-A +A
شتيوي الغيثي
هل يمكن أن تقود الكتابة للتغير؟ سؤال دائما ما يطرح كنوع من نقد الكتابة ذاتها بوصفها أداة تعبيرية لا أكثر. هناك من ينتقد الكثير من الكتاب بوصفهم «كتبة» فقط أو «بياعي كلام» بالتوصيف العامي للكاتب. والحق أن الكتابة لا تخلو أحيانا من هذا البيع إذا ما فهمناه في سياق نقد الكتابة المأجورة بمعنى تلك التي تأتي وفق ما تريده جهة ما أو تيار أو حزب.. أو غيره، بحيث تشوه الحقائق بأجر مسبق يقبض ثمنه، بحيث يمارس الكاتب بعدها شيئا من التزييف أو التلميع أو الخداع. لكن هذا الكلام لا ينطبق على مجمل الكتاب، فليس معنى أن تكتب في صحيفة ما وتأخذ مكافأة على كتابتك أن تكون متبنيا وجهة الصحيفة أو رئاسة تحريرها، ولو كان الحال كذلك فما معنى أن يمنع كاتب أو يوقف أحدهم عن الكتابة؟، لكن التهمة تصل لكل كتاب الصحف بلا استثناء من غير تفريق بين كاتب وكاتب.
للكتابة سبل وطرق متعرجة قد تصب أحيانا في صالح الرأي تخدم هدف تحقيق مصالح المواطنين، وهو ــ بلا شك ــ هدف نبيل، وهناك كتابة تبجيلية تهدف إلى تلميع المسؤولين، لكن هناك كتابة قد تخالف هذين الرأيين. كتابة تبحث في الرؤية النقدية لا تصب إلا في صالح الرأي العام، حتى وإن خالفت رغبات المواطنين. هي كتابة تأخذ منحى مخالفا في كثير من الأحيان لا تميل لطرف على حساب طرف وهدفها تغيير الواقع للأفضل. يأتي الاختلاف مع (ما بعد الهدف)، فليس معنى أن تهدف إلى التغيير نحو الأفضل أنك قادر على التغيير من خلال الكتابة، أو حتى أنك في الطريق الصحيح. القضايا نسبية والحقيقة متعددة، لذلك ليس من السهولة أن يكون التغيير حاضرا لمجرد الكتابة. على الكاتب أن يقول رأيه بما تمنحه شجاعته من القول (ليس من الشرط أن يكون ضحية رأي)، فكونك كاتبا يعني أن يكون لك رأيك في قضية ما حتى ولو أغضب البعض.

الكتابة النقدية مشي بين الألغام الفكرية، والذكي من يتعامل معها بهذه الرؤية، كما لا يطمح الكثير من الكتاب بأن للكلمة قدرة على التغيير المباشر (لاحظ أنني كتبت هنا التغيير المباشر)، بل تغييرها ينتج من خلال عقود طويلة من المسالك الفكرية والتحمل والصبر والهدوء. سنة أو سنتان أو ثلاث لا تقود للتغير. تغيرت أجيال ولم يحصل تغيير في بعض الأقطار، لكن بالتأكيد أن الكلمة والكتابة مؤثرتان وتهزان قناعات الكثيرين، والزمن كفيل بفحص الأفكار ومدى تأثيرها في الناس.