-A +A
رؤى صبري
جميعنا يدرك الأزمة التي يعشيها القطاع الصحي اليوم في المملكة، خاصة أن الأمراض بكل مسمياتها لاتزال تجد لها حضورا بارزا في حياتنا، سواء تلك المزمنة منها كالضغط والسكري أو ذات الخطورة العالية مثل الأورام السرطانية، ومنطقيا في ظل زيادة انتشار الأمراض تزداد أعداد المرضى ومن هنا بدأت المشكلة.
فالوضع بشكل عام أضحى يعكس واقعا لا يسر في كل مفاصل هذا القطاع الحيوي الهام، وعلى سبيل المثال نجد أن السنوات الأخيرة شهدت الكثير من الأخطاء الطبية كتلك التي تؤدى إلى الوفاة أو تصيب الضحية بضرر مستديم (MORBITIDTY AND MORTALITY) ، والحقيقة أن واحدا من أسباب ارتفاع معدلاتها، هي زيادة أعداد المرضى مع نقص في الكوادر الطبية وضعف في مستوى الخدمات المقدمة، خاصة أن أغلبية المرضى يتلقون العلاج على حساب المستشفيات الحكومية، والتي ترزح تحت عدة ضغوطات، من أهمها أن الكثير من مستشفيات المناطق في المملكة غير مؤهلة لتقديم خدمات علاجية عالية الكفاءة مثل وحدات الحروق ومراكز رعاية القلب ومعالجة الأورام وبالتالي لا يجد المرضى غير الوعود بالعلاج ولكن من دون تحديد مواعيد لدخول المستشفيات، وبالطبع كما نعرف أن الوقت عامل مهم في علاج المريض فكلما تأخر الوقت تأخر شفاء الحالة.

وتتفاقم المشكلة داخل مستشفياتنا في أقسام الطوارئ أكثر من غيرها حيث تنتشر فيها حالات عدة من مختلف الشرائح والجنسيات فدائما هناك ضحايا الحوادث الذين لا تستطيع الطوارئ أن تلفظهم خارجا، ومنهم من ينتظر لتسوء حالته حتى يحصل على سرير وغرفة ويتلقى علاجا مجانيا والقصص هنا يطول سردها.
والمتأمل لكل ما سبق يدرك تماما أننا بحاجة ماسة إلى نظام صحي أكثر نجاعة مما هو موجود بين أيدينا اليوم، نظام يستلهم تجارب الدول المتقدمة في الأنظمة الصحية القائمة على التأمين الصحي الشامل، بحيث يراعي مختلف الدخول الاقتصادية للشرائح الاجتماعية كافة، فكل فرد سواء كان مواطنا أو مقيما يجب أن يحصل على تأمين، والأهم من ذلك يجب أن توضع ضوابط صارمة على هذا النظام، بحيث لا يسمح أن يستغل الناس بدفع أموال طائلة دون وجود علاج فعال، وكوارد مؤهلة لرعايته خلال تواجده في المستشفى، لأن الرعاية عامل مهم في الشفاء والعودة إلى البيت، خاصة أن الكثير من مستشفيات القطاع الخاص للأسف تستغل المرضى بصورة بشعة، من خلال إجراء تحاليل وفحوصات غير لازمة، فقط للحصول على أموال، بل والأسوأ من ذلك أنها قد لا ترعى المريض بالصورة الصحيحة طبيا، أو الأدهى والأمر من ذلك هو القيام بعمليات أو تنويم المريض بالعناية المركزة فقط لرفع التكلفة، ومن هنا نجد أن فكرة رعاية المريض تلاشت وتم استبدالها بفن صناعة المال (MAKING MONEY)..
وهذا ما كان ليحدث لولا أن نظام الصحة الحكومي لا ينظم أي برامج وقائية توعوية ضد الأمراض المزمنة بشكل عام أو إجراء فحوصات بشكل دوري لبعض الأمراض ذات النسب العالية كسرطان القولون أو سرطان الثدي ولذلك نجد الكثير من كبار السن لا يتلقون العلاجات الوقائية اللازمة التي تقيهم من الجلطات أو هشاشة العظام على سبيل المثال، وبالطبع نجد أن كل ما سبق يحدث بسب الضغط الهائل على النظام الصحي الذي لا يوفر برامج كتلك، خصوصا أن أغلب الناس لا يملكون تأمينا صحيا، أما بسبب ارتفاع تكاليفه، أو بسبب فقدان الثقة في القطاع الصحي الخاص، الذي تحولت خدماته إلى نظام فندقي أكثر مما هو نظام صحي خدمي.
وحقيقة أود أن أوجه رسالة لكل قارئ ليعرف من خلالها أن الصحة بحاجة إلى تأمين لأنها لا تدوم للأبد، وهي كالحديقة تحتاج إلى من يسقيها ماء عذبا وإلى من يشذب أشجارها وإلا فإنها سوف تتحول إلى حديقة مهجورة تسكنها الأشباح.