لو سبق أن جربت هز جذع نخلة، فبالتأكيد تعلم أن هذه الشجرة النبيلة لها جذع كالفولاذ، ما شاء الله ولا يتأثر بأي محاولة لتحريكه مهما حاولت، أما أن تستطيع أن تهز هذا الجذع الصلب بحيث يتحرك ويتمايل إلى حد تضطرب فيه الأسعف وتسقط الثمار، فهذه أحلام يصعب تصورها. والذي لم يجرب فبإمكانه المحاولة ليتأكد من ضآلة حيلته أمام وتد النخلة.
أما أن تقوم امرأة حامل، وفي المخاض، وهي مهمومة حزينة، أن تقوم بهز جذع النخلة لتساقط عليها رطبا جنيا فهذا يصعب تخيله بمقاييس البشر، ولكن لا شيء يصعب أمام قدرة الخالق. وبالتالي تساقط هذا الرطب على سيدتنا مريم عليها السلام. ولكننا قد نتساءل عن أمر الله سبحانه وتعالى لهذه السيدة الفاضلة وهي سيدة نساء الجنة، فلماذا تؤمر في وضعها هذا بهز جذع النخلة والذي لا نتصور أن يأتي بأي نتيجة لولا تدخل القدرة الإلهية، ومادام الموضوع يتطلب هذا التدخل الإلهي ولن تسقط ثمار النخلة إلا بأمره سبحانه، فلماذا إذن لا تنزل الملائكة ومعها صحون الثمار أو على الأقل تهز هي هذه النخلة. ما الحكمة من أمر سيدتنا مريم بهذا العمل؟..
رحم الله السلطان يزيد الثاني الذي حرم دخول المطابع للإمبراطورية العثمانية، وأكد على ذلك السلطان سليم ليستمر هذا المنع لحوالى مئة وخمسين عاما إلى أن سمح السلطان أحمد الثالث بتأسيس أول مطبعة في اسطنبول في عام 1727 ميلادي ولكن لأن هذا الإذن مشروط بأن تقوم لجنة مكونة من ثلاثة قضاة بإجازة كل كتاب يتم طباعته وبعدها يقوم قاضٍ رابع بمراجعته، ولذلك لم يصدر من هذه المطبعة سوى أربعة عشر كتابا قبل أن تتوقف عن العمل في عام 1797، وهذا يعني أنه منذ اختراع آلة الطباعة في ألمانيا في عام 1445 وإلى مرور ثلاثمائة وخمسين سنة لم يتم طباعة سوى أربعة عشر كتابا في الإمبراطورية العثمانية، بينما في أوروبا، وبالذات أوروبا الغربية، ومن بعدها أمريكا الشمالية. انتشرت المطابع في كل مدينة، ومعها انتشر الكتاب والقراءة والعلم، وهكذا دخلت أوروبا إلى ما يسمى بعصر التنوير ومن بعده إلى الثورة الصناعية، بينما ظل العالم الإسلامي في سباته.
ولم يكن العالم الإسلامي وحيدا في اتخاذ قرار الانغلاق وعدم الأخذ بالأسباب، فقبل هذه الفترة بقليل اتخذت إمبراطورات الصين قرارات شبيهة وأغلقوا أبواب مملكتهم الشاسعة لكل ما هو أجنبي، بل وأحرقوا سفن أسطولهم لكي لا تكون هناك تجارة أو اتصال بالعالم الخارجي، وبالتالي بعدما كانت إمبراطورية الصين رائدة في الاختراعات والابتكارات (الورق والنقود الورقية، البارود، والساعات ذات الحركة الآلية. البوصلة .. إلخ)، وبعدما كان أسطولها البحري من أكبر وأقوى الأساطيل إن لم يكن أكبرها، تقهقرت وتخلفت إلى أن غزتها الدول الأوروبية وفرضت عليها شروطها.
بينما دول أوروبا، وما تبعها من مستعمرات في أمريكا الشمالية واستراليا، تسابقت في طلب العلوم ونشرها، وبنت على الحضارات السابقة وعلى رأسها الحضارة الإسلامية فلم يكن هناك مانع لأخذ ما لدى الغير مادام فيه فائدة وهكذا تراكمت القوى لدى هذه الدول، سواء كانت قوى اقتصادية أو عسكرية أو سياسية، فجميعها مرتبط، وهكذا نهضت دول أوروبا من عصور الظلام ومن وباء الطاعون الذي تقريبا قتل نصف سكانها في القرن الرابع عشر إلى قوة مكنتها من غزو تقريبا كل بقعة من بقاع المعمورة، ومنها الإمبراطورية العثمانية والصينية والهندية وكل مماليك أفريقيا وأمريكا الجنوبية..
الأخذ بالأسباب هو أساس النجاح بإذن الله، وعدم الأخذ بها هو طريق الفشل، سواء كان ذلك لإمبراطورية عظيمة شاسعة لديها مئة مليون نسمة أو لفرد واحد .. وربما كانت إحدى فوائد سورة مريم عليها السلام أن الثمار لن تسقط من السماء حتى وإن كنا أفضل البشر، الثمار لن تأتي إلا بالعمل وبالجهد بعد إذن الله، وبالتالي لن يغير شيء إن كنا مهبط الوحي وأرض المقدسات، ولن يغير شيء إن كان لدينا أكبر مخزون نفطي في العالم، فإن لم يتم استخدام ما لدينا للأخذ بأسباب النجاح والاستثمار في ما هو مفيد والابتعاد عن ما هو عقيم ولا يقره منطق أو دين، فإن للأسف ثروتنا ستأتي وتذهب دون أثر يذكر.. والله أعلم.
wahnm@hotmail.com
أما أن تقوم امرأة حامل، وفي المخاض، وهي مهمومة حزينة، أن تقوم بهز جذع النخلة لتساقط عليها رطبا جنيا فهذا يصعب تخيله بمقاييس البشر، ولكن لا شيء يصعب أمام قدرة الخالق. وبالتالي تساقط هذا الرطب على سيدتنا مريم عليها السلام. ولكننا قد نتساءل عن أمر الله سبحانه وتعالى لهذه السيدة الفاضلة وهي سيدة نساء الجنة، فلماذا تؤمر في وضعها هذا بهز جذع النخلة والذي لا نتصور أن يأتي بأي نتيجة لولا تدخل القدرة الإلهية، ومادام الموضوع يتطلب هذا التدخل الإلهي ولن تسقط ثمار النخلة إلا بأمره سبحانه، فلماذا إذن لا تنزل الملائكة ومعها صحون الثمار أو على الأقل تهز هي هذه النخلة. ما الحكمة من أمر سيدتنا مريم بهذا العمل؟..
رحم الله السلطان يزيد الثاني الذي حرم دخول المطابع للإمبراطورية العثمانية، وأكد على ذلك السلطان سليم ليستمر هذا المنع لحوالى مئة وخمسين عاما إلى أن سمح السلطان أحمد الثالث بتأسيس أول مطبعة في اسطنبول في عام 1727 ميلادي ولكن لأن هذا الإذن مشروط بأن تقوم لجنة مكونة من ثلاثة قضاة بإجازة كل كتاب يتم طباعته وبعدها يقوم قاضٍ رابع بمراجعته، ولذلك لم يصدر من هذه المطبعة سوى أربعة عشر كتابا قبل أن تتوقف عن العمل في عام 1797، وهذا يعني أنه منذ اختراع آلة الطباعة في ألمانيا في عام 1445 وإلى مرور ثلاثمائة وخمسين سنة لم يتم طباعة سوى أربعة عشر كتابا في الإمبراطورية العثمانية، بينما في أوروبا، وبالذات أوروبا الغربية، ومن بعدها أمريكا الشمالية. انتشرت المطابع في كل مدينة، ومعها انتشر الكتاب والقراءة والعلم، وهكذا دخلت أوروبا إلى ما يسمى بعصر التنوير ومن بعده إلى الثورة الصناعية، بينما ظل العالم الإسلامي في سباته.
ولم يكن العالم الإسلامي وحيدا في اتخاذ قرار الانغلاق وعدم الأخذ بالأسباب، فقبل هذه الفترة بقليل اتخذت إمبراطورات الصين قرارات شبيهة وأغلقوا أبواب مملكتهم الشاسعة لكل ما هو أجنبي، بل وأحرقوا سفن أسطولهم لكي لا تكون هناك تجارة أو اتصال بالعالم الخارجي، وبالتالي بعدما كانت إمبراطورية الصين رائدة في الاختراعات والابتكارات (الورق والنقود الورقية، البارود، والساعات ذات الحركة الآلية. البوصلة .. إلخ)، وبعدما كان أسطولها البحري من أكبر وأقوى الأساطيل إن لم يكن أكبرها، تقهقرت وتخلفت إلى أن غزتها الدول الأوروبية وفرضت عليها شروطها.
بينما دول أوروبا، وما تبعها من مستعمرات في أمريكا الشمالية واستراليا، تسابقت في طلب العلوم ونشرها، وبنت على الحضارات السابقة وعلى رأسها الحضارة الإسلامية فلم يكن هناك مانع لأخذ ما لدى الغير مادام فيه فائدة وهكذا تراكمت القوى لدى هذه الدول، سواء كانت قوى اقتصادية أو عسكرية أو سياسية، فجميعها مرتبط، وهكذا نهضت دول أوروبا من عصور الظلام ومن وباء الطاعون الذي تقريبا قتل نصف سكانها في القرن الرابع عشر إلى قوة مكنتها من غزو تقريبا كل بقعة من بقاع المعمورة، ومنها الإمبراطورية العثمانية والصينية والهندية وكل مماليك أفريقيا وأمريكا الجنوبية..
الأخذ بالأسباب هو أساس النجاح بإذن الله، وعدم الأخذ بها هو طريق الفشل، سواء كان ذلك لإمبراطورية عظيمة شاسعة لديها مئة مليون نسمة أو لفرد واحد .. وربما كانت إحدى فوائد سورة مريم عليها السلام أن الثمار لن تسقط من السماء حتى وإن كنا أفضل البشر، الثمار لن تأتي إلا بالعمل وبالجهد بعد إذن الله، وبالتالي لن يغير شيء إن كنا مهبط الوحي وأرض المقدسات، ولن يغير شيء إن كان لدينا أكبر مخزون نفطي في العالم، فإن لم يتم استخدام ما لدينا للأخذ بأسباب النجاح والاستثمار في ما هو مفيد والابتعاد عن ما هو عقيم ولا يقره منطق أو دين، فإن للأسف ثروتنا ستأتي وتذهب دون أثر يذكر.. والله أعلم.
wahnm@hotmail.com