-A +A
نايف الرشدان
إصغاء المرء الأديب لمروياته الداخلية، وإذعانه لهوى يتردد صداه في نفسه، وانحيازه بشدة إلى معتقداته، وتخشبه فوق موقف أدبي قابل للتداول، لهو إصغاء مرير مؤلم، لا ينفك يبني أساه على مشترك واسع في عالمنا الأدبي، ويصيبنا بالترهل والإحباط، والذات الإنسانية بطبيعتها الأدبية تنطوي على بعض النتوءات والحساسية التي قد تفسد فتستحيل أوراما تطفح على جسد الموقف الأدبي مسهمة في نشر تجاعيد وتكورات تدعو أحايين كثيرة للقلق وتبعث أحايين أخرى على الذهول، فمن ينتظر منهم أن يكونوا مثاليين نوعا ما نجدهم على حد وصف الشاعر (... إذا الريح مالت مال حيث تميل) سأذكر موقفا تأريخيا في النقد العربي لابن الأعرابي يبين حقيقة موقفه ليس من توجه أبي تمام الأدبي وإنما من شخصه الأديب؛ يقول ابن رشيق القيرواني ــ العمدة 73/1: (... وهم يروون عن ابن الأعرابي وقد أنشد شعرا لأبي تمام: إن كان هذا شعرا فما قالته العرب باطل)، ومع ذلك يروي الصولي في المرجع ذاته عن رجل اسمه أبو عمرو بن أبي الحسن الطوسي أنه قال: «وجه بي أبي إلى ابن الأعرابي لأقرأ عليه أشعارا، وكنت معجبا بشعر أبي تمام، فقرأت عليه من أشعار هذيل، ثم قرأت أرجوزة لأبي تمام على أنها لبعض شعراء هذيل:
وعاذل عذلته في عذله/ فظن أني جاهل من جهله
حتى أتممتها، فقال: اكتب لي هذه، فكتبتها، فقلت: أحسنة هي؟، قال: ما سمعت بأحسن منها شعرا، فقلت له: إنها لأبي تمام!!، فقال على الفور: خرق خرق».
وفي رواية أخرى للصولي (خرق!! والله إن آثار الصنعة لبادية عليها)!
إن صدقت الرواية التأريخية، فهذا يعني أننا محوجون لوعي مهم وتربية ملحة على منح الآخر حقه في التعبير والإبداع وعدم غمطه في جمال إبداعه، بغض النظر عن تلك المقطوعة التي هام بها ابن الأعرابي لبرودتها ولكن مغزى القصة يشي بأن ما نضمره في ذواتنا من قيم شيء ــ للأسف ــ مزيف، فنحن نمتدح من نحب لحبنا له ونذم من لا نحب لعدم حبنا له، والإبداع في ضميره الإنساني خارج السياق ومهمش في واقعه، حيث استوطنت الذات المتورمة المفتونة بالأنا روح التعامل الشخصي لتفقد دورها الحقيقي وتنتبذ جانبا بدورها السلوكي المحرم.
أجل ليس من المباحات أن تصادر ذوائق الناس وفهمهم من أجل فهمك الموتور وصدقك المستثنى.


nrshdan@gmail.com