-A +A
أحمد عجب
ما أن يفتح الزبون باب سيارة الأجرة، بعد عودته من رحلة جوية طويلة، أو حين يضطر لقضاء أحد المشاوير المهمة داخل المدينة، وما أن يضع جسده المنهك على المقعدة، حتى يبادره ذلك السائق السعودي بسيل من الأسئلة المتطفلة : من وين جاي، شكلك مو من الـديرة هذي ؟! إلا وش فيك مهموم كذا ؟! وعندما لا يجد منك إلا الإجابات المقتضبة، يبدأ في الحديث عن الدين والحياة ثم ينتقل للاقتصاد والسياسة وفي كل منها يقص عليك بطولاته المركبة، كل هذا وأنت تلمح له بأن عليه أن ينتبه للسواقة ويترك عنه البربرة لكنه لا يعيرك أي انتباه، ولا هم له إلا الثرثرة وممارسة عادته السيئة بتحريكه المرآة التي أمامـه مع أن المقعدة الخلفية فاضية، وما أن يأتيك الفرج وتصل لوجهتك، حتى يبدي تذمره الشديد من الزحمة وطول المسافة فـإن تظاهرت وقتها بأنك ما فهمت قصده، قالها لك بملء فمـه : ما ودك تزيد الدراهم ؟!
هذا الانطباع السيئ للغاية، غرسه في مخيلتنا ووجداننا بعض من سائقي الأجرة السعوديين غير المبالين حتى بات صفة منفرة تلاحقهم جميعا، وتهدد مصدر رزقهم الوحيد، وبعد تجنب الكثير من الناس الركوب معهم وتفضيل السائق الأجنبي (كونه مطيع وفي حاله ) وبعد تجاوزهم لتلك المرحلة من خلال تنكرهم في الـزي وأحيانا اللهجة (تشتي تروح على وين ؟! ) هاهي أزمة جديدة تطل برأسها على هذه الفئة الكادحة فقد تقدم عدد منهم قبل أيام بشكوى جماعية إلى ديوان المظالم، بشأن اللائحة المنظمة لنشاطات الأجرة الخاصة التي أصدرتها وزارة النقل مؤخرا، معترضين على بعض المواد الواردة فيها ومدعين بأنها ستلحق بهم الضرر المادي الكبير، حيث يرون بأنه من الصعب جدا تطبيق هذه البنود على أرض الواقع وأن اللائحة فصلت لخدمة مصالح الشركات الكبرى و إخراج صغار المستثمرين والأفراد من هذه السوق!!
في الحقيقة إنه لا أحد منا يكره أن يجد سيارة الأجرة التي تقله آخر موديل ويقوم سائقها بتقديم خدمة متكاملة بدءا بالنظافة وطيب التعامل ومعرفة تامة بخارطة المدينة والتقيد بتشغيل عداد الأجرة، خاصة أن مدنا خليجية تعتبر المشوار (مجانا) في حالة تعطل أو عدم تشغيل العداد منعا للمغالاة في السعر، هذه لا شك مطالب مشروعة سواء لطالب الخدمة أو للوزارة المعنية التي تريد من جهتها الارتقاء بالمظهر الحضاري للنقل العام إلا أن ثمة ظروفا صعبة واحتياجات عديدة تحيط بذلك المواطن الذي يمتهن بنفسه السواقة أو يدير منشأة تزاول هذا النشاط، وكان من الأولى تفهم معاناة هذه الطبقة ( الكـدادة ) ومراعاة إمكانياتها عند إعداد اللائحة لا أن يتم تحميلهم المسؤولية الكاملة عن تدني هذه الخدمة، إنها بحق تركة ضخمة من الفوضى العارمة فاز كعادته المستثمر الكبير بمشاريع تطويرها فيما حمل المواطن البائس تبعاتها ومديونياتها المتراكمة !؟.