-A +A
مها الشريف
من أمثلة الحياة اللاواعية أن يعيش الإنسان منعدم الوعي، صحيا وروحانيا وشخصيا، كما قال د. إبراهيم الفقي: والذي استهل موضوعه بسؤال مهم وحيوي، هل أنت شخص ودود؟ أم قيادي؟ أم محلل؟ أم مُعبّر؟
المشكلة الكبرى في مجتمعنا أننا نلبس كل هذه الشخصيات في شخص واحد، ولا يدرك البعض سلبية الجمهرة الذاتية التي تستحوذ على حقوق الآخرين، وتفرض أفكارا معادية ومعارضة لكل جديد أو مفيد مثل، انتشار هاشتاقات ولافتات المقاطعة، التي يأخذها البعض على محمل «الحمية» والانحياز المتشدد لتيار أو فكر معين، ومنها على سبيل المثال الدعوة لمقاطعة معرض الرياض الدولي للكتاب الذي تنظمه وزارة الثقافة والإعلام، ويعد أحد أكبر المهرجانات الثقافية في الوطن العربي.

إن للكتاب قداسة علمية وفائدة روحية، فمتى تدركون يا أمة اقرأ هذا التفاوت العظيم بين أولوية العلم في الدين وممارسة التصدي كل عام لهذه التظاهرة العلمية الثقافية، التي تقيمها كل دول العالم في صمت وقناعة وسعادة، أين قاعدة المجتمعات المستقرة التي تؤسس المفهوم الذاتي، الذي يؤكد الوثوق بالعلم والتطور ويعمل جاهدا على نشر المنافسة الشريفة وتأليف الكتب وعرضها من خلال هذه التجمعات الطامحة لمستقبل مشرق بالعلم والإبداع، مستقبل لا يحارب العلم ولا يدعو للمقاطعة.
إن الدول الإسلامية طورت من قدراتها العلمية والتنموية بالاستفادة من دول أخرى أجنبية ونجحت وتألقت بشكل ظاهر ومميز. وهذا يؤكد أن التعددية الثقافية والطائفية والمذهبية في المجتمع الواحد إذا تحولت إلى تناحر وتصادم، فإنها تشكل تناقضا يضاف إلى البرامج المتعثرة والناقصة التي تشتت الأهداف وتثري الانقسامات الداخلية وتوجد العقبات الضخمة في طرق التطوير والتنوير.
أصبحنا قسمين، فريق يرفع الأعمدة والفريق الآخر يشبك عليها الأسلاك، وستبقى الخطوط متوازية إلى أن يتفق أغلبنا منطقيا ويتحدد هدف كل إنسان بمشروعية سعيه وقناعاته التي يباركها الآخرون.
لقد آن الأوان لكي نتحرر من هذا السديم الذهني وننتقل إلى تاريخ يربط المفاهيم ببعضها، ويجمعنا عند نقطة موحدة تصلح لكل العقول والتيارات، إن الجميع بحاجة إلى ميادين سلام ومساحات خضراء تنبت أشجارا مثمرة يجني ثمارها كل من فاق من غيبوبة العداء والحقد، ليمضي مع الجماعة ويؤلف ولا يؤلب ويعيش بالقرب وليس بمعزل عن المظهر اللائق للإنسانية، إن تعزيز الوفاق يرفع قدر الأمة ويدرأ التوتر ويطرح صيغا توافقية بين جميع الطبقات والتيارات.