-A +A
محمد مفتي
لكل دولة في العالم ومنذ أقدم العصور مجموعة من القوانين والأنظمة التشريعية تنظم بها مجتمعها، والعقوبات المقررة على مختلف الجرائم ليست أمرا حديث العهد بالبشرية ولا هى مختصة بدين أو جنسية دون أخرى، فالعقوبات وجدت بوجود البشرية ذاتها، ومنصوص عليها في كافة الرسالات السماوية وحتى القوانين الوضعية، فالصين مثلا تطبق حكم الإعدام في الجرائم التي تمس أمن وطنها العام وكذلك في بعض الجرائم إذا ارتأت خطورتها على استقرار المجتمع كالأغذية الفاسدة مثلا، أما اليابان فهي تطبق عقوبة الإعدام أيضا على القاتلين ومرتكبي جريمة الخيانة العظمي، وهذا هو الهدف الذي تسعى كل دولة لتحقيقه، وهذه القوانين لا تخص الحاكم بل هي ملك للمجتمع بأكمله لأنه قد تم وضعها لحماية المجتمع وأمنه في المقام الأول والأخير.
ومنذ ظهور الإسلام أصبحت الشريعة الإسلامية هي الفيصل والحكم لكل مسلم ولكل دولة مسلمة، ولا توجد شريعة أخرى غيرها تحكم المسلمين، والمسلمون غير مخيرين وليس لهم الحق في استبدال ما ارتضاه المولى عز وجل لهم بقوانين أخرى؛ إذ يقول الحق تبارك وتعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا). فالعقوبات الصارمة للجرائم التي تقوض المجتمع وتنشر الفوضى والشغب فيه كالقتل والسطو المسلح وتهريب المخدرات وغيرها هي لحماية المجتمع وأمنه واستقراره، وقد قال تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم). وقد قدم المولى جل وعلا العقوبات في جرائم المجتمع «بالقتل»، في حين أخر «النفي من الأرض» في الآية ليشدد على أهمية وضرورة استئصال الأنفس الشريرة من المجتمع، وليوضح أهمية العقوبات الصارمة في نشر الأمن والسكينة بين بقية أفراد المجتمع. وصدق الصحابي الجليل عثمان بن عفان حيث قال «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» فهناك أنفس شريرة لا تخاف الله ولا تخشى عقوبته ولا تجدي معها النصيحة، لذلك فكما قال هذا الصحابي الجليل تبقى عقوبة السلطان هي الرادع لهم.
لقد حرصت المملكة على تطبيق الشريعة الإسلامية ذلك أن شعبها شعب مسلم، وحرصت على تشديد العقوبات من أجل المجتمع نفسه، ولو نظرنا لتلك الجرائم التي طبقت فيها المملكة عقوبة القصاص أو التعزير فلن نجدها تختلف في شيء عن تلك القوانين التي وضعتها غالبية الدول التي تحرص على سلامة وأمن مواطنيها، فهي تطبق عقوبة القتل في جرائم قتل النفس أو تطبقها كعقوبة تعزيرية في جرائم المخدرات أو السطو المسلح، لحماية المجتمع من خطورتهما المدمرة، وتذكرنا جرائم السطو المسلح بالذات بجرائم يندى لها الجبين لم يعد يعرفها أبناء الجيل الحالي ولم يعودوا يألفونها بأي صورة من الصور، فقد اندثرت بفضل الله وهي جرائم قطاع الطرق التي كانت منتشرة قبل تأسيس المملكة وخاصة أن شبه الجزيرة العربية كانت صحاري شاسعة يسهل فيها مرابطة قطاع الطرق وترويع الآمنين وسلبهم ونهبهم، والمملكة كما هو معروف تشكل 80 في المئة من مساحة شبه الجزيرة العربية.
من المؤكد أن لكل دولة الحق في تطبيق القوانين التي تكفل لها أمنها واستقرارها، ولا شك أن الصرامة في تطبيق القوانين وتفعيل مبدأ العقاب يرتبط إيجابيا بمستوى الأمن الداخلي وتعزيزه في كافة قطاعات الدولة، ويكفي أن نتخيل حجم الفوضى الموجودة الآن بالعراق بسبب الاختلافات المذهبية والتصنيفات العرقية التي تعد بمثابة قنابل موقوتة في المجتمع، إضافة الى قطاع الطرق الذين يستبيحون نفوس المواطنين كل يوم هناك، أو غياب القانون والشغب الذي يجتاح ليبيا، أو تنازع السلطات الذي أحدث فوضى عارمة في الشارع المصري. إن وجود القوانين الصارمة تخصنا نحن كشعب، وهى موضوعة لحمايتنا نحن، ونحن المتأثرون بغيابها لذلك فنحن من يجب أن يكون أول المدافعين عنها، وأول من يطالب ولي الأمر بتطبيقها من أجل حماية أموالنا وأعراضنا، وتحضرني في هذا السياق المقولة الشهيرة «إن كان للشيطان طيف.. فإن للسلطان سيفا».

dr.mufti@acctecon.com