-A +A
خلف الحربي
الكنغر حيوان يقفز ولا يمشي، وهذه حكاية سعودية من أستراليا بلاد الكنغر بإمكاننا أن نتعامل معها بالقفز الإيجابي بحيث نصل إلى ما يفيدنا منها، أو بالقفز السلبي بحيث نترك أساس الموضوع ونشتم أستراليا وأهلها وكناغرها (لا أعرف جمع كنغر!). تقول الحكاية إن قاضيا أستراليا احتار في أمر سيدة سعودية منقبة تواجه حكما بالسجن لستة أشهر، وقال: (أنا لا أرى إلا عينيها)، هيا بنا نقفز قفزتنا السلبية المتوقعة ونقول إنها حرب صليبية على النقاب تكشف تناقض هذه الدول التي تدعي المساواة ثم تتعامل بعنصرية مع المسلمين، ثم نفتح هاشتقا في تويتر نطالب فيه بمقاطعة لحوم الأغنام الأسترالية.
بعد أن ننتهي من القفزة السلبية من الأفضل أن نجيب على سؤالين أساسيين كي نقفز قفزتنا الإيجابية: ما هي التهمة الموجهة إلى هذه السيدة السعودية كي تكون في هذا المكان؟، والثاني: ماذا فعل القاضي كي يتعامل مع هذه السيدة المنقبة؟. باختصار، هذه السيدة تركت طفلها الذي يبلغ أربعة أشهر في سيارة مفتوحة النوافذ لمدة 45 دقيقة تحت درجة حرارة عالية، فقام أحد الأشخاص بالإبلاغ عنها، فتم القبض عليها هي وزوجها بسبب هذا الإهمال المريع الذي لا يمكن أن يعتبر جريمة في ديارنا، ولم يتسرع القاضي بإجبارها على الكشف عن وجهها، بل فضل التأني في هذا الموضوع تقديرا للاختلافات الثقافية حتى أكدت الروابط الإسلامية أنه من حق القاضي أن يطلب منها ذلك إذا شعر بالريبة بأنها قد لا تكون المعنية بالأمر، ولكن يفضل أن يحدث ذلك دون وجود رجال في القاعة أو من خلال تكليف إحدى الشرطيات بالتأكد من هويتها في إحدى الغرف الخالية!.

هل رأيتم؟، لقد اتضح أن الكنغر هادئ ومسالم ويحترم الاختلافات الثقافية رغم أن أستراليا بلد أشتهر في الماضي بالعنصرية للجنس الأبيض، ولكنهم وجدوا في احترام الاختلاف طريقا لحياة أفضل، ونحن يجب أن نقفز إلى النقطة المفيدة من الموضوع، وهي أن العناية بالأطفال ليست مسؤولية والديهم فقط، بل مسؤولية الدولة والمجتمع، خصوصا أننا ندرك بأن ما فعلته هذه السيدة لا يعتبر شيئا أمام حالات العنف الأسري ضد الأطفال التي تطالعنا بها الصحف يوميا، والتي وصل بعضها إلى حد إزهاق الأرواح البريئة، ورغم ذلك حكمت المحاكم على هؤلاء الآباء أو الأمهات بأحكام أقل ما يقال عنها إنها (أحكام سياحية)، انطلاقا من تفسيرات عجيبة لا تتواءم أبدا مع جوهر ديننا الحنيف الذي يركز على الرحمة ويعظم مكانة النفس البشرية، وقفزتنا الإيجابية في هذا المضمار يجب أن تكون باتجاه إعادة النظر بالتشريعات والأنظمة المتعلقة بقضايا العنف الأسري كي لا يقول أحد إن الأستراليين يحرصون على سلامة أطفالنا أكثر منا.
أما بخصوص النقاب، فإن موقف القاضي الذي احترم الاختلاف الثقافي بينه وبين هذه السيدة الأجنبية التي جاءت من آخر الدنيا يجب أن يكون ملهما لنا كي نحترم اختلافنا مع الآخرين الذين يحملون جنسية أخرى أو يعتنقون دينا آخر، كان في تلك اللحظة يملك السلطة الكاملة في مواجهة متهمة أجنبية، ولكنه وجد أن احترامه لثقافتها هو أمر مفيد لإنسانيته ولبلاده، وكذلك نحن حين نحترم ثقافة الآخرين الذين يختلفون عنا في الجنسية أو المعتقد سوف ننتصر لإنسانيتنا ونفيد بلادنا؛ لأن الحياة سوف تكون أفضل بالنسبة لنا قبل أن تكون أفضل بالنسبة للآخرين!.
وأخيرا، أتمنى أن تتجاوز هذه المواطنة المأزق القانوني الذي وجدت نفسها فيه، وتقفز قفزة إيجابية هي الأخرى، فتكون نموذجا ملهما للأمهات في ديارنا، فالأطفال مسؤولية عظيمة، والتعبير عن حب هؤلاء الأطفال لا يتجسد من خلال تقبيلهم المبالغ فيه أو نشر صورهم عبر (الإنستغرام)، بل بالعناية الشديدة بسلامتهم.