-A +A
اعتدال عطيوي
جلبة وقرقعة وفوضى كلامية تجانب الواقع كثيرا ويبلغ بها الشطط أحيانا للخروج عن المنطق والوعي المقبول.
وتيرة متوازية أوجدت نفسها مؤخرا في المجتمع مع كل حدث ثقافي أو تغير اجتماعي أو قوانين جديدة.

أصبح كل حدث ثقافي عند البعض هو مشروع إشاعة للمنكر يتم ترصده استباقيا قبل حدوثه بالصيغ والآلية والأفكار ذاتها ومراجعة المواقع والتواريخ تؤكد ذلك.
وكان هناك استعداد مسبق ومنهج محدد للتعامل مع الأحداث الثقافية والاجتماعية يتبناه البعض وينفذه المريدون من كل الأطياف.
يسعى البعض إلى تهويل الأحداث العارضة وإخراجها من سياقها الفعلي إلى مواقف وأبعاد مختلفة تماما.
وهي لا تتجاوز في الغالب الخلاف المتحول إلى ملاسنات أو مصادمات بين أفراد المجتمع من جمهور وهيئة ومحتسبين بسبب الشحن المسبق وتصوير الأمر وكأنه فتوحات قد منعت ومنكرات قد كرست.
وإلا ما هو تفسير حدث الجنادرية حين تحول سلوك فردي إلى حجة لإغراق المجتمع في موجة تنديد عارمة خلطت كل الأوراق.
إن مشاهدة المقطع الذي انتشر كالنار في الهشيم في كل مواقع التواصل الاجتماعي ملحوقا بعشرات المقالات والتحذيرات والتهديدات بالويل والثبور وعظائم الأمور لن يجده في النهاية رجل تجاوز مهمته الإدارية وتجاهل وجود مرؤوسيه وتوجه محتجا إلى جناح دولة مستضافة فاحتدم مع الجمهور فالطبيعي أن يخرجه أفراد الحرس في ثوان بدون اعتداء على شخصه أو كرامته كما أورد هو بلسانه.
يتحدثون كثيرا عن المنكرات ولا أعرف أين هي وفيم تتمثل.. هل هي في من يشتري كتابا أو يحوك سعفا أو يؤدي لونا موروثا منذ مئات السنين يلتقي الناس ويختلطون كدأبهم منذ آلاف السنين يبيعون ويشترون ويعرضون ويذهب كل في حال سبيله بدون تعدٍ على الثوابت أو خرق ملحوظ للقيم، لأن من يريد فعل ذلك لا يحتاج مناسبات جماعية لفعله.
إن التعامل مع الأحداث الثقافية والاجتماعية قد أصبح خاضعا لآليات معينة يتسيدها مبدأ التربص والمتابعة والتقاط الأحداث من هنا وهناك والتكريس المسبق للمدافعين عن الحمى بكل الوسائل من اليد إلى النت.
فيخرجون المناسبات دائما من هدفها الحقيقي المتمثل في الإثراء الثقافي والمعرفي إلى أهداف أخرى وذلك حين يصفونها مسرحا لإشاعة المنكر ومحاصرة المعروف كما ورد في خطبة أحدهم تعليقا على الجنادرية مؤخرا ولا يخرج معظم ما ينشر عن هذا السياق إلا في رصف الكلمات ومرادفاتها فكل حدث رذيلة مقبلة وفضيلة مؤجلة.
لابد للمتربصين من إثارة المحاور ذاتها في كل حدث تبدأ بالتشويه ثم التحجيم إلى الخصوصية
ــ الاختلاط ــ التغريب ــ الضيوف واتجاهاتهم الفكرية الخبيثة (ليبراليون ــ تغريبيون شيوعيون).
التأكيد على تدرج المنكرات التي تتعاظم في كل مرة ومع كل حدث كأسلوب تفكيكي ممنهج للفضيلة، وكان من الأجدى أن يوضحوا لنا صور هذا التدرج المزعوم أين وكيف ومتى ولماذا لم يشعر به ويرصده إلا المتربـصون..
تحويل كل حدث مهما صغر إلى مؤشر لظواهر خطيرة مؤثرة على القيم مما يحتم الثقل النفسي والاعتباري لطروحاتهم وادعاءاتهم فالأولوية للقيم عند المجتمعات قبل أي شيء ، ورغم ذلك فإنه
لا يمكن المراهنة على سذاجة الجماهير طويلا لأنها تمل وتدرك حجم الحقيقة.
إن المنهجة التربصية التي يطرحها هؤلاء وأساليبهم في إشاعتها مؤشر خطير لابد من إعادة قراءته مراتٍ ومراتٍ ومرات.