لفتني في أحد الأيام موقف طريف بمطعم للوجبات السريعة. صديقان في مقتبل العمر يتدافعان بكرمهما على الطريقة السعودية ومن سيدفع حساب الآخر. لم يلفتني المشهد الروتيني بقدر ما لفتني تلفظ أحدهم على صديقه بأنه «مريض نفسيا» !، ما قاله مثير للدهشة وإن كان هذا القول سائدا وطبيعيا لدى الكثيرين. فالشاب لم يصفه بذلك الوصف لأنه «مريض نفسيا» فعليا بقدر ما أنه وصم (اختلافه معه) بالمرض وهنا تكمن المشكلة.
ولو عدنا لتعاريف المرض النفسي لدى الأطباء، سنرى أنها كثيرة ويصعب حصرها. ولعل التعريف الأقرب للموقف الذي تحدثت عنه هو أنه «انحراف عن نمط الشخصية التي يريدها المجتمع وعاداته مهما كانت سيئة». أي أن خروج الأفراد عن النمط الفكري الذي تسلكه مجتمعاتهم يعتبر بمثابة مرض نفسي. ويحتاج صاحبه إلى العلاج المكثف ليعود إلى صوابه!، ومن هنا أستنتج أنه ليس كل مرض نفسي هو (مرض) فعلا!، فالخروج عن المألوف والمعتاد يقابل عادة بالسخرية والشتم. يقول غاندي في مقولته الشهيرة : «في البداية يتجاهلونك.. ثم يستهزئون بك.. ثم يحاربونك.. ثم تنتصر» . المريض النفسي في وجهة نظر المجتمع سيتم تجاهله، ثم الاستهزاء به ووصفه (بالنفسية)، ثم محاربته بأنه صاحب فكر ضال تغريبي، وعادة ما ينتصر بفكرته التي لاقت رفضا قاطعا في بداية الأمر. ليس لأنها سيئة كما صور الناس ذلك؛ بل لأنها خالفت ما اعتادوا عليه وأصابتهم بالدهشة والريبة..
وفي هذا السياق أذكر قصة رواها لي جدي قبل سنوات، ومازال يضحك عليها كلما تذكرها وأعاد روايتها للغير. يقول إنه يتذكر الهلع الذي أصاب البشر حين ظهر جهاز «الراديو» . كانت الصدمة رهيبة كما يصف. الحديد ينطق، يوم القيامة على الأبواب، ستسقط السماء بأي لحظة. في تلك الأيام أغلقت كل (القهاوي والاستراحات)، وذهب الجميع للاعتكاف في المساجد.. لم يمر الكثير من الوقت حتى واكبوا التكنولوجيا وربما أصبحوا من الناطقين بتلك الأجهزة التي رفضوها رفضا قاطعا وحطموها على رؤوس ( المرضى النفسيين ) آنذاك!، لذلك لا تستعجب إن رأيت مرضى الأمس أصحاء اليوم.
Qalb-jo@hotmail.com
ولو عدنا لتعاريف المرض النفسي لدى الأطباء، سنرى أنها كثيرة ويصعب حصرها. ولعل التعريف الأقرب للموقف الذي تحدثت عنه هو أنه «انحراف عن نمط الشخصية التي يريدها المجتمع وعاداته مهما كانت سيئة». أي أن خروج الأفراد عن النمط الفكري الذي تسلكه مجتمعاتهم يعتبر بمثابة مرض نفسي. ويحتاج صاحبه إلى العلاج المكثف ليعود إلى صوابه!، ومن هنا أستنتج أنه ليس كل مرض نفسي هو (مرض) فعلا!، فالخروج عن المألوف والمعتاد يقابل عادة بالسخرية والشتم. يقول غاندي في مقولته الشهيرة : «في البداية يتجاهلونك.. ثم يستهزئون بك.. ثم يحاربونك.. ثم تنتصر» . المريض النفسي في وجهة نظر المجتمع سيتم تجاهله، ثم الاستهزاء به ووصفه (بالنفسية)، ثم محاربته بأنه صاحب فكر ضال تغريبي، وعادة ما ينتصر بفكرته التي لاقت رفضا قاطعا في بداية الأمر. ليس لأنها سيئة كما صور الناس ذلك؛ بل لأنها خالفت ما اعتادوا عليه وأصابتهم بالدهشة والريبة..
وفي هذا السياق أذكر قصة رواها لي جدي قبل سنوات، ومازال يضحك عليها كلما تذكرها وأعاد روايتها للغير. يقول إنه يتذكر الهلع الذي أصاب البشر حين ظهر جهاز «الراديو» . كانت الصدمة رهيبة كما يصف. الحديد ينطق، يوم القيامة على الأبواب، ستسقط السماء بأي لحظة. في تلك الأيام أغلقت كل (القهاوي والاستراحات)، وذهب الجميع للاعتكاف في المساجد.. لم يمر الكثير من الوقت حتى واكبوا التكنولوجيا وربما أصبحوا من الناطقين بتلك الأجهزة التي رفضوها رفضا قاطعا وحطموها على رؤوس ( المرضى النفسيين ) آنذاك!، لذلك لا تستعجب إن رأيت مرضى الأمس أصحاء اليوم.
Qalb-jo@hotmail.com