-A +A
رؤى صبري
كثيرا ما نجد أنفسنا في المجالس ننتمي إلى شرائح اجتماعية وثقافية متعددة، لكل شخص خلفيته التي تنبعث منها معتقداته وأفكاره، والطريقة التي تسيطر على أسلوب حديثه وطرحه للقضايا محل النقاش، ولعل أكثر ما يلفت نظري هم الناس الذين يعيشون بندبات تملأ نفوسهم، خصوصا عندما تكتشف أنها نابعة من جروح لم تلتئم ولن تلتئم إلا إذا وجدت إعادة تأهيل ثلاثية الأبعاد تشمل الجسد والفكر والروح.
وللأسف كثيرا ما يخطئ الناس في فهم هذا المصطلح، حيث يظنون أنه يخص المرضى النفسيين أو متعاطيي المخدرات فقط، غير مدركين أن الحياة تحمل لنا كثيرا من المشكلات والمواقف السيئة والصدمات التي تجعلنا بحاجة إلى وقفة تعيدنا إلى أناس مؤهلين نفسيا وروحيا وفكريا، وتضع أقدامنا على بوابة الحياة من جديد.

والحقيقة أن المشكلة تكمن في أننا نجهل متى نحتاج للمساعدة، ولو أخذنا على سبيل المثال حالات الطلاق (خصوصا أنها في عدد متزايد) نجد أن هناك كثيرات من المطلقات لم يحصلن على المساعدة اللازمة لهن ليتجاوزن مرحلة ما بعد الطلاق، كما يجهلن كيف يتعايشن مع المجتمع حيث نجد منهن «المتنمرة» إن صح التعبير، أو الأخرى المنعزلة، وتلك التي تشعر بأنها متهمة طيلة الوقت وتجدها تطلق المبررات دون أن تسأل.
وحينما نبحث هذا الأمر على مستوى شريحة مجتمعية أخرى وهي الأطفال، نجد أن الأمر لا يختلف كثيرا، فعلى سبيل المثال هناك الكثير منهم مصابون بالسكري، إلا أنهم يغرقون في كم هائل من التعليمات، في الوقت الذي يكونون فيه بحاجة ماسة إلى التأهيل ليس إلا، وذلك عن الحمية الواجب عليهم اتباعها وطريقة التعامل مع المرض وتناول الأدوية والتغذية العلاجية، بطريقة محببة إلى نفوسهم وسنهم، وفيها مراعاة لحالتهم النفسية أيضا، لكن المصيبة أنه يطلب من الطفل الالتزام بالتعليمات دون أن يعطى أي تبرير أو شرح عن ما يحدث، أو لماذا يحدث له هذا دون غيره ومرة أخرى، كثيرون يفترضون أن الأطفال أصغر من أن يتساءلوا، وبذلك يكون الطفل قد تعايش مع مرض لم يفهمه أبدا.
ولا يقف التأهيل النفسي عند حد المرض أو الأزمات الاجتماعية، بل يزداد عدد من يحتاجونه بشدة عند حدوث حالات وفاة لقريب أو عزيز لديهم حيث يظل المرء هنا يعيش في حالة ألم ومرارة محصور بين حزمة من التساؤلات التي لا جواب لها.
ولعل من أحد الأسباب التي تجعلنا نخشى التأهيل النفسي هو مخافة أن يظن الآخرون فينا سوءا، كون الاعتقاد السائد والخاطئ بالمناسبة، أن الأشخاص الذين يخضعون للاستشارات النفسية يعانون من قلة الدين أو البعد عن الله، وهذا ما يجعل معظم الناس يكبتون آلامهم النفسية والروحية داخل صدورهم دون أن يبحثوا عن المساعدة اللازمة. لكن يبقى السؤال الأهم الذي يطرح نفسه ومن باب الشيء بالشيء يذكر، هل نملك الكوادر المؤهلة لتقديم المساعدة للآخرين؟ في مثل تلك الحالات، وهل يوجد في جامعاتنا أقسام متخصصة تعد الطلاب والطالبات لتقديم استشارات كتلك؟ والأهم في ذلك كله هل نملك مراكز متخصصة يقصدها الراغبون في الحصول على مساعدة ؟ وحتى على مستوى البحث العلمي والدراسات كم دراسة بحثت مواضيع كهذه على مستوى المملكة؟.
بالنسبة لي كلها أسئلة لا أجد لها جوابا، وسواء آمنت الناس بإعادة التأهيل النفسي أو لم تؤمن تظل قناعتي تخبرني بأنه ليس من المفترض أن نعيش الأمس بينما ينتظرنا المستقبل لنعيش في أحضانه.