تفاوتت الأسباب الحقيقية خلف انتشار الظاهرة، فما بين تزايد نسبة الأخطاء الطبية وارتفاع أسعار الأدوية بحث الناس عن الحلول الوسط فلجأوا إلى التداوي بالأعشاب أو ما يسميه البعض الطب البديل موعزين الأسباب إلى زهد الثمن وقلة الضرر صحيا.
البداية من حائل حيث برر البعض بحثهم عن العطارين إلى أن الرعاية الصحية في المنطقة توصف بأنها محدودة، فيما وصف البعض قلة الوعي وانعدام الثقة والرقابة بأنها هي التي تسير الأمور ، إذ يرى فايز المسلم أن مشكلة الرقابة مستعصية منذ زمن طويل مبينا أن الأسواق تشهد حالة من الانفلات في الرقابة على مثل هذه الأدوية الشعبية بعد أن ضاعت الرقابة على الأدوية بين البلديات ووزارة الصحة.
في البداية، اشار الدكتور عارف الشواطي المحاضر بجامعة الملك خالد للطب العام ان هناك اضرارا كبيرة بصحة المواطن من تبعيات السعي وراء التداوي بالأعشاب والتي تعد من الادوية غير الصالحة للعلاج، ولو كانت مفيدة لان أثارها قوية وتسبب أحيانا للوفاة، وشدد إلى احتمال حدوث مضاعفات قوية خلال 15 يوم من التداوي من تلك الاعشاب .
ونصح دكتور العقاقير سالم عوض القحطاني أن التوجه للمعالجين بالأعشاب سيكون له اثار طويلة المدى وهناك 200 الف نوع من العقاقير والتي تستخدم حاليا ليست صالحة لتداوي وانتشارها بين المواطنين، متخوفا من انتشار أمراض البنكرياس وسرطان القولون والجهاز التناسلي لجنسين.
وقال القحطاني أن عيادات المعالجين بأعشاب لا تخضعون لتفتيش الدوري من قبل وزارة الصحة ووزارة التجارة لخطر تلك الأدوية.
تمكن المعالج الشعبي في محافظة أحد رفيدة مشبب سعيد آل حماد وخلال 33 عاما من علاج أكثر من 2500 حالة كانت تعاني من مرض اللشمانيا - الآكلة - والتي تصيب الشخص عن طريق حشرة الرمل التي تكثر بشكل كبير جدا في المستنقعات ومجاري الأودية، وتعتبر الإصابة في أطراف الجسم هي النسبة الأكبر مكانا، حيث تتآكل المنطقة المصابة حتى يكبر حجمها وتتشوه وبالتالي تؤثر جسديا ونفسيا على الشخص المصاب.
يقول: أستقبل الأشخاص المصابين من مختلف الأعمار من الجنسين من داخل وخارج منطقة عسير منذ أكثر من 33 عاما وهذه المهنة الطبية الشعبية التي ورثتها من أبي - رحمه الله - بعد أن تقاعدت من المجال العسكري الذي كنت أعمل فيه. وأضاف، جالست والدي لأكثر من 25 عاما واستطعت خلالها أن أتقن العلاج، مبينا أنه تمكن من علاج أكثر من 2500 حالة.
وأوضح آل حماد أن الشخص المصاب سيخضع للعلاج بواسطة نبتة الضرسة ثم يعطي مجموعة من الأعشاب تسمى الذرور وهي تحتوي على بعض المواد من العطار، وخلال ثلاثة أسابيع تقريبا من الجلسات المتكررة يتشافى المصاب بإذن الله.
فيما ذكر منصور الشمري أن خطر هؤلاء الباعة وتأثيرهم على المجتمع من خلال الدعايات الوهمية التي تطلق من أجل البحث عن الكسب المادي البحت وقال الشمري نجد مثل هذه الممارسات تلعب دورها السلبي في التأثير على عقول البعض بمختلف شرائحهم.
وألمحت عبير محمد إحدى المتسوقات في محل عطارة إلى أن أكثر الأدوية رواجا هي أدوية التخسيس وكانت المرأة هي ضحيتها الأولى من خلال المفاهيم المغلوطة في المجتمع خصوصاً أنهن يلجأن إلى طلب هذه الأدوية من أشخاص غير مختصين يستخدمون أساليب جذابة لتضليل النساء محذرة من خطر استخدام أدوية تخسيس دون إشراف طبي موضحا أن بعض هذه الأعشاب يؤدي إلى أمراض مزمنة حال تناولها عشوائياً من قبل أشخاص غير مختصين.
وفيما ذهب وليد التميمي إلى أن الأعشاب الطبية لها فاعلية في معالجة الكثير من الأمراض التي عجز عنها الطب مثل الصرع والغرغرينا وكثير من الأمراض.
وذكر عبدالمحسن الفهد اصبحت ظاهرة العلاج بالأعشاب على الارصفة من قبل النساء في البسطات العشوائية كما انتشرت إعلانات تلك المواد على صفحات الانترنت والمطويات والصفحات المجانية . وأضاف انه تم رصد عدد من البائعات المفترشات في الشوارع وبعض محال العطارة يبعن خلطات عشبية وكريمات تبييض مجهولة المصدر دون أي رقيب ولا حسيب .
وذكر البائع في محل العطارة تركي السلمان أن محال العطارة يعتبره الناس مستودع الطب والتداوي السريع وقد عرفت بأنها تقدم العلاج بالنباتات والأعشاب الطبية الطبيعية وان المرضى يبحثون عن الحل السريع للتداوي بالأعشاب وبعض الأحيان المريض او قريب المريض هو من يأتي بمقادير وأسماء الأعشاب من الشبكة العنكبوتية لأخذها من المحل.
وذكرت مهره .ح - سيدة تعالج بالأعشاب - لدي المقدرة على معالجة أمراض النساء والولادة وخصصت وصفاتها الطبية للعنصر النسائي فقط وذكرت إلى انها بائعة منذ 10 سنوات وتملك اعشابا مطحونة لمعالجة العقم ومساحيق لزيادة عدد الرموش وتقوية البصر للمحافظة على العين وخلطات خاصة بتسمين الأطفال والنساء تستخدم وفق جرعات مقننة حسب حالة المريضة بعد تشخيصه وأشارت إلى إنها اكتسبت هذه المهنة من تراث الأمهات اللاتي كن يصنعن الأدوية بأنفسهن.
العمة ام سعد الرويس معالجة بالطب الشعبي التي اتخذته من بيتها لتصنع علاج الغرغرينا لمعالجة الحالات المرضية التي استعصت على الطب الحديث والذي لا يعرف له في سنة الطب إلا البتر للجزء المصاب من الإنسان فقد اجتذب هذا العلاج المعالجين من خارج المنطقة حائل والخليج وفي ظل تقدم الطب و ازدهار المساحيق الطبية و عجزها عن تحويل خيار مصاب الغرغرينا بغير البتر وهو الخيار الوحيد عند أهل الطب الذي عجز عن التوصل للأدوية حيث تتوصل أم سعد الرويس إلى علاج الغرغرينا بالأعشاب والعسل على حد ذكرها.
من جهتها تتنقل أم صالح وهي ربة بيت شارفت على الثامنة والخمسين، بين محلات العطارين في أسواق القصيم تبحث عن عشبة خاصة بشد البطن بعد الولادة إذ تحرص على جلبها لابنتها حديثة الولادة فهي تؤمن بمفعول وعلاج الأعشاب خاصة أن أغلب الأدوية الكيميائية الحديثة هي في الأصل من الأعشاب.
و في جولة على محلات بيع الأعشاب والمعالجين وبحسب مرتادي المحال والباعة فإن الشكاوى في الآونة الأخيرة ارتفعت من تدني مستوى الخدمات الصحية واتجه الكثيرون إلى الأعشاب ذات الطبيعة العلاجية.
ولعل ما يلفت الانتباه أن أكثر الزبائن هم من السيدات كبيرات السن اللاتي يتمتعن بخبرة لا بأس بها في أسماء وأنواع وفوائد الأعشاب في السنوات الأخيرة زاد الأمر عن حده وأصبح الشباب والعجزة من كبار السن يبحثون عن الأعشاب.
ويذكر البائع أبو صالح أن الزبائن يأتون دائما لطلب العلاج السريع والفوري، وذلك لأنهم جربوا الأدوية العلاجية من خلال المستشفيات والعيادات التقليدية، وبعض الصيدليات ولكنهم لم يروا التغيير الذي يبحثون عنه، فالمستحضرات الدوائية كالمضادات الحيوية مثلا، تحتاج لأيام قد تصل لأسبوع لبدء مفعولها ، ولكن الناس تبحث عن العلاج الذي يأتي بنتيجته السريعة خلال سويعات، وهذا ما يجعلهم يشترون هذه الأعشاب التي أثبتت نتائج مرضية من قبل، وذلك من خلال تجاربهم الشخصية أو تجارب الأكبر منهم سنا، وليس هناك شخص لم يستخدم هذه الأعشاب في حياته أبدا، ومن أجل الكثير من الأمراض والعوارض الصحية التي يمر بها الشخص، وإن كان أكثر هؤلاء هم من النساء.
من جهتها تقول المعالجة (أم راشد) وهي تتمتع بخبرات وتجارب للوصف العلاجي الشعبي ، إن العلاج بالأعشاب موروث عن الأجداد والآباء، وتمت تجربته من قبل فأثبت فاعليته في علاج معظم الأعراض المرضية، ولكن المشكلة تكمن في عدم معرفة الجيل الحالي بأهميته، مشيرة إلى أن ابنتها تفضل الذهاب إلى المستشفيات على أن تعالج أطفالها بهذه الطريقة، وهذا نابع من محاربة شركات الأدوية هذا النوع من العلاج، حتى يمكنهم بيع الأدوية والمضادات الحيوية وكسب الأموال الطائلة دون أي اعتبار لمعاناة المرضى الذين يدمنون هذا النوع من العلاج، ويصبح من الصعب معالجتهم بأي نوع آخر.
وعندما سألناها عن تحذيرات وزارة الصحة قالت أم راشد أنها تعالج المترددين ببعض العلاجات الشعبية القديمة والبسيطة مثل (الصعوط) لأمراض الأطفال وتنصح المرأة التي أنجبت أن تتعامل مثلا بالحلب لتخفيف بعض الآلام بعد الولادة كما تشير أم راشد أن أهم الأعشاب التي يجب أن تكون في كل منزل تلك العلاجات التي لا خطورة منها وتذكر أم راشد أنها من السيدات أصحاب تجربة وخبرة تعاملن مع العلاجات الشعبية لأنهم كانوا يتعالجون بها قبل انتشار الطب الحديث ومن هنا اكتسبن الخبرة والتجربة وعرفت السيدات النافع منها وصارت مع التجربة توصي بتلك المعالجات.
في محافظة عنيزة يقول حمد العساف أنه ورث العمل بالعطارة بيع الأعشاب عن أبيه الذي ورثها عن جده وجده هو الأكثر خبرة وتجربة (70عاما يتوارثون بيع العلاجات الشعبية) وتعد تجربتهم الأكبر في هذا المجال. وأشار حمد العساف أن الناس تطلب عينات من المواد المستخدمة في العلاجات الشعبية والأعشاب وكثيرا من المترددين عليهم كانوا فقط من كبار السن لكن الأمر أتسع وصار المترددون عليهم حتى من الشباب بعد مراجعاتهم لبعض القراء والمعالجين بالأعشاب والطب الشعبي وأكثر المترددين عليهم ممن يشكون من القولون.
على الجانب الآخر انتقلت «عكاظ» لأحد المشايخ المعالجين بالأعشاب والطب الشعبي والقراءات حيث يقوم الشيخ حمزة عبدالله الدماسي (37) عام بعلاج المصابين بالعين أو السحر من خلال بعض العلاجات الشعبية منها الأعشاب والعسل والزيت.
يقول الشيخ حمزة كانت البداية أنني أقوم بالعلاج من العين والسحر وكنت أصرف للمصابين بالعين والسحر علاجا يشمل على عدة مكونات منها الأعشاب والزيت والعسل وبالصدفة كان أحد الأخوة المصابين بالعين وعندما أستخدم العلاج بقصد الشفاء من العين بإذن الله يلاحظ المصاب التحسن الواضح إن شاء الله. وأشار الشيخ حمزة إلى أن العلاج مجموعة من المكونات المتخذة من الطب النبوي ويشمل على عنصر أساسي لا يمكنني أن أذيع سره لأنني حريص على أن لا يسرقه أحد فيكون العلاج غير نافع لعدم التطبيق الجيد من الآخرين فتضيع مصداقية العمل وأصدقك القول أنني تلقيت اتصالات من أناس وشركات يريدون معرفة هذا العنصر بل إنهم عرضوا علي إغراءات مالية كبيرة لإذاعة سر العلاج فما قلت لأحد ولم أكشف لهم الأمر.
وفي أسواق شرق العاصمة الرياض يقول أحد الممارسين للعلاج بالأعشاب هناك بعض الذين يمارسون العلاج بالأعشاب يطلبون بعض الأعشاب مني، لعلاج آلام المعدة ، وتنعيم الشعر ، ويتردد علينا بعض الأطباء للحصول على بعض الأعشاب.
وذكرت اخصائية في التغذية العلاجية والرياضية الدكتورة ريما مصطفى سلمان بالنسبة للأعشاب الذي يجب اخذ الحذر منها وهي الكمية المتناولة لان زيادة هذا الجرعة المتناولة قد تؤدي إلى مشكلات صحية تضر في الكلى والكبد وعند زيادة تناول هذه الاعشاب المخلوطة غير المعلومة التركيبات والنسب المتواجدة فيها يمكن أن تسبب تسممات لأنها قد تكون مخلوطة ببعض المركبات مثل الزئبق والرصاص وبرادة الحديد التي قد تؤثر على الدماغ ومشاكل في الجهاز الهضمي وقد حذرت الدكتورة السلمان من عدم تناول أي خلطات عشبية مركبة دون العلم بنسب الأعشاب المركبة في تلك الخلاطات.
من جهتها أكدت هيئة الغذاء إلى أن التحليل أثبت أن بعض تلك التركيبات والخلطات العشبية تحتوي على بعض الأدوية أو المواد المحظورة والتي يؤدي استخدامها إلى نزيف بالمعدة أو الوفاة وتسبب أضرارًا للمستهلكين. وتشير إحدى الدراسات أن 92 % من المعالجين بأعشاب لا يوجد لهم تراخيص من قبل وزارة الصحة، وان الخلاطات مجهولة المكونات ولا تعتمد على ادوية معروفة ، فيما لم تغفل الدراسة ان هناك انتشارا كبيرا من قبل المعالجين بالأعشاب على مستوى المملكة ودول الخليج ليبقي الخوف وارد بشكل كبير بين المواطن والتداوي بالأعشاب .
وفي جولة عكاظ في منطقة عسير اتضح أن تحضير الوصفات العلاجية من الأعشاب يفتقد لمقومات الصحة والنظافة ، كما يسعي بعض العطارة لجمع المردود المادي دون النظر في ارواح المواطنين والمقيمين مستغلين ضعف الثقة بين الجهات الصحية العامة والمواطن .
ويقول المعالج عبدالرحمن العمري أن انتشار المعالجين زاد عن الوصف بإضافة ان هناك اكثر من 75 معالجا في جميع انحاء المملكة معروفين بعلاجهم والطلب المتزايد لتشافي بعلاجهم بعد قوة الله عز وجل، كما أن هناك أكثر من 5500 وصفة معروفة لكثير من الأمراض المستعصية والخفيفة والمتوسطة وأشار إلى أن هناك بعض المعالجين لا يعتمدون على الخلطات الطبيعية بل تكون هناك خلطات ليس لها اساس وهذا مخالف للأعراف بين المختصين في الأعشاب ، وزعم انه عاش بين الادوية والاعشاب منذ 23 عاما ، شفي على يده عدد كبير من المرضي، ونصح بعدم التوجه للعطارين الذين يروجون للخلطات التي قد تتسبب في الكثير من الأمراض.
فيما قال سعيد القحطاني عميد المعالجين في مدينة الدوادمي ان العلاج بالأعشاب يحتاج إلى خبرة وممارسة ، وقد اكتسبت ذلك من والده وجده إذ اعتمدا على الكثير من الاعشاب وخلطها بشكل معروف ومتقن. وأشار القحطاني ان عددا من الاطباء وتحديدا قبل 20 عاما حضروا من امريكا وأستراليا لدراسة العلاج بالأعشاب ومدى نجاحه خلال تلك الفترة ونجاح بعض الادوية في علاج بعض الامراض.
فيما يقول أخصائي الطب في جامعة الملك سعود الدكتور سعود القحطاني أن هناك اضرارا كبيرة لبعض الادوية والتي تختص بالأعشاب ، مؤكدا أن المعالجين لم يقتصر نشاطهم على بيع الادوية بل وصل بهم بخلط وتركيب بعض المستحضرات المعرضة للتسمم ولها أثر كبير لصحة الانسان سواء كانت أدوية او اعشابا.