في لحظة تبدو نادرة أن نجد قنوات الثقافة تنتصر للمرأة أو تعيد لها حقها في الحضور الإيجابي. استمعت في الأسبوع الماضي لتمثلية إذاعية في البرنامج الثاني في إذاعة جدة. وعلى عكس السياق في معظم البرامج جاء هذا البرنامج يحمل مفارقة صارخة. كانت اللقطة التمثيلية عبارة عن حوار بين رجل وزوجته، إذ بدا الرجل خائفا مما سمع عن إمكانية سقوط أقمار صناعية تهدد سكان الأرض. في المقابل سفهت الزوجة هذه الأخبار وعدتها من الأكاذيب التي لا أساس علمي لها. انتهت الحلقة وقد اقتنع الرجل بمنطق زوجته.
يبدو الأمر طبيعيا في سياق ثقافي اعتاد أن تحضر المرأة فيه بالتساوي مع الرجل، لكن أن تنتصر الحلقة التمثيلية للمرأة لتصبح هي العقل والرجل العاطفة، فالأمر يحتاج لتأمل لندرك كم ظلمت المرأة حتى أن حلقة مثل هذه تترك علامة استفهام واستغراب، هل في الأمر خطأ ما ؟! إن معتاد الثقافة أن المرأة هي من تخاف، والرجل هو من يتسامى بعقله. وإذا كان موضوع الحلقة مطروقا من قبل، فإن صياغة الفكرة من منظور مختلف هو الجديد في الأمر. فمن استمع للحلقة ربما أصيب بالدهشة. فتمرير الفكرة على أن الرجل خائف ومرتبك، بل جاهل، بينما في المقابل بدت المرأة ناضجة ومتوازنة ومستوعبة العالم من حولها، بل تصل إلى استيعاب قلق زوجها وطمأنته، فهذا منظور جديد غير معهود. لقد جاء بناء الشخصيتين، المرأة والرجل، بهذه الطريقة مخالفا للسائد. فكيف يمكن أن نقرأ ذلك؟! هل الأمر جاء صدفة من معد ومخرج الحلقة؟! أم الأمر جاء عن وعي ودراية انتصارا للمرأة ؟! قد لا تهم الإجابة، بل المهم هو السؤال: لماذا أصبح أي عمل تجيده المرأة أو موقف تتخذه يدعو للاستغراب؟! لا شيء يمكن أن يبرر هذا السؤال إلا الثقافة المنحازة ضد المرأة.
الإرث الثقافي منحاز ضد المرأة، فهي في نظر الثقافة المسؤولة عن إنجاب الإناث، وهي في عرف الثقافة ناقصة عقل ودين. وهي تابع تحتاج إلى الوصاية. باختصار تعتبرها الثقافة كائنا ثانويا. هذه المنزلة التي وجدت المرأة فيها نفسها مسألة تاريخية، وليست حديثة التكوين، غير أن التاريخ الحديث لم يكن أرحم بها. فماتزال المرأة مع تفاوت نسبي من مجتمع لآخر تأتي تابعا. والمقلق أن مناهج التعليم تسهم في تصنيف المرأة وفقا لمنزلتها في الثقافة والمجتمع. فمن البديهي أن من مسؤوليات مناهج التعليم التركيز على التنوير وبث رسائل تعزز أهمية العقل والجدارة الإنسانية والكفاءة الإنتاجية لا أن تساير الثقافات في تجنيها وانحيازها ضد المرأة. من يستحضر مناهج التعليم لدينا، يجد هناك تركيزا خطيرا على تصنيفها بوصفها خلقت للبيت بكل ما تعني هذه الكلمة من المدلولات الثقافية والاجتماعية السلبية. مناهج التعليم سواء في التعليم العام أو في الجامعة تساير السياق العام في نظرته للمرأة. فمنذ الصف الثاني الابتدائي يتعرف الطفل على أن الفتاة للبيت، أما هو فللعمل خارج البيت. وفي الجامعة تحرم الفتاة من بعض التخصصات لأنها لا تناسبها، ويتم اختراع تخصصات تكرس متلازمة المرأة والبيت مثل تخصص الاقتصاد المنزلي. إذن، ما تقرره الثقافة للأسف تتبناه مناهج التعليم دون تدقيق أو مساءلة. فهي مناهج منقادة تقوم بدورها دون استراتيجية واضحة.
من المسؤول عن تكريس هذه الظاهرة ؟!.
يتحمل الإعلام والإعلان والتعليم والبرامج الدعوية شيوع هذه الظاهرة السلبية تجاه المرأة. فهي قنوات تعزز ما تمليه الثقافة السائدة دون أن يكون لها دور في تصحيح الأفكار المغلوطة. فوضع المرأة في سياق مجتمعها على نحو طبيعي يسهم في زيادة التنافس ويبقي فقط على العقول الفاعلة دون تمييز بين رجل وامرأة. غير أن زمام الهيمنة التي يمتلكها الرجل بفعل الموروثات الثقافية، وبعض تأويلات النصوص الدينية من منظور ذكوري فرض على المرأة الوجود في الهامش، بينما المتن تضخم حتى استبد بطش الرجل بالمرأة وأقصى حقها في التفكير والمبادرة. من هنا وأنا أستمع للتمثيلية الإذاعية في إذاعة البرنامج الثاني وجدت الأمر يجري في حيز المفارقة، برنامج رفع من شأن المرأة ووضع الرجل في سياقه البشري الطبيعي الذي يخاف ويجهل مثلما يقاوم ويعرف. هذا النوع من البرامج أو المواد الإعلامية أو المناهج الدراسية يجب أن يكون السائد الذي يقدم الرجل والمرأة وفقا لإنسانيتهما دون تمييز أو تهميش.
halnemi@gmail.com
halnemi@gmail.com
يبدو الأمر طبيعيا في سياق ثقافي اعتاد أن تحضر المرأة فيه بالتساوي مع الرجل، لكن أن تنتصر الحلقة التمثيلية للمرأة لتصبح هي العقل والرجل العاطفة، فالأمر يحتاج لتأمل لندرك كم ظلمت المرأة حتى أن حلقة مثل هذه تترك علامة استفهام واستغراب، هل في الأمر خطأ ما ؟! إن معتاد الثقافة أن المرأة هي من تخاف، والرجل هو من يتسامى بعقله. وإذا كان موضوع الحلقة مطروقا من قبل، فإن صياغة الفكرة من منظور مختلف هو الجديد في الأمر. فمن استمع للحلقة ربما أصيب بالدهشة. فتمرير الفكرة على أن الرجل خائف ومرتبك، بل جاهل، بينما في المقابل بدت المرأة ناضجة ومتوازنة ومستوعبة العالم من حولها، بل تصل إلى استيعاب قلق زوجها وطمأنته، فهذا منظور جديد غير معهود. لقد جاء بناء الشخصيتين، المرأة والرجل، بهذه الطريقة مخالفا للسائد. فكيف يمكن أن نقرأ ذلك؟! هل الأمر جاء صدفة من معد ومخرج الحلقة؟! أم الأمر جاء عن وعي ودراية انتصارا للمرأة ؟! قد لا تهم الإجابة، بل المهم هو السؤال: لماذا أصبح أي عمل تجيده المرأة أو موقف تتخذه يدعو للاستغراب؟! لا شيء يمكن أن يبرر هذا السؤال إلا الثقافة المنحازة ضد المرأة.
الإرث الثقافي منحاز ضد المرأة، فهي في نظر الثقافة المسؤولة عن إنجاب الإناث، وهي في عرف الثقافة ناقصة عقل ودين. وهي تابع تحتاج إلى الوصاية. باختصار تعتبرها الثقافة كائنا ثانويا. هذه المنزلة التي وجدت المرأة فيها نفسها مسألة تاريخية، وليست حديثة التكوين، غير أن التاريخ الحديث لم يكن أرحم بها. فماتزال المرأة مع تفاوت نسبي من مجتمع لآخر تأتي تابعا. والمقلق أن مناهج التعليم تسهم في تصنيف المرأة وفقا لمنزلتها في الثقافة والمجتمع. فمن البديهي أن من مسؤوليات مناهج التعليم التركيز على التنوير وبث رسائل تعزز أهمية العقل والجدارة الإنسانية والكفاءة الإنتاجية لا أن تساير الثقافات في تجنيها وانحيازها ضد المرأة. من يستحضر مناهج التعليم لدينا، يجد هناك تركيزا خطيرا على تصنيفها بوصفها خلقت للبيت بكل ما تعني هذه الكلمة من المدلولات الثقافية والاجتماعية السلبية. مناهج التعليم سواء في التعليم العام أو في الجامعة تساير السياق العام في نظرته للمرأة. فمنذ الصف الثاني الابتدائي يتعرف الطفل على أن الفتاة للبيت، أما هو فللعمل خارج البيت. وفي الجامعة تحرم الفتاة من بعض التخصصات لأنها لا تناسبها، ويتم اختراع تخصصات تكرس متلازمة المرأة والبيت مثل تخصص الاقتصاد المنزلي. إذن، ما تقرره الثقافة للأسف تتبناه مناهج التعليم دون تدقيق أو مساءلة. فهي مناهج منقادة تقوم بدورها دون استراتيجية واضحة.
من المسؤول عن تكريس هذه الظاهرة ؟!.
يتحمل الإعلام والإعلان والتعليم والبرامج الدعوية شيوع هذه الظاهرة السلبية تجاه المرأة. فهي قنوات تعزز ما تمليه الثقافة السائدة دون أن يكون لها دور في تصحيح الأفكار المغلوطة. فوضع المرأة في سياق مجتمعها على نحو طبيعي يسهم في زيادة التنافس ويبقي فقط على العقول الفاعلة دون تمييز بين رجل وامرأة. غير أن زمام الهيمنة التي يمتلكها الرجل بفعل الموروثات الثقافية، وبعض تأويلات النصوص الدينية من منظور ذكوري فرض على المرأة الوجود في الهامش، بينما المتن تضخم حتى استبد بطش الرجل بالمرأة وأقصى حقها في التفكير والمبادرة. من هنا وأنا أستمع للتمثيلية الإذاعية في إذاعة البرنامج الثاني وجدت الأمر يجري في حيز المفارقة، برنامج رفع من شأن المرأة ووضع الرجل في سياقه البشري الطبيعي الذي يخاف ويجهل مثلما يقاوم ويعرف. هذا النوع من البرامج أو المواد الإعلامية أو المناهج الدراسية يجب أن يكون السائد الذي يقدم الرجل والمرأة وفقا لإنسانيتهما دون تمييز أو تهميش.
halnemi@gmail.com
halnemi@gmail.com