-A +A
محمد السنان
«اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا».. هذا الأثر يحمل في ثناياه منهجا للحياة بكل ما فيها من جماليات ومعان سامية، فهو يحث الإنسان لأن يعيش عالمه طولا وعـرضا، وأن يلونه بكل أنواع المباهج والأفراح فيما لا يتعارض مع قيم وسلوكيات المجتمع والذي جاء الإسلام ليكرسها باعتبارها من مكارم الأخلاق، نابذا ما علق بها من عادات وتقاليد تتنافى والطبيعة التي فطر الله البشر عليها، وقـد أوجزها رسول الرحمة حين قال: (انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).. كما ان هذا الأثر يتضمن الدعـوة للعمل لبناء مستقبل دنيوي للإنسان كما لو انه يعيش للأبد.. ولكنه لم يترك لتلك الدعـوة بالعمل الدنيوي دون ضوابط، كيلا تعم الفوضى وان لا تترك للنفوس المريضة الحرية لممارسة شرورها والإضرار بالمجتمع.
لذا، فقد اتبع الدعوة بالعمل للحياة الدنيا والاستمتاع بها والتخطيط للمستقبل بالدعوة للعمل من أجل الآخرة.

ومن هنا يتم ربط كل أعمال الانسان ومتع حياته ضمن دائرة الأعمال الخيرة والنافعة للمجتمع، وإلا فإن عقاب الآخرة بانتظارهم.
لكننا ابتلينا بمن يخرج علينا من وقت لآخر من خلال منابر المساجـد ومن خلال بعض القنوات الفضائية وعبر أشرطة الكاسيت واليوتيوب والصحف، وغير ذلك من وسائل الإعلام المتاحة ليطمسوا الجزء الأول من الحديث الذي يدعو للعمل الدنيوي ويركزوا على الجزء الثاني المتعلق بالعمل للآخرة فقط، تمشيا مع ضيق آفاقهم وجهلهم بمقاصد الشريعة، مرسلين فتاواهم يمنة ويسرى ليضيقوا على الناس في حياتهم بتحريمهم لكل أصناف التسلية والفنون وأشياء أخرى كثيرة لم يرد نص صريح بتحريمها.
وهم عندما يقومون بذلك ويصدرون تلك الفتاوى تجـد غالبيتهم يستمتعون بقضاء عطلهم وإجازاتهم في بعض دول الخليج المنفتحة أو بعض الدول العربية الأكثر انفتاحا، والبعض الآخر يفضل قضائها في الدول الأوربية أو الولايات المتحـدة الأمريكية، حيث تجتذبهم دور السينما المختلطة والملاهي المختلطة ويسـتخدمون وسائل المواصلات المختلطة ويتناولون وجبات طعامهم في مطاعم مختلطة تحت أنغام الموسيقى، وعندما يذهبون الى التسوق يتعاملون مع نساء لا يرتدين الحجاب الإسلامي، فملابسهن قصيرة إلى ما فوق الركبة وصدورهن شبه عارية.. ومع ذلك فهم لا يتحرجون من التعامل معهن، بل على العكس من ذلك، فهم يستمتعون بما يجدونه في تلك الدول من تنوع حضاري ورقي أخلاقي، ويدركون تماما بأن تلك الدول بها دور أوبرا لتقديم الموسيقى وهناك رواد كثر لهذه الدور، وبها دور سينما ومسارح، ولها روادها، كما توجد بها دور للعبادة لمختلف الأديان السماوية وغيرها، فالمساجد مفتوحة لمن أراد الصلاة وهي عادة تكتظ بالمصلين الذين يذهبون إليها طوعا وليس كرها، فالحرية مكفولة لكل فرد بموجب القوانين المعمول بها في تلك الدول التي تعنى بكرامة الإنسان لا أن تنظر إليه كرقم على قواعد بياناتها.
والسؤال هو، لماذا يذهب هؤلاء المحافظون مع أسرهم إلى مثل هذه الدول لقضاء إجازاتهم، فيما يضيقون على عباد الله بأحكامهم عندما يعودون؟.