-A +A
أدار الندوة: محمد طلبة، أيمن سمير، مي جمال عبدالناصر

رغم أن أمين عام جامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي سوف يطرح اليوم بين يدي القادة العرب في قمتهم بالعاصمة القطرية الدوحة حصاد لجنة تعمل منذ حين على إعادة هيكلة الجامعة برئاسة الأخضر الإبراهيمي .. ورغم أن إعادة الهيكلة تعتبر أحد أهم ثلاثة بنود مطروحة على القمة .. إلا أن الحقيقة أن آليات مشروع الهيكلة نفسها غير متفق عليها بين الدول الأعضاء .. وعدد ليس بقليل بين هذه الدول لديه العديد من التحفظات على هذه الآليات لعل أبرزها ما عبر عنه سمو وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أمام المجلس الوزاري العربي الذي عقد بالقاهرة حين دعا إلى أن يتولى تطوير الجامعة فريق عمل مستقل ومحايد يخلو من السياسيين أو ممثلين لأي دولة عربية أو مؤسساتها .. وحدد سموه دور الفريق في البحث بكل تجرد وموضوعية في المسببات التي أدت إلى تكبيل العمل العربي المشترك.



ولذلك كان السؤال: أين يكمن الخلل وكيف يمكن إصلاحه؟ هو المحور الأساسي لندوة «عكاظ» في القاهرة (تطوير بيت العرب بين المأمول والواقع) التي شارك فيها السفير الدكتور محمد إبراهيم شاكر رئيس مجلس إدارة المجلس المصري للشؤون الخارجية وسفير مصر لدى وكالة الطاقة النووية، وكان مرشحا لخلافة الدكتور محمد البرادعي كأمين عام للمنظمة، والأستاذ الدكتور جمال سلامة أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة السويس، والمستشارة إلهام غسال الباحثة السعودية والمستشارة الدبلوماسية بمنظمة العمل العربية، و مؤمن كويفاتية نائب رئيس الهيئة الاستشارية لتنسيق الثورة السورية في مصر، والسفير الدكتور عبدالملك منصور مندوب اليمن السابق لدى الجامعة العربية.



وكانت المفاجأة في محصلة الندوة إذ اتفق معظم المشاركين على أن التوقيت والظروف غير مناسبين لتطوير منظومة العمل العربي، وأنه ربما يكون الأفضل هو التفكير الجاد والمتعمق في مشروع يصلح لمرحلة لاحقة، وفيما يلي أهم التفاصيل:







• البداية أين يكمن الخلل ومن أين يبدأ الإصلاح؟



محمد شاكر:



بعد أكثر من 60 عاما من تأسيس الجامعة العربية لا بد من التفكير في تطوير الجامعة، لكن في ظل عدم الاستقرار في كثير من دول الربيع العربي فإن الوقت غير ملائم الآن لتغيير ميثاق الجامعة، لأن تغيير الميثاق يحتاج إلى الاستقرار، والأجواء الحالية غير مناسبة للاستقرار، لذلك إعادة الهيكلة ليس الآن.



د. جمال سلامة



التفكير في تحويل الجامعة لجامعة شعوب أمر غير واقعي، لأن المنظمات الإقليمية تعبر عن الدول وليس عن الشعوب، لكن إذا أردنا أن نشرك الشعوب بشكل أو بآخر يمكن تأسيس كيان آخر مواز .. نعم الجامعة تحولت لمنتدى لنقاش القضايا، لكن حل القضايا يحتاج لإرداة سياسية، ربما كثير من قرارات الجامعة متعارضة في مصالح بعض الدول، ونحن لم نصل بعد لمرحلة من النضج السياسي تسمح بتوافق كامل في المصالح على غرار الاتحاد الأوروبي، لأن عالمنا العربي يعاني من مشاكل داخلية، والعلاقات البينية بين الدول العربية نفسها بها بعض المشاكل، ولذلك أنا أقول إن الإرادة السياسية غير موجودة الآن لتحقيق إعادة هيكلة للجامعة.



مؤمن كويفاتية



لا نريد أن نحلم بهيكلة الجامعة في أفق خيالية، ونحن في المعارضة السورية التقينا أمينها العام الدكتور العربي وقال لنا إن الجامعة هي جامعة للدول العربية، وأن الجامعة تحقق مصالح الأنظمة العربية في المقام الأول، وأنا أعرف أن هناك انفصالا بين الشعوب العربية والجامعة، والسؤال الآن كيف يمكن للجامعة أن تخلق نوعا من التوازن بين ما تحتاجه الشعوب وبين ما تريده الأنظمة والحكومات العربية، وخير دليل على ذلك هو الأزمة السورية التي وقفت الجامعة حتى الآن عاجزة عن وقف المجازر التي يقتل النظام فيها أكثر من 150 شخصا يوميا.



• عكاظ: هل يمكن للدكتور العربي في يوم من الأيام أن يكون بنفس صلاحيات وتأثير بان كي مون؟



د. جمال سلامة



الجامعة انعكاس لإرادة الحكومات العربية كما قال الأستاذ مؤمن، لكن حتى مون ليس لديه صلاحيات إلا تلك التى حددها ميثاق الأمم المتحدة، أو التي يمنحها له الأعضاء، ففي النهاية لا يمكن لبان كي مون أو رئيس مجلس الأمن أو غيره من رؤساء المنظمات الإقليمية والدولية إلا ما يمنح لهم من سلطات من جانب الدول الأعضاء في هذه المنظمات، لكن ربما ما لم يتصوره البعض ممن وضعوا ميثاق الجامعة عند التأسيس أن يأتي اليوم الذي يقتل الحاكم فيه شعبه كما يحدث في سورية الآن، كان الميثاق يتحدث عن تكاتف الدول العربية ضد التحديات الخارجية لكنه ربما لم يتصور ما يحدث في سورية.



السفير شاكر: هناك أزمة ثقة حقيقية بين الجامعة والشعوب العربية، فمثلا عندما تم تعيين عمرو موسى أمينا عاما للجامعة وكان وزيرا ناجحا في الخارجية قالوا إن الرئيس مبارك تخلص منه، ولذلك يمكن التخلص من أزمة الثقة هذه إذا سمحنا للمجتمع المدني أن يتعامل مع الجامعة، وقد دعانا بالفعل الدكتور نبيل العربي للمشاركة في القاعة الكبرى بالجامعة في مناقشة كيفية إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، أما في المستقبل فيمكن أن نحلم بأن يكون لدينا اتحاد عربي.



مؤمن كويفاتية



أنا أتفق مع السفير محمد شاكر لكن نحن في سورية الجديدة لا نريد أن تخلق الجامعة المعجزات لكن يجب أن يكون للجامعة دور حتى لا يجعل الحاكم من شعبه رهينة شخصية له كما يحدث في سورية تحديدا.



إلهام غسال:



هناك نموذج ناجح في الجامعة هو منظمة العمل العربية لأن بها تمثيل ثلاثي يتمثل في مشاركة العمال وأصحاب العمل والحكومات، وأستطيع بالفعل أن أقول إن هناك ديمقراطية حقيقية داخل منظمة العمل العربية، وربما يفاجئنا الإبراهيمي في تقريره بأشياء تساهم في تحقيق نقلة نوعية نتمناها جميعا للجامعة، وهناك محور هام أيضا هو إلزامية القرارات، نحن نتمنى أن نصل لمرحلة تنفذ فيها الدول ما توقع عليه من قرارات، لأن المشكلة التي ربما تواجه الجامعة هو عدم الالتزام الكامل بقراراتها من جانب بعض الأعضاء حتى لا تضيع القرارات في دهاليز المكاتب ولا تأخذ طريقها نحو التنفيذ، وأنا أتفق مع السفير شاكر في أهمية دور المنظمات الأهلية والمجتمع المدني في تفعيل دور الجامعة، وهنا أنا أعتقد أن سماح الأمين العام السابق عمرو موسى بدخول المجتمع المدني لأول مرة في الجامعة كان له دور هام، أما فيما يتعلق بالازدواجية في مؤسسات الجامعة العربية فأنا لا أرى هذه الازدواجية إلا من خلال الأمم المتحدة والجامعة اللتين تعملان على أرض واحدة هى الدول العربية.



• عكاظ: هل يمكن للجامعة أن يكون لها أذرع عملية على الأرض مثل قوات حفظ السلام، أو كيان يجمع كل منظمات الإغاثة العربية؟



د. جمال سلامة:



المفترض أن يجتمع الناس إما على المصالح أو التحديات، وهناك من يرى المصالح مثل منظمة العمل العربية، وبقدر ما يكون الرأس سليما ومعافى سيكون الجسم والأطراف كذلك، فيمكن مثلا التفكير في كيان واحد موحد يجمع منظمات الإغاثة العربية حتى يكون للعرب كيان مثل الكيانات العملاقة.



مؤمن كويفاتية:



نعم نحتاج إلى مثل هذه الكيانات العملاقة حتى لا تضيع جهود العرب بعيدا، ومثال على ما أقول أنه في نهاية شهر يناير الماضي تم جمع أكثر من مليار و600 مليون دولار في مؤتمر الكويت لمساعدة اللاجئيين السوريين، لكن هذه الأموال تذهب أولا إلى الأمم المتحدة وبعد دفع المرتبات والحوافز وغيرها سيعود القليل للشعب السوري، وهناك جانب هام أيضا أن الأمم المتحدة تسلم المساعدات للنظام السوري الذي يقوم بتوزيعها على أنصاره فقط أن يبيعها ويشتري بالأموال سلاحا ليقتل باقي الشعب، ولذلك التفكير في كيان واحد وقوي للإغاثة في الجامعة مهم للغاية، وهنا لا بد من الإشادة بالتجربة الرائدة في مصر في احتواء أكثر من 7 آلاف عائلة سورية.



دراسة التجارب المماثلة



• عكاظ : كيف يمكن الاستفادة من تجارب المنظمات الاخرى؟



د. عبدالملك منصور:



جرت محاولات عدةٍ وفي أزمنةٍ متباعدةٍ لتطوير الجامعة منذ إنشائها، بعضها وجد الاهتمام اللائق به والبعض الآخر غطته الأحداث المصاحبة فلم يثر اهتماما ولم يلتفت إليه، ومن عجائب الأمور أن المشاريع التطويرية كانت تأتي بمبادراتٍ من الحكام وليس من مؤسسات، وهذه مسألة طبيعية فنظام الجامعة العربية أصلا قام على جامعة للقادة العرب وليست جامعة للشعوب، بل أكثر من ذلك أن المبادرات التطويرية كانت تصدر من القادة العرب الذين يعانون من أزماتٍ فيحاولون الهروب منها بالقفز إلى الأمام بغرض تحقيق عديد الأهداف، فهم يقولون للمعارضة في شعوبهم لا نأبه بكم، وها نحن نفكر وننشغل بإصلاح الأوضاع وهم يقولون للخارج لا تصدقوا ما قد تسمعون فنحن داخليا مستقرون سعداء لدرجة أننا نصلح الخارج أما داخليا فأوضاعنا نحسد عليها، ولعل الجميع يتذكر أن الثورة قامت في تونس ثم في مصر ثم في ليبيا ثم في اليمن ثم في سورية وكل هؤلاء الرؤساء كانوا قد قدموا مبادراتٍ لإصلاح وتطوير الجامعة،بل إن هذا الموضوع كان ولا يزال بندا أساسيا على جدول اجتماعات الجامعة العربية في التحضير على مستوى المندوبين ووزراء الخارجية، وفي اجتماعات القمة على مستوى الرؤساء، وسيبقى موضوع تطوير العمل العربي المشترك هما شاغلا حاضرا، ولا سبيل إلى المضي فيه إلا بأن تعكف أجهزة الجامعة على دراسة التجارب المماثلة لمعرفة مكامن قوة البدايات وسمو الغايات وهمم المسار لنتأسى بهم.



مقترحات وحلول



• عكاظ: ما هي مقترحاتكم لتطوير وهيكلة الجامعة العربية؟



محمد شاكر:



الجامعة لن تتطور ما لم نأخذ الاتحاد الأوروبي كمثل وقدوة لنا، لأن الاتحاد الأوروبي يضع شروطا للدول الراغبة في عضويته مثل الحد الأدنى لاحترام حقوق الإنسان، وأن يكون نظام الدولة ديمقراطي، لكن الجامعة في الظروف الحالية لا يجب أن نحملها أكثر مما تحتمل لأن الخوف من لمسها في الوقت الحالي بغرض هيكلتها يمكن أن يؤدي لأشياء أخرى.



د. جمال سلامة



يمكن أن نبدأ بالجانب الاقتصادى، لأنه لا بد أن يكون هناك تشابه في الظروف الاقتصادية والسياسات النقدية كما حدث في دول الاتحاد الأوروبي، وفي تلك الحالة يمكن أن نبني قاعدة من المصالح تكون منصة لإطلاق مزيد من التعاون، والحقيقة أن الجامعة تستطيع أن تفعل إذا توفرت الإرادة وهذا تحقق عام 1948 عندما أنشأت جيش الإنقاذ.



إلهام غسال



أنا أتصور أن الجامعة نجحت بشكل كبير في المجالين الاجتماعي والاقتصادي، ولذلك يمكننا البناء على هذين المحورين، وكذلك يمكن الاستفادة من تجربة مجلس التعاون الخليجى باعتباره أنجح منظمة عربية إقليمية حتى الآن، وأنا أتمنى أن يتم تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، وألا يكون دورها فقط «مراقب» بل تكون عضوا أصيلا.



مؤمن كويفاتية



الجامعة لا بد أن تفكر في الشعوب حتى تزيد الثقة مع الشعوب العربية.