح آخرين كانوا في انتظار هذه اللحظة.

المشاركون في الندوة
- الدكتور سالم باعجاجة
استاذ المحاسبة في جامعة الطائف
- غسان بادكوك
إعلامي متخصص في القضايا الاقتصادية
- حسين الرقيب
مدير إقليمي في شركة الراجحي المصرفية
- عصام خليفة
عضو جمعية الاقتصاد السعودية