-A +A
هشام عليوان (بيروت)
زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الحالية لتركيا على رأس وفد سعودي رفيع المستوى تترافق مع حراك عربي إقليمي ودولي غير مسبوق في منطقة الشرق الأوسط بسبب ما أثارته الأزمة السورية من انقسامات وجرته من تعقيدات، وأوجدت المآسي والويلات للشعب السوري الذي يواجه آلة القتل الأسدية البغيضة، وأصبح المجتمع الدولي مؤيدا لرحيل النظام السوري وإنهاء الكابوس الجاثم على صدور السوريين الذين يعانون ويواجهون حملة إبادة وتطهير جماعي بكل الوسائل العسكرية المتاحة، والتي توفرها له روسيا الاتحادية وبتمويل من إيران وبتواجد ميداني من حزب الله. لقد كشفت الأزمة السورية عقم المعالجات الحالية لقضايا حساسة وحيوية مثل الملف النووي الإيراني والقضية الفلسطينية، بل أظهرت مدى العجز الدولي عن مقاربة الأزمات الإنسانية وفق المنظور التقليدي للأمم المتحدة والذي أورث حقوقا للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية ليسوا هم أهلا لها، إن كان هدف المؤسسة الدولية حفظ الأمن والسلام في العالم لا المحافظة على الأنظمة المستبدة مهما ارتكبت من جرائم في بلدانها. وتكمن أهمية التعاون الوثيق بين المملكة العربية السعودية وتركيا أنهما يمثلان ثقلا إسلاميا وإقليميا ودوليا لا يستهان به في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأكمله باعتبار أنهما دولتان محوريتان في العالم، وأن اجتماعهما على تحقيق المصالح المشتركة سد منيع أمام محاولات محور إقليمي ودولي داعم للنظام السوري لتغيير وجه المنطقة وفي غير مصلحة شعوب المنطقة التي انطلقت منذ أكثر من عامين تنشد الحرية وتتطلع إلى العدالة.
ولزيارة سمو الأمير سلمان لتركيا معناها ومدلولاتها الخاصة، إذ أن سمو ولي العهد يستكمل أبعاد الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين إلى تركيا وهي الأولى من نوعها ليتم وضع العلاقات المشتركة على أسس ثابتة من التعاون المثمر في مختلف المجالات لاسيما في المجالين السياسي والاقتصادي. فتركيا الراهنة مختلفة كثيرا عما كانت عليه قبل عقود، وهي بدأت عودتها إلى موقعها الطبيعي بين منظومة دول العالم الإسلامي، وتسترد شعورها بالهوية الإسلامية دون توتر أو تطرف، وتتعامل بطريقة مختلفة مع قضايا المنطقة لاسيما منها قضيتي فلسطين والثورة السورية، وأصحبت أقرب للعرب من دول أخرى، وهي إلى ذلك قوة اقتصادية واعدة بعدما نجحت حكومات العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان في تأسيس الانطلاقة المطلوبة لتكون تركيا إحدى القوى الإقليمية المتوازنة دون اللجوء إلى العسكرة المفرطة كما تفعل جارتها إيران، وهي قرأت جيدا تجارب التاريخ وتحاول تفكيك الأزمات المزمنة مع جيرانها وبين مكوناتها العرقية والمذهبية. لذلك، فإن للمملكة وتركيا مصلحة أكيدة في تطوير العلاقات وإيصالها لمصاف الشراكة الاستراتيجية ليس فقط لما تمثله هاتين الدولتين من مكانة وقوة استراتيجية في العالم بل في الموازين الإقليمية الراهنة ولأنهما باتتا تشكلان تجربتين ناجحتين إلى حد كبير في وسطهما الحيوي العربي والإسلامي، مع ما لهذا من تأثيرات إقليمية ودولية، لاسيما مع هبوب نسمات الربيع العربي وعواصفه والتي تتطلب تنسيقا سعوديا تركيا للحفاظ على مصالح البلدين والأمة الإسلامية.