حين تدلف إلى حي وقادا بمحافظة العقيق بمنطقة الباحة، وتتفحص الوجوه التي تتبعك نظرات أصحابها بحذر، تلمس البؤس والكآبة التي تعتري السكان، فالأمر لا يتعلق فقط بسوء وضعهم المعيشي، بل حتى بغياب تام لمختلف الخدمات برغم كون الأهالي لا يتطلعون لها ولا ينشدونها بقدر ما يتحسسون بصيص أمل يسهم في مد يد العون لمستواهم المعيشي المتدني جدا.
«عكاظ» تجولت في أروقة الحي والتقت عددا من قاطنيه، في البداية أشارت أم عبدالله الطاعنة في السن والتي تسكن في منزل شعبي قديم ومتهالك إلى أنها تعاني من التهابات وأمراض مزمنة من سكر وضغط وروماتزم، وتعيش في وقادا منذ سنين طويلة، ولا تجد ما تصرفه على أولادها، فراتب الضمان الاجتماعي ضئيل لا يتجاوز 900 ريال فقط، مبينة أن أبناءها خارج المنطقة منهم من يبحث عن وضيفة ومنهم من لديه وضيفة ضعيفة لا تكفي حوائجه الشخصية.
وأضافت أن حي وقادا لم يتغير منذ سنين طويلة فهو على حاله لا اهتمام من بلدية ولا متابعة من دوائر خدمية تقدم لنا الخدمة وتتلمس حوائجنا وتعرف ما لدينا.
أم فائز، وصفت وضعها بالمأسوي، حيث إنها مبتورة القدم، ولا تستطيع الحركة، في حين تحصل على مساعدة من الضمان 850 ريالا لكنها تؤكد أنها لا تستفيد شيئا من ذلك المبلغ لأنه يذهب لتسديد الديون.
وقالت، لم استطع أن أتقدم إلى أي جهة خدمية لمساعدتي لأني لم أجد من يساعدني، مشيرة إلى أن الجمعية الخيرية لم تصل إليهم ولم ترها إلا قبل سنتين ومنذ ذلك الوقت لا تسمع إلا باسمها دون أن يكون لها دور في مساعدتهم.
وأضافت، لا أستطيع المشي ولا أجد من يخدمني أطبخ الأكل بيدي، بعدها تجدني من العصر على عتبة البيت أشاهد الناس مع الطريق وأنا في حيرة من أمري، مبدية عجبها من قطيعة أولادها لها والذين تركوها حبيسة الجدران راغبة في أن تذهب إلى بيشة لتزور بعض أقاربها لكن لم تجد من يلتفت إليها، مطالبة أن تجد لها من يعولها ويقوم بخدمتها.
عبدالله بن مبروك الذويب رجل كبير نظره ضعيف وسمعه ثقيل جدا ولا يسمع إلا بجهاز، ذكر أنه يستلم 2100 ريال فقط وليس لديه دخل آخر ولديه من الأسرة 6 أفرد، مضيفا لا يكفيني هذا المبلغ بل إنني أقطع مسافات بعدية أطلب أهل الخير لتجود أنفسهم علي بما يستطيعون.
وزاد، نحن مسجلين لدى جمعية خيرية ونسمع أنها توزع أرزاقا وفرشا وبطاطين ولكن لم نستلم منهم قطعة واحدة.
من جهتها قالت أم سالم «أعيش بلا هوية وهذا السبب حرمني استلام الضمان ومساعدات الجهات الخيرية، وأسكن في منزل بناه شقيقي»، مبدية استغرابها من عدم قبول التابعية التي لديها بالرغم أنها إثبات هوية، كما أن زوجها تركها معلقة منذ سنوات دون أن يطلقها.
أم علي ذكرت لـ «عكاظ» أنها بنت مسكنها من عبوات المشروبات الغازية، وأضافت «لدينا أرض حاولنا أن نسورها إلا أن المجتمع المحيط بنا منعنا ولا يقوم على خدمتنا سوى ابنتنا والتي امتنعت عن الزواج بسبب أنها تريد خدمتنا والعمل على راحتنا فرب الأسرة طريح الفراش لأكثر من 15 سنة لا يستطيع الحركة إلا بشخص يعضده ويقوم برعايته».
ياسر جمعان لم يكمل المدرسة كان يسعى لكسب الرزق ومساعدة والدته الأرملة يعاني من تلف في المخ والأعصاب بسبب حادث مروري تعرض له، وسعت والدته لإعادته لوضعه الطبيعي بعد وعود من أطباء ولكن دون جدوى.
في الجانب الآخر وليس ببعيد عن أسرة أم ياسر التقينا أم مبروك كبيرة في السن تعاني من آلام شديدة في البطن ولديها أمراض مزمنة مثل السكر والضغط وغيرها، وكانت جالسة أمام منزلها تصنع بيدها بعض الأدوات المصنوعة من سعف النخيل، وجلود المواشي، وتعتبر حرفية ومهنية بشكل متميز ذكرت لـ «عكاظ» أنها تبيع بعض الأغراض من صنع يدها من خسف وبعض القرب وغيرها، حيث تبيعها بمبالغ زهيدة لا تتراوح من 5 – 10 ريال فقط.
فيما ناشد الأهالي بضرورة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة والاحتياطات الضرورية، لحماية المحافظة من مخاطر الأمطار والسيول، خصوصا أن سكان المحافظة يساورهم القلق من بعض المشاريع التي نفذت أو ما زالت قيد التنفيذ لكونها لا تتوازى مع حجم وكمية الأمطار.
وأضافوا أن بعض (العبارات) الصغيرة والضيقة أنشئت على مجاري أودية عرفت بعظم سيولها، وبعض الأحياء القديمة تُركت لتتسع وتتمدد بلا تخطيطٍ دقيق يراعي وضع مساراتٍ مفتوحة وواضحة لجريان مياه الأمطار والسيول، وكذلك فإن مركز المدينة وضواحيها يكشف بعد كل مطرٍ عن غياب مشاريع (تصريف مياه الأمطار)؛ مما يحول المدينة إلى مسبح كبير للمارة والسيارات، ثم إن وادي العقيق أكبر أودية المحافظة ضاق مجراه بتنفيذ طريق الباحة ــ الرياض الجديد؛ ما يشكل خطرا داهما في حالة المطر الغزير وتجمع سيول جميع الأودية التي تصب فيه، واستغربوا منح بعض المواطنين أراضي في مجرى السيل.
وأوضح ناصر الغامدي أن سكان العقيق ينتظرون من الجهات المعنية، وعلى رأسها البلدية والمحافظة والدفاع المدني تقديم خدمات أفضل، مبينا أنه تقدم مع عدد من الأهالي بعدة شكاوى ولكن دون جدوى، وأضاف أن الشوارع تفتقر إلى السفلتة.
ونوه الغامدي إلى أنه لا يوجد متنفس للشباب، كما أنه لا توجد شرطة أو دفاع مدني في بعض المراكز، رغم أن الأهالي تقدموا بعدة طلبات ولديهم أرقامها، مشيرا إلى أنهم يعانون من المجهولين، وهم من يقومون بالقبض عليهم لغياب مركز الشرطة، ويشهد على ذلك رئيس المركز السابق.
وأوضح عمير بن مبروك أن أسرته تتكون من 13 فردا وأنه العائل الوحيد لهم وقال «أعاني من ظروف مادية وظروف أسرية وغيرها وليس لدي أي دخل» مطالبا الجهات المعنية بالتدخل وحل المشاكل التي يعانون منها والظروف القاسية التي أجبرتهم على ذلك.
وأضاف «حي وقادا منذ سنوات لم يتغير منه شيء كما ترون الآن سوى بعض التدخلات البسيطة من البلدية والتي لم تر النور حتى الآن» مبينا أن الحي يوجد به أشخاص مقعدون لا يستطيعون الحركة وليس لديهم من يعولهم.
وأضاف أن من بين الأهالي من فقد بصره أو سمعه ومنهم من أصيب بأمراض مزمنة أقعدته طريح الفراش لا يقوم بالكثير من حوائجه الشخصية إلا بمساعدة شخص آخر فليس لهم عائل بعد الله، مطالبا الضمان الاجتماعي والتأهيل الشامل بترك مكاتبهم ومشاهدة الحي عن قرب ومعرفة المحتاجين والمعوزين ومعرفة أيضا الحالات التي تتطلب الدخول للمستشفى ومتابعتها أولا بأول.
وطالب علي الغامدي بفتح مدارس بنين وبنات بالإضافة إلى فتح مساجد وسفلتة الشوارع وخاصة الرئيسية منها وتوصيل شبكة المياه وتوفير سبل الراحة الكفيلة بالعيش الجيد، مؤكدا أن حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين لا تألوا جهدا في خدمة المواطن وتوفير سبل الراحة والقيام بتقديم الخدمات لكل المواطنين بل إيصالها لكل بيت ومتابعتها بشكل دقيق.