لم يعرفوا غير هذه البلاد، ولم يترعرعوا على أرض غير هذه الأرض، وليس لهم رابط في تراب غير هذا التراب. نبتوا كنخلات فوق رمله، وسقوا جذوع طفولتهم، وأوراق شبابهم من مياه الوديان التي عرفناها، وسقينا نخيل شبابنا منها. لم يستحموا بمطر غيمات غير الغيمات التي سقتنا بغيثها. ولم يستظلوا تحت أشجار لا تنتمي إلى أشجارنا التي استظللنا بها. صلوا في مساجدنا، وزارونا في بيوتنا. لهجوا لهجتنا، وعرفوا تاريخنا كما عرفناه، وتعودوا بعاداتنا كما تعودناها.
هم لا يختلفون عنا في أشكالهم ولهجتهم وفي الكثير من عاداتهم، إلا أن الأصول تعود بهم إلا ديار غير هذه الديار لكنهم رضوا بأن تكون هذه الأرض أرضا لهم، وأكثرهم جاور الحرمين الشريفين. بعضهم استطاع أن يأخذ الهوية (الجنسية) والبعض الآخر مازال على جنسيته السابقة رغم أنه ولد هنا منذ أكثر من ثلاثين أو أربعين أو خمسين عاما حينما ارتحل أبواه إلى السعودية وفضلوا السكنى في هذه البلاد التي رأوا أنها مباركة وسمعوا عنها الكثير منذ أن وعى أجدادهم هويتهم الإسلامية، وغالبا ما ترى الولد وابن عمه يتجاوران وسبق أن لعبا في الطفولة معا، وقد يزوج أحدهما أخته أو بنته للآخر، إلا أن الأول أخذ الجنسية، والثاني لم يأخذها بسبب غفلة من أحد الأبوين حينما كانت الأمور أكثر بساطة قبل خمسين عاما من هذه السنوات القليلة الأخيرة.
إن الفرد من هذه الفئة يعيش حالة غربة رغم أن هويته الفكرية والذاتية تنتمي إلى هذه البلاد.
صحيح أن له هوية مركبة ومتعددة وثنائية أحيانا بين بلد عاشه يمثل الحقيقة الواقعية أمام ناظريه لكنه لا يحمل هويته، وبلد سمع عنه وتخيله لكنه يحمل ورقة تقول بأنها تعيده إلى تلك البلاد التي لا يعرف عنها شيئا.. أقول: صحيح إنه يحمل هذه الهوية المزدوجة التي أجبرته قوانين البلاد في أن يكون كذلك إلا أننا لو دققنا النظر إلى هوياتنا الحقيقية فإننا سنجد أن لنا هويات متعددة ومركبة في كل شخص منا بحيث أن كلا منا يحمل في داخله أكثر من صفة تمثل هوية من الهويات المتعددة. من منا لا يعرف أن له بعض الأقارب الذين هم من زوجات غير سعوديات؟، ومن منا لا يعرف أن له قريبا خارج هذه البلاد وجاء قبل سنوات فقط لكنه يحمل هوية بلاد أخرى غير هذه البلاد رغم أن جذوره تعود إلى هنا؟، ومن منا لم يعرف أبناء عمومة مازالوا يعيشون في غير هذه البلاد خاصة في تلك المناطق الحدودية التي يكثر بها مثل هذه الظاهرة التي تعتبر ظاهرة طبيعية إذا ما قرأناها في سياقها الاجتماعي الطبيعي، والعرب منذ القدم هم أصحاب هويات متنقلة، وقليل جدا من يستطيع إثبات نسبه بالدقة التي يتوقعها حتى عند أكثر القبائل العربية حفاظا على صفاء النسب.
إن المظاهر السلبية التي يجدون مرارتها تجاههم في كل مكان تشي بقلق دائم من إشكالية الرفض. الرفض الذي يمكن أن يحصل في أي لحظة. رفض الطفل في المدرسة. الرفض الوظيفي. الرفض التجاري. رفض الارتباط الزوجي من قبل ابنة العم السعودية. رفض التملك السكني. رفض المداولات المادية المستقلة عن كفيل ليس له الحق في هذه الكفالة غير تلك البطاقة التي حملها في يوم من الأيام. ومع الهجمة الشرسة التي يرونها تجاه العمالة الوافدة يزداد قلق المصير لديهم كونه على نظام الكفالة الذي يساويهم بهذا العامل الوافد رغم أن الوضع مختلف تماما كل الاختلاف.
إن أول حل يمكن أن يحل وضع هؤلاء المواطنين الـ «بلاهوية» هو إخراجهم من إطار أنظمة الكفالة بحيث يتحولون إلى مقيمين إن صعب النظر في تجنيسهم. فنظام الكفالة نظام عفا عليه الزمن للعمالة الوافدة فضلا عن من كانت إقامتهم دائمة في هذه البلاد، والأنظمة جاءت لتنظم حياة الناس، فهي من الإنسان وإلى الإنسان، ولم تأتِ لتعيق حياة البشر وتضع مصائرهم على كف عفريت كما يقال، فالمواطنة تشريف وتكليف ولم يأخذ هؤلاء الإخوة من الأنظمة الحالية إلا المزيد من التكليف المجحف في حقهم رغم عطائهم اليومي لهذه البلاد.
shtiwi7@hotmail.com
هم لا يختلفون عنا في أشكالهم ولهجتهم وفي الكثير من عاداتهم، إلا أن الأصول تعود بهم إلا ديار غير هذه الديار لكنهم رضوا بأن تكون هذه الأرض أرضا لهم، وأكثرهم جاور الحرمين الشريفين. بعضهم استطاع أن يأخذ الهوية (الجنسية) والبعض الآخر مازال على جنسيته السابقة رغم أنه ولد هنا منذ أكثر من ثلاثين أو أربعين أو خمسين عاما حينما ارتحل أبواه إلى السعودية وفضلوا السكنى في هذه البلاد التي رأوا أنها مباركة وسمعوا عنها الكثير منذ أن وعى أجدادهم هويتهم الإسلامية، وغالبا ما ترى الولد وابن عمه يتجاوران وسبق أن لعبا في الطفولة معا، وقد يزوج أحدهما أخته أو بنته للآخر، إلا أن الأول أخذ الجنسية، والثاني لم يأخذها بسبب غفلة من أحد الأبوين حينما كانت الأمور أكثر بساطة قبل خمسين عاما من هذه السنوات القليلة الأخيرة.
إن الفرد من هذه الفئة يعيش حالة غربة رغم أن هويته الفكرية والذاتية تنتمي إلى هذه البلاد.
صحيح أن له هوية مركبة ومتعددة وثنائية أحيانا بين بلد عاشه يمثل الحقيقة الواقعية أمام ناظريه لكنه لا يحمل هويته، وبلد سمع عنه وتخيله لكنه يحمل ورقة تقول بأنها تعيده إلى تلك البلاد التي لا يعرف عنها شيئا.. أقول: صحيح إنه يحمل هذه الهوية المزدوجة التي أجبرته قوانين البلاد في أن يكون كذلك إلا أننا لو دققنا النظر إلى هوياتنا الحقيقية فإننا سنجد أن لنا هويات متعددة ومركبة في كل شخص منا بحيث أن كلا منا يحمل في داخله أكثر من صفة تمثل هوية من الهويات المتعددة. من منا لا يعرف أن له بعض الأقارب الذين هم من زوجات غير سعوديات؟، ومن منا لا يعرف أن له قريبا خارج هذه البلاد وجاء قبل سنوات فقط لكنه يحمل هوية بلاد أخرى غير هذه البلاد رغم أن جذوره تعود إلى هنا؟، ومن منا لم يعرف أبناء عمومة مازالوا يعيشون في غير هذه البلاد خاصة في تلك المناطق الحدودية التي يكثر بها مثل هذه الظاهرة التي تعتبر ظاهرة طبيعية إذا ما قرأناها في سياقها الاجتماعي الطبيعي، والعرب منذ القدم هم أصحاب هويات متنقلة، وقليل جدا من يستطيع إثبات نسبه بالدقة التي يتوقعها حتى عند أكثر القبائل العربية حفاظا على صفاء النسب.
إن المظاهر السلبية التي يجدون مرارتها تجاههم في كل مكان تشي بقلق دائم من إشكالية الرفض. الرفض الذي يمكن أن يحصل في أي لحظة. رفض الطفل في المدرسة. الرفض الوظيفي. الرفض التجاري. رفض الارتباط الزوجي من قبل ابنة العم السعودية. رفض التملك السكني. رفض المداولات المادية المستقلة عن كفيل ليس له الحق في هذه الكفالة غير تلك البطاقة التي حملها في يوم من الأيام. ومع الهجمة الشرسة التي يرونها تجاه العمالة الوافدة يزداد قلق المصير لديهم كونه على نظام الكفالة الذي يساويهم بهذا العامل الوافد رغم أن الوضع مختلف تماما كل الاختلاف.
إن أول حل يمكن أن يحل وضع هؤلاء المواطنين الـ «بلاهوية» هو إخراجهم من إطار أنظمة الكفالة بحيث يتحولون إلى مقيمين إن صعب النظر في تجنيسهم. فنظام الكفالة نظام عفا عليه الزمن للعمالة الوافدة فضلا عن من كانت إقامتهم دائمة في هذه البلاد، والأنظمة جاءت لتنظم حياة الناس، فهي من الإنسان وإلى الإنسان، ولم تأتِ لتعيق حياة البشر وتضع مصائرهم على كف عفريت كما يقال، فالمواطنة تشريف وتكليف ولم يأخذ هؤلاء الإخوة من الأنظمة الحالية إلا المزيد من التكليف المجحف في حقهم رغم عطائهم اليومي لهذه البلاد.
shtiwi7@hotmail.com