لن تجزم مهما كنت متفائلا بقدرة الإعلام الورقي على إقناع المبدع والكاتب بأنه مستوفٍ لطموحاته كلها، فإن تحقق له كل طموح من كونها وسيلة انتشار كبرى، ومن كونها ذات قيمة إعلامية رسمية، ومن كونها تمثل تقييما حقيقيا للمنشور من النتاجات، إلا أنها ــ مع ذلك كله ــ لا تلبي مطلبا مهما لديه، وهو مواكبة مزاجه، أو فلنقل توقيته وسرعة تنفيذ رغبات شهوته الكتابية، وكذلك حريته في الاستجابة لجميع ما يكتب، نعم انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة الصحافة الإلكترونية بما يميزها من صفات يبحث عنها الكثير من المبدعين والمثقفين، لكنها تمثل جسدا يعاني من نقص حاد في الفيتامينات التي تغذي شرايين الحيوية لديه من جهة، وتمنحه النضارة والوهج من جهة أخرى. وأن ما يميز الصحافة الورقية ــ وأقصد تحديدا الجانب الثقافي وما ينضوي تحته من معطيات أدبية ونصوص وفنون ومقالات ــ ذلك الرقيب الذي يمنح له الأمان ليس خوفا من الوقوع في المحظور، وإنما الشعور بأن ما تكتبه مستوفٍ لقيم الكتابة الناضجة، فالغالب أن ما ينشر ورقيا معتمد فنيا بأقل درجات الاعتماد الكتابي، ويرجع التميز بنشره وعدمه إلى تميز المحرر الثقافي من عدمه، ولذلك لدى كل مبدع رغبة في أن يقدم ما لديه، على أن لدى المحرر الثقافي بما يمتلك من قيم فنية وما يسير عليه من معايير عامة في كتاب الأدب الكبير ومعايير خاصة تتصل بميوله وتوجهه الفني رغبات ربما مضادة، من هنا يحدث ما يسمى بالفرز وأحقية الصحفي الثقافي بنشر ما يراه وإتاحة الفرص لكاتب أو سواه بعبور النفق الصعب، لكنه نفق يمثل محطة خطيرة في مسيرة الكاتب، إذ هي إعلان مبكر واعتراف أولي بقيمة ما لديه وبسلامة نتاجه من الأوضار والوعثاء والخلل والهنات والتهتكات والعقبات، وتبقى قضية الإقناع والتميز من سواهما ذات صلة بقدرة الكاتب والمنتج على إبراز ما لديه من قدرات كتابية تتناغم ونوع الكتابة، أعترف أن في الصحافة الثقافية الورقية خللا ما ربما يتصل بنزق المحرر أو المشرف من خلال انزياحه السلوكي، أو ميوله لجهة دون أخرى، أو لشخص دون آخر، أو لفن دون آخر، وربما الخلل في القدرات، حيث ينتظر من المشرف الثقافي أن يكون على مستوى عال من الرؤية والفن والمعرفة، وهذا التفاوت من مشرف في صحيفة إلى مشرف في أخرى.
الأقسام الثقافية داخل الصحيفة الإلكترونية تستضيف نماذج مختلفة من الكتابة، سقف الحرية فيها مرتفع نوعا ما، اختيار زمن النشر فيه مساحة أكبر، المزاجية والحرية والتنوع والاختيار في صف الكاتب، التواصل مع الآخر والمتلقي متاح بشكل أكبر وأسرع، لكن ما يعيبها أمران: أولاهما أن المرجعية في النشر والقبول والإتاحة قد تكون مرجعية هشة، وثانيهما أن ذلك النشر ليس مقنعا بقدر كافٍ للكاتب أنه كان مقنعا، ويبقى السؤال: هل يتحقق عبر الصحيفة الإلكترونية ما لم يتحقق عبر الورقية، بمعنى هل يمكن أن تنجح باستضافة المثقفين والمبدعين والكتاب من خلال تحقق كل صفات النشر الورقي لها؟.
الأقسام الثقافية داخل الصحيفة الإلكترونية تستضيف نماذج مختلفة من الكتابة، سقف الحرية فيها مرتفع نوعا ما، اختيار زمن النشر فيه مساحة أكبر، المزاجية والحرية والتنوع والاختيار في صف الكاتب، التواصل مع الآخر والمتلقي متاح بشكل أكبر وأسرع، لكن ما يعيبها أمران: أولاهما أن المرجعية في النشر والقبول والإتاحة قد تكون مرجعية هشة، وثانيهما أن ذلك النشر ليس مقنعا بقدر كافٍ للكاتب أنه كان مقنعا، ويبقى السؤال: هل يتحقق عبر الصحيفة الإلكترونية ما لم يتحقق عبر الورقية، بمعنى هل يمكن أن تنجح باستضافة المثقفين والمبدعين والكتاب من خلال تحقق كل صفات النشر الورقي لها؟.