خرجت بعد حضور القمة العربية الرابعة والعشرين.. المنعقدة بالدوحة يوم الثلاثاء الماضي 14/5/1434هـ (الموافق 25/3/2013م) بعدة انطباعات.. تبدو في مجملها غير مطمئنة إلى مستقبل عربي أكثر هدوءا واستقرارا وأكثر تعاونا وتفاهما من الفترة الماضية التي شهدتها الساحة العربية ولاسيما في السنوات الخمس الأخيرة وتحديدا في الفترة السابقة للتحولات الراهنة التي وقعت خلال العامين الماضيين..
•• لكنني قبل أن أتحدث عن ذلك.. أريد أن أشرككم معي في أجواء جلستي الصباح والمساء اللتين استغرقتا 10 ساعات وألقيت خلالهما (22) كلمة، شارك فيهما ـــ غير أمين الجامعة العربية ـــ أمين منظمة التعاون الإسلامي ورئيس البرلمان العربي إلى جانب (19) رئيس وفد، بالإضافة إلى الجلسة المغلقة التي استمرت ساعتين إضافيتين..
•• ومنذ البداية، فإنني أذكر بأنه كان من المقرر لجلسات القمة استمرارها على مدى يومي الثلاثاء والأربعاء.. لكن الأنباء التي وصلت إلينا قبل نهاية الجلسة الصباحية هي أن الجلسات سوف تتواصل في نفس الليلة وأن الجلسة الختامية سوف تبدأ في تمام الساعة السادسة من نفس اليوم الثلاثاء.. وعندها بدأت تعليقات المراقبين تتوالى.. بين من يعتقد أن اختصار جلسات القمة يعني الاتفاق المسبق على القضايا الأساسية والمحورية وذلك دليل على نجاح القمة.. وعدم وجود خلافات عميقة بين الدول الأعضاء بدليل هذا الاختصار وقصر الاجتماعات على يوم واحد وإن كان مرهقا للجميع.. وبين من ذهب إلى عكس هذا التوقع.. وظن أن «الاختزال» كان مؤشرا قويا على أن أجواء القمة لم تكن صافية بدرجة كافية.. وأن هناك رغبة من بعض الوفود للانسحاب مبكرا.. إما لظروف ومواعيد مسبقة لدى بعض القادة والممثلين وإما لأن تفاوت المواقف السياسية ولاسيما حول الشأن السوري قد بلغ ذروته وبالتالي فإن الاستمرار في عقد الجلسات إلى نهاية الموعد المقرر الأربعاء قد يؤدي إلى أزمة غير مضمونة العواقب.. وإما لأن السبب وراء ذلك هو ظهور بوادر خلاف قوي بين عواصم عربية مؤثرة.. ولاسيما بعد أن استمع الجميع إلى خطاب الرئيس المصري «محمد مرسي».. ثم لاحظوا خروجه المبكر بعد انتهاء أمير الكويت من إلقاء خطابه مباشرة..
•• هذا المشهد بكل ما انطوى عليه من توقعات وجد من يفسره خلال جلستي الصباح والمساء ممثلا في خروج بعض القادة والممثلين من القاعة قبل نهاية الجلسة الصباحية الأولى.. وإحلالهم وزراء خارجية بلدانهم في مواقعهم وفي مقدمتهم مقعد دولة الإمارات العربية المتحدة وكان يشغله سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة وحاكم دبي.. وكذلك جلالة ملك البحرين «حمد بن عيسى آل خليفة» وإن سرت بعض التوقعات الأخرى مساء في أروقة الجلسة.. لكن جميع المؤشرات كانت تشير إلى أن انسحابهما لم يكن مرتبطا بأجواء جلسات المؤتمر.. بقدر ما كان مرتبا من قبل..
•• كما طرحت مغادرة الرئيس المصري بعد فترة وجيزة من الجلسة المسائية وعقب استهلالها بخطاب «مرسي» المطول عدة أسئلة قوية في أنحاء المؤتمر.. تعليقا على الإشارات التي انطوت عليها بعض كلمات.. الرئيس، ومنها قوله: «إن بلاده لن تسمح لأحد ــ على الإطلاق ــ بأن يتدخل في شؤونها الداخلية أو يفكر بأي شكل بأن يعبث في ذلك» وقال بصورة أكثر تحديدا ــ وخارج سياق الخطاب المعد ــ «إنني أرى أن هناك أصبعا أو أكثر يحاول التدخل في مصر.. ونحن لن نسمح له بذلك.. وسوف نقطعه إذا تجاوز الحدود».
•• فقد تساءلت الوفود عن المقصود بهذا الكلام الحماسي.. وفي هذا المكان.. وفي هذا الوقت بالذات.. وهل هو مؤشر لبداية أزمة مع عاصمة عربية أو أكثر ومن هي ولماذا؟!.
أصابع من.. في مصر؟
•• وما أكد هذا الشعور بالقلق هو خروج الرئيس مرسي بعد هذا الخطاب وإن كان قد عرف فيما بعد أنه كان مرتبطا برحلة خارجية أخرى، لكن السؤال ظل مفتوحا على كل المستويات.. ولاسيما في ضوء التوترات الموجودة داخل بلاده.. وتوقع بعض الدوائر السياسية والأمنية أن تكون تلك التوترات ذات امتدادات خارجية لأطراف سياسية مصرية تعيش في الخارج وتتعاون مع أطراف سياسية أخرى في الداخل.. أو أن تكون إفرازا للجدل المتصاعد داخل مصر.. حول مستقبل العلاقات المصرية الإيرانية وانعكاساتها على العلاقات المصرية / العربية بشكل أو بآخر.. أو بالسياسات العربية الراهنة الرامية إلى توفير الحد المطلوب من الاستقرار في الداخل ومن الحفاظ على مكانة مصر المتقدمة في المنطقة والإقليم في ظل تجاذب العديد من الأطراف لمركز الصدارة في المنطقة العربية وكذلك في منطقة الشرق الأوسط ككل..
المقعد السوري.. وقلق المناوئين
•• وخلاف حالة الانسحابات أو عدم الاستمرار في الاجتماعات، شهدت قاعة المؤتمرات أكثر من تحرك.. وحوار جانبي (أثناء جلستي الصباح والمساء) ولاسيما بين رؤساء بعض الوفود أو وزراء الخارجية والممثلين مع ممثل الائتلاف السوري «معاذ الخطيب» أو بعض أعضاء الوفد.. حيث كان وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد.. قد ترك مقعده واتجه للتحدث إلى معاذ الخطيب.. وكذلك خروج الخطيب من القاعة أكثر من مرة.. سواء في الجلسة الصباحية أو الجلسة المسائية.. واجتماعه برئيس أكثر من وفد.. ثم لقاء بعض أفراد الائتلاف وبعض أفراد الوفد السعودي بحكم تقارب مقعديهما.. وإن فصل بينهما الوفد السوداني..
•• ولا ندري إن كانت تلك الاتصالات تجسيدا لأجواء السعادة بعد دخول الوفد السوري إلى القاعة وجلوسه على مقعد بلاده عقب خطاب الممثل العراقي الذي ناب عن الرئيس جلال طالباني (السيد خضير الخزاعي) الذي كانت بلاده ترأس الاجتماع الثالث والعشرين.. والذي كان عليه أن يلقي كلمة موجزة يسلم بعدها مقعد الرئاسة لقطر.. إلا أنه توسع في كلمته التي استغرقت حوالي عشرين دقيقة.. وبرر فيها بوضوح سبب وقوف بلاده إلى جانب ما أسماه بالشرعية الدستورية.. مفسرا بذلك عدم رضا الوفد عن التوجه الموجود لمنح الائتلاف السوري مقعد سورية في هذه القمة.. وهو الموقف المعلن للعراق من قبل والذي أثار انزعاج أكثر العواصم العربية التي وجدت فيه دعما«لوجستيا» للنظام القائم.. ونظرتها إلى الأجواء العراقية كممر سهل ومفتوح لدعم هذا النظام بصفقات السلاح الآتية من إيران وروسيا وربما من مصادر أخرى..
الرد القطري على الممانعة العراقية
•• لكن خطاب أمير قطر جاء تعقيبا على خطاب العراق.. ودعوته للسيد «معاذ الخطيب» للدخول إلى القاعة واحتلال كرسي سورية.. والذي قوبل بتصفيق شديد من أكبر عدد ممكن من الدول الأعضاء الممثلة في القمة.. هذا الخطاب كان بمثابة رد على تلك المواقف الداعمة لنظام الأسد.. والتي امتنعت عن التصويت على قرار الجامعة العربية لإعطاء الائتلاف مقعد سورية ممثلا للشعب السوري.. ومنها الجزائر التي كانت ترى أن ذلك ليس مطلوبا الآن.. وهو القرار الذي اعتبرته أيضا كل من روسيا وطهران.. بمثابة سابقة خطيرة.. رغم توفر أغلبية عربية ساحقة مؤيدة له.. وإن وجدت أصوات أقرب إلى «التحفظ» منها إلى الاعتراف والقبول به.. وإن لم تمانع في اتخاذ الخطوة..
•• وقد أعقب هذا المشهد تحرك وزير الخارجية (هوشيار زيباري) من مكانه واتجاهه إلى أمين عام جامعة الدول العربية «نبيل العربي» لبضع دقائق.. فيما اعتبر وكأنه تسجيل أو إيضاح موقف أو المطالبة بالتعقيب.. وإن لم يتم شيء من ذلك..
لقاءات سعودية رفيعة وهامة
•• في هذا الوقت بالذات الذي كانت فيه سلسلة الخطابات تتوالى للاستماع إلى (22) زعيما وممثلا تحدثوا في هذه القمة كأطول فترة شهدتها قمة عربية مفتوحة.. صمت فيها فقط ممثلو «جمهورية الصومال الديمقراطية» والبحرين والإمارات العربية المتحدة.. كانت المملكة العربية السعودية تتابع المشهد بهدوء.. وكان السفير السعودي لدى الجامعة العربية وجمهورية مصر العربية «أحمد قطان» يتلقى التوجيهات من حين لآخر.. ويتواصل مع بعض الوفود داخل الجلسة ولاسيما مع منصة الرئاسة وأمين عام الجامعة العربية.. في جهد متواصل كان من الواضح أنه يصب في خانة «ترطيب» الأجواء.. وتهدئة النفوس للمحافظة على البيت العربي بمنأى عن الخلافات والانقسامات الحادة..
•• وقد تجسدت هذه الرغبة بقوة في سلسلة اللقاءات التي عقدها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس وفد المملكة إلى القمة نائبا عن خادم الحرمين الشريفين على هامش الجلسة الثانية مع كل من سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح.. ومع الرئيس اللبناني ميشال سليمان والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ورئيس الوزراء الليبي علي زيدان محمد وهي الاجتماعات التي أعطت مؤشرات قوية على اهتمام المملكة بما يحدث في هذه الدول الشقيقة ويجسد الرغبة في دعم كل فرص التعاون والتشاور لضمان شراكة حقيقية في تأمين عوامل الاستقرار والنماء في دول المنطقة والاهتمام أكثر بحاجات الشعوب وتطلعاتها..
•• وكان واضحا ولاسيما خلال الجلسة المسائية أن هناك وفودا عربية أخرى أرادت التواصل مع المملكة خلال هذه الفترة القصيرة غير أن الوقت لم يكن كافيا لحصول مثل هذه الاتصالات وإن تم الاتفاق على إتمام بعضها في وقت آخر.. لكن الأبرز في هذه اللقاءات التي تمت في هذا الوقت بالذات أنها جاءت مع أطراف تولي المملكة أهمية خاصة للأوضاع الدائرة في بلدانهم بهدف تعزيز اللحمة القائمة وتلمس المزيد من الحلول الملائمة للمشكلات الراهنة في الساحة العربية. وهي وإن كانت مشكلات معقدة إلا أن الأمير سلمان بدا هادئا.. وسعيدا بما تحقق في هذه اللقاءات.. وفي القمة بشكل عام بالرغم من بعض الأجواء التي عبرت عنها بعض الكلمات وأوحت بها سلسلة الاتصالات والأحاديث المراوحة بين العتب والمودة والأمل في تحسين الأحوال..
•• والقمة وإن شهدت الكثير من الكلمات المطولة والتفاصيل التي لا علاقة لها بجدول الأعمال.. إلا أنها توقفت طويلا عند خطابات محددة.. ركزت على القضايا الأساسية التي توقفت القمة لديها طويلا وهي:
- مستقبل سورية ودور المجتمع الدولي في إيقاف المآسي الراهنة هناك.
- التدخلات الخارجية، في شؤون المنطقة.
- السلام في الشرق الأوسط وفرص تقدمه.
•• وجاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين على لسان سمو الأمير سلمان كلمة مباشرة في التعاطي مع هذه القضايا..
•• فحول القضية الفلسطينية أكدت الكلمة على «أننا لا نرى إمكانية لحل النزاع ما لم يحدث تغير في سياسات الحكومة الإسرائيلية وطريقة تعاطيها مع الحلول والمبادرات المطروحة التي سعت إلى إفشالها وتفريغها من مضامينها من خلال سياسات الاستيطان والقمع وقضم الأراضي والانتهاكات المستمرة للحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني» وكأنها تجيب بذلك على نبرة التفاؤل التي سادت المنطقة بعد الاتصالات الأخيرة بشأن القضية وهي نبرة لا يبدو أن الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» سعيد بها كثيرا.. لعدم بروز مؤشرات حقيقية تدل على أن هناك دفعة جديدة للعملية السلمية حتى بعد زيارة الرئيس الأمريكي (أوباما) الأخيرة لإسرائيل والضفة الغربية والأردن.. وهي نفس اللغة التي تحدث بها الملك عبدالله الثاني بن الحسين في القمة ولم يستشف منها أن هناك تقدما كبيرا متوقعا في الفترة القريبة القادمة.
•• أما القضية الثانية التي عبرت عنها الكلمة بوضوح فهي المتصلة بالوضع السوري المأساوي..
•• فالمملكة لا ترى ــ في الأفق القريب ــ أي أمل في قبول النظام السوري لأي مبادرة عربية أو دولية لحل الأزمة سياسيا حتى لو أعلن عن قبولها.. (لماذا؟) لأن لدى هذا النظام قناعة بإمكانية حل الموضوع بالوسائل العسكرية خاصة مع استمرار تلقيه ما يحتاجه من العتاد العسكري من مصادر ــ لم يسمها الأمير سلمان ــ وإن قال إنها «لا تخفى على أحد» لأن العالم كله يتابع الدعم الإيراني والروسي المفتوح لنظام الأسد واستماتتهما في الحيلولة دون سقوطه..
•• والحل ــ كما تراه المملكة ــ وكما أوضحت الكلمة يتمثل في:
(1) إنهاء المجتمع الدولي لانقاسمه حول هذه المسألة وتوفيره الدعم السياسي والمادي للمعارضة السورية (المشروعة) بعد أن انضوت فئات المعارضة جميعا تحت لواء الائتلاف الوطني السوري باعتباره الممثل الشرعي لشعب سورية سواء في المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية أو في إطار القمم العربية.
(2) حدوث نقلة نوعية في فهم وأسلوب العمل العربي المشترك سواء من حيث إعادة هيكلة الجامعة العربية لتمكينها من مواكبة المستجدات والمتغيرات أو من زاوية إزالة المعوقات ومواطن الخلل التي تعترض مسيرة العمل العربي المشترك وتقف عائقا أمام تنفيذ قراراتها.
وفي تقدير المملكة «أن وثيقة العهد والميثاق التي توصلنا إليها في قمة تونس تتضمن جملة من الأسس والمبادئ التي تشكل رافدا لمسيرة العمل العربي المشترك المستند إلى (الجدية والمصداقية) وهو أكثر ما تحتاج إليه في سياق التعامل مع واقعنا» الذي وصفته الكلمة بأنه واقع «مضطرب»..
•• وبقدر ما كانت كلمة المملكة مختصرة ومركزة.. بقدر ما توجهت إلى «الجرح» العربي مباشرة.. ودون خروج عن سياق الأحداث أو تناول لقضايا التنمية الاجتماعية.. وقضايا المرأة.. وحقوق الإنسان.. وشؤون الطفولة «والبيئة» وأهزوجة التكامل العربي المستحيلة.. كما حفل بذلك «إعلان» القمة واعتبره البعض مجرد «ترف» لا مبرر له في وقت تشهد فيه المنطقة درجة اشتعال قصوى.. تقابلها حالة عجز تامة في التعاطي مع القضايا الحساسة.. أو محاولة دوران والتفاف حول ما ينبغي ألا نختلف عليه أو نشكله وفق مصالح ضيقة.. تتعارض مع مصالح المنطقة والأمة..
•• صحيح أن هناك أفكارا ومقترحات مفيدة وبناءة وردت خلال هذه القمة وانطوت عليها بعض كلمات رؤساء الوفود.. ومنها المقترحات القطرية والتي تمثلت في:
ــ الدعوة إلى ترتيب البيت الفلسطيني وتشكيل حكومة انتقالية للإشراف على الانتخابات.. وهي دعوة قد تشهد توسعا في عدد الدول المشاركة في القمة المقترحة حتى تكون أكثر قدرة على تحقيق ما تتوصل إليه من أفكار تحد من محاولات الالتفاف على نتائجها مستقبلا.
ــ إقامة مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لإعادة إعمار سورية فور انتقال السلطة وهو ما ينظر المراقبون إليه على أنه أمر ممكن ولكن بعد أن تتضافر الجهود العربية والدولية (أولا) لإسقاط النظام الحالي.. وتمكين المعارضة من الحصول على المقعد السوري في الأمم المتحدة في أقرب وقت ممكن.
ــ إنشاء صندوق لدعم القدس برأسمال قدره (مليار دولار) تبرعت قطر فيه بربع مليون.. وهو مقترح جيد لولا أنه طرح تساؤلات كثيرة عن مصير مقترح المملكة إلى مؤتمر القمة العربي في القاهرة عام 2000م بإنشاء صندوقين أحدهما باسم «صندوق الأقصى» والآخر باسم «صندوق انتفاضة القدس» برأسمال قدره مليار دولار وتبرعت المملكة آنذاك بمائتي مليون دولار لصندوق الأقصى الذي قدر رأسماله بـ(800) مليون دولار وكذلك تبرعت بـ(50) مليون دولار لصندوق انتفاضة القدس البالغ رأسماله (200) مليون دولار..
•• وأن الاقتراحين يؤكدان رغبة المملكة وقطر في تحريك القضية الفلسطينية في الاتجاه الصحيح.. بدءا بتوفير القدرة على المحافظة على هوية القدس وحقوق الشعب الفلسطيني في تحقيق دولته المستقلة..
الأردن.. في مواجهة الخطر
•• وسوف يتوقف نجاح مثل هذه المبادرات الجادة على مدى توفر الإرادة العربية المشتركة لإعطاء القضية الفلسطينية الزخم الذي تستحقه وإن كانت هناك دول عربية أخرى.. تستحق هي الأخرى دعما كبيرا حتى تواصل كفاحها بمواجهة الأعاصير الشديدة التي تحيط بها من كل جانب وفي مقدمة هذه الدول «المملكة الأردنية الهاشمية» وهي التي تواجه ــ كما قال الملك عبدالله الثاني بن الحسين ــ في القمة «أعباء استثنائية شديدة وكبيرة جراء الوضع المأساوي في سورية وتدفق مئات الآلاف من السوريين على بلاده في ظل إمكاناته المحدودة وأوضاعه الاقتصادية الصعبة التي يمر بها».
وهي أوضاع لم تجد اهتماما كافيا من إعلان القمة يساعد الأردنيين على الصمود بمواجهة العديد من التحديات التي تتهدد بلادهم.. وتشكل خطرا حقيقيا على سلامتها..
***
•• تلك هي بعض أجواء القمة التي شهدت جلساتها حركة غير مسبوقة بعضها نتيجة انتهاز بعض الوفود الفرصة للالتقاء بوفود أخرى تجمعها معها بعض المشتركات ــ ولاسيما بالنسبة لدول الربيع العربي ــ أو نتيجة لكثرة التفاصيل التي حفلت بها أكثر الكلمات ولاسيما بالنسبة لدول ركزت على إنجازاتها أكثر من تركيزها على تحقيق هدف القمة الأبرز وهو تطارح الحلول للمشكلات الحادة التي تهدد الجميع.. وبالتالي فإن الصالة الخارجية لقاعة الاجتماعات كانت أكثر ازدحاما في بعض الفترات من نفس القاعة هربا من الملل.. وتعليقا على بعض الطروحات الإنشائية والمفرغة من المضمون والمكررة تماما..
سورية المستقبل.. إلى أين؟!
•• غير أنه في الوقت الذي قوبل فيه دخول وفد المعارضة السورية إلى القاعة بالكثير من الحفاوة فإن الكثير من الحضور كان يتوقع سماع خطاب قوي.. وبرنامج عمل منظم.. ورؤية واضحة لتحديد مسار الثورة وخطوات عملها.. منذ اللحظة الأولى التي يسقط فيها النظام..
•• ذلك كان المتوقع.. غير أن خطاب «معاذ الخطيب» خلا من كل ذلك.. فقد عبر عن مشاعر عاطفية.. في وقت كان الجميع ينتظر من الائتلاف وحكومته التي توشك أن تتشكل بعد اختيار «هيتو» لرئاسة الوزراء بالرغم من اعتراض بعض الأطراف على ذلك..
وبقدر ما آثار خلو خطاب «الخطيب» من أي مضامين عن برنامج المعارضة لإدارة شؤون سورية المستقبل.. والرد على المخاوف الخارجية من إمكانية سيطرة قوى متشددة على النظام القادم في المرحلة الجديدة.. بالقدر الذي لفت صمت «هيتو» وعدم مشاركته في الاتصالات أو التفاهمات نظر المراقبين والحضور داخل القاعة وخارجها. فقد كان صامتا طوال الوقت.. وبدا الوفد أيضاً سواء من حيث التشكيل أو مواقع جلوس أفراده وكأنه غير مؤتلف حقا.. وتلك مشاهدات قد تبدو سطحية إلا أنها تنطوي على دلالات يتوجب تفسيرها في أقرب وقت ممكن ولاسيما في ظل استقالة «الخطيب» وعدم وضوح الرؤية حول من الذي سيحل محله.. وكيف ستستطيع الحكومة العمل من الداخل.. وكيف وعلى أي أساس سيتم تشكيلها في ظل الاختلاف بين أطراف وقوى المعارضة..
هذا الوضع وغيره جسد المخاوف من احتمالات استمرار الانقسام.. وإن وضح أن هناك عواصم عربية حريصة على جمع كلمتهم.. وتطوير رؤيتهم نحو رسم مستقبل بلادهم وبما يحقق هدفهم النهائي في الحرية والعدالة وإقامة الدولة القوية في ظل التوحد والشراكة الجماعية في إدارة شؤون سورية المستقبل.
موقف عربي ضعيف من التسلح
•• لكن الشيء اللافت حقا.. والمثير للتساؤل بشكل ملموس هو خلو «الإعلان» النهائي للقمة من الموقف الواضح والصريح من إيران كطرف مسبب للكثير من التوترات التي تشهدها المنطقة والاكتفاء فقط بالإشارة إلى احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث وتكرارها لنصوص متواترة لا جديد فيها بشأن هذا الاحتلال الجاثم على الصدور.. والذي كان على القمة أن تتخذ تجاهه موقفا أشد منذ سنوات طويلة..
•• وقد اعتبرت أكثر الوفود هذا الصمت على الممارسات الإيرانية.. وكذلك عن الموقف الروسي الداعم باستماتة للنظام السوري.. وكأنه تجاهل لأسباب المأساة الحقيقية التي يحياها الشعب السوري.. وجاءت قمة الدوحة من أجل معالجته..
•• كما أن اللافت أكثر في هذا الإعلان هو تضعضع الموقف العربي وتهالكه من مسألة تسليح المعارضة السورية لدعم التوجه الدولي الواضح في هذا الصدد.. حيث نص الإعلان على ما يأتي:
«نؤكد على أهمية الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي كأولوية للأزمة السورية، مع التأكيد على حق كل دولة (وفق رغبتها) في تقديم كافة وسائل الدفاع عن النفس بما في ذلك العسكرية لدعم صمود الشعب السوري والجيش الحر».
•• هذا النص كان مصدر صدمة للمراقبين داخل أروقة القمة.. قبل أن يمتد إلى الشعوب العربية.. وقبل أن يلامس جراحات السوريين على كل الجبهات.. وإلا.. فما هو الجديد في التذكير بحق كل دولة في اتخاذ قرار انفرادي لتسليح الشعب السوري؟!.. ولماذا النص تحديدا على (وفق رغبتها)؟! وأين هي الإرادة العربية المشتركة لدول تتفق معظمها على ضرورة إزالة النظام الحالي عن السلطة والتمكين للشعب من إدارة شؤون نفسه وبلاده؟! ثم أين هو الموقف العربي الذي يؤكد تصميم الدول العربية على حماية هذا الشعب والحيلولة دون إفنائه من قبل النظام وأعوانه؟!..
•• إن هذه الصيغة «التوافقية» أفرغت القرار من مضمونه وأظهرت الدول العربية وكأنها غير جادة في مسألة تسليح المعارضة السورية.
•• لقد طرحت كل هذه التساؤلات في الوقت الذي وقف فيه الكلام في حلق مساعد الأمين العام للشؤون السياسية «بن حلي» وهو يبحث عن الماء لإكمال هذا البند «العجيب» الذي شهد وبكل تأكيد جدلا واسعا بين وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا قبل القمة لمدة يومين لبلورة هذا النص الميت تجاه شعب يقتل بالآلاف صباح مساء على مرأى ومسمع من الرأي العام العربي والعالمي..
•• وبكل تأكيد.. فإن القمة التي انتهت إلى هذه النتيجة وعكست مدى الخلافات العربية العربية.. بل ومدى اتساع المجاملات بين بعضنا البعض إلى درجة أننا لا نخرج بقرار قوي يحترم إرادة الأغلبية ويقترب ولا أقول يتجاوب مع حماسة فرنسا وبريطانيا وشجاعتهما في التوجه نحو دفع الاتحاد الأوروبي لاتخاذ قرار أقوى من القرار العربي تجاه تسليح المعارضة ودعم كفاح الشعب السوري.. وتجنيب المنطقة مغبة أي تطورات سلبية أكبر.. وأخطر..
والجامعة تغرق أيضا
•• فكيف نطالب إذن مجلس الأمن بالاتفاق وإصدار قرار جماعي.. يأخذ بالحل العسكري بعد أن أصبح الحل السياسي مستحيلا.. وبعد أن شجع ذلك روسيا وإيران على إغراق سورية بالسلاح.. وليس مستبعدا باستخدام أسلحة الدمار الشامل إذا اقترب الخطر منهم جميعا؟.
•• وكيف نطالب روسيا والصين بأن لا تستخدما حقهما في الفيتو ضد أي قرار يفكر فيه المجلس لإنهاء الوضع بعد أن سدت جميع طرق الحل السلمي تماما؟.
•• أسئلة كثيرة لا أدري كيف ستجد الجامعة العربية الإجابة عليها.. ولاسيما أنها أصبحت هي الأخرى محل تجاذب بين أكثر من عاصمة عربية أيضا؟!.