يحدث في أيامنا هذه أن نناقض أنفسنا. أن نضغط بكبريائنا على قلوبنا، فيبتسم ظاهرنا وجوفنا يتمزق. أن نتفوه بلا ونحن نتوق للنطق بنعم. أن نبادر بالوداع، ليس لأننا نود الرحيل، ولكن لنعرف أي القلوب ستصرخ متوسلة بقاءنا. أن نختلق قصصا تظهرنا أظرف في عيون من نحب لنكسب ودهم على حساب كرامتنا. أن تجمعنا الأيام بعد طول ترقب، بحقائق حجبتها الوعود الرنانة والظنون الحسنة. أن تغتالنا على حين غرة سيوف اليأس وخناجر التيه. وأن تفتك بنا نظرات الغيرة إن ضحكنا أو حتى حملنا على النعوش! يحدث أيضا أن نلتقي بمن يسكت حين يذكر أحد أمامه بخير، ويشمر عن ساعديه للمشاركة حين يبدأ الذم! وبمن يسرق منا دهشة اللحظة وتوالد الحكايات. وبمن يشقي من يحب ويذيقه صنوف الخذلان باسم الحب.
لكن، وعلى الرغم من عسر ما قد تواجهه عزيزي القارئ في حياتك أحيانا، إلا أن تلك المواقف ليست إلا أحاجي تحفز عقلك على التفكر في ذاتك والغاية من وجودك. ويبقى التحدي الأكبر أمامك هو أن تبقى أنت! وإليك القصة.
إنها قصة طبيبين جمعتهما صداقة تجذرت بينهما منذ المرحلة المتوسطة، وحتى حصولهما على الزمالة في الخارج. فتخصص «عبدالله» في جراحة القلب، بينما آثر «حسن» التخصص في أمراض السكري والغدد الصماء. كانا يقتسمان الشبه في كل شيء، حتى دماثة الخلق، لدرجة تدفع بالمرء للظن بأنهما توأمان. لكن كل شيء تغير حين التحقا بالعمل! فما حققاه من نجاح خلال عامين، وتبعات ذلك النجاح أثرت في «عبدالله» كثيرا. فأصبح عصبي المزاج، ويتعامل بجفاء مع مرضاه ويتوجس الشر من زملائه ويصرف راتبه الشهري ببذخ مستهجن! بينما ظل «حسن» محتفظا برصانة منطقه وجميل خصاله حتى ذاع صيته في المدن المجاورة. ومع أنه تحدث إلى صديقه مرارا وحاول فهم سبب ذلك التغيير، إلا أنه لم ينجح. وبعد أقل من عام، فقد «عبدالله» عمله، وقاطع صديقه، وأصبح يتنقل بين مستشفيات المنطقة التي كانت تتخوف من فكرة وجوده بسبب سوء سمعته. فيما كان «حسن» يحتفل بنجاحاته التي توجها بافتتاح عيادته الخاصة. وحين سمع «عبدالله» بالأمر سارع إلى اقتراض المال وافتتاح عيادة أيضا! لكنها ظلت كالبيت الذي هجره أهله، حتى أغلقها وتأخر في سداد تلك الديون، فتم استدعاؤه وحبسه. إلا أن «حسن» هرع لمساعدته وتكفل بكل شيء. حين التقيا بعد انقطاع، لم يستطع «عبدالله» أن يحبس دموعه الخجلى، إلا أن «حسن» لم ينطق سوى بجملة واحدة، فقال: تذكر يا صديقي، بأنك حين تفقد ذاتك فإنك تصبح وجها لا انعكاس له في المرآة، ولن يبقى بداخلك أي أثر لشيء، لا أنا، ولا أنت!
Randa_sheikh@yahoo.com
لكن، وعلى الرغم من عسر ما قد تواجهه عزيزي القارئ في حياتك أحيانا، إلا أن تلك المواقف ليست إلا أحاجي تحفز عقلك على التفكر في ذاتك والغاية من وجودك. ويبقى التحدي الأكبر أمامك هو أن تبقى أنت! وإليك القصة.
إنها قصة طبيبين جمعتهما صداقة تجذرت بينهما منذ المرحلة المتوسطة، وحتى حصولهما على الزمالة في الخارج. فتخصص «عبدالله» في جراحة القلب، بينما آثر «حسن» التخصص في أمراض السكري والغدد الصماء. كانا يقتسمان الشبه في كل شيء، حتى دماثة الخلق، لدرجة تدفع بالمرء للظن بأنهما توأمان. لكن كل شيء تغير حين التحقا بالعمل! فما حققاه من نجاح خلال عامين، وتبعات ذلك النجاح أثرت في «عبدالله» كثيرا. فأصبح عصبي المزاج، ويتعامل بجفاء مع مرضاه ويتوجس الشر من زملائه ويصرف راتبه الشهري ببذخ مستهجن! بينما ظل «حسن» محتفظا برصانة منطقه وجميل خصاله حتى ذاع صيته في المدن المجاورة. ومع أنه تحدث إلى صديقه مرارا وحاول فهم سبب ذلك التغيير، إلا أنه لم ينجح. وبعد أقل من عام، فقد «عبدالله» عمله، وقاطع صديقه، وأصبح يتنقل بين مستشفيات المنطقة التي كانت تتخوف من فكرة وجوده بسبب سوء سمعته. فيما كان «حسن» يحتفل بنجاحاته التي توجها بافتتاح عيادته الخاصة. وحين سمع «عبدالله» بالأمر سارع إلى اقتراض المال وافتتاح عيادة أيضا! لكنها ظلت كالبيت الذي هجره أهله، حتى أغلقها وتأخر في سداد تلك الديون، فتم استدعاؤه وحبسه. إلا أن «حسن» هرع لمساعدته وتكفل بكل شيء. حين التقيا بعد انقطاع، لم يستطع «عبدالله» أن يحبس دموعه الخجلى، إلا أن «حسن» لم ينطق سوى بجملة واحدة، فقال: تذكر يا صديقي، بأنك حين تفقد ذاتك فإنك تصبح وجها لا انعكاس له في المرآة، ولن يبقى بداخلك أي أثر لشيء، لا أنا، ولا أنت!
Randa_sheikh@yahoo.com