-A +A
محمد السنان
هناك من يعتقد أن الأغنية السـعـودية قـد تمكنت من الوصـول للعالميـة من خـلال الحفلات التي أقيمت عـلى فـترات مختلفـة في كل من باريس ولنـدن وبعض المـدن الأمريكيـة، والتي شارك فيها فنانون كبار. وهـذا الاعـتقاد في رأيي الشخصي مجانب للصـواب. فمجـرد إحياء حـفلات في هـذه المـدن الأوروبيـة أو الأمـريكيـة لا يعـني أن الأغنية السعودية قد وصلت إلى العالميـة طالما أن رواد هـذه الحـفلات هم من الجاليـات العـربيـة. فالعالميـة تعـني أن تسـتطيع الأغـنيـة أن تنفـذ إلى آذان المتلقـي الغـربي، وأن تؤثـر فيـه وتجـعـله يتـذوق الموسـيقى العـربية بكل مواصفاتها وقـوالبها ومقاماتها ويسـتسيغ الثلاثـة أرباع التون التي تشكل عـادة جـزءا كبيرا من تركيبـة الأغـنية العـربية من مقام السيكا والراست والبياتي إن جميع الفنانين العـرب بصورة عامـة والسـعـوديين بصورة خاصـة لم يتمكنوا من الوصول إلى العالمية، ولا أعتقـد أن أحـدا يمكن تحـقيق ذلك مسـتقبلا، وهذا ليس انتقاصا من القـدرات أو الإمكانات للفنانين العـرب أو السـعـوديين ولا هـو تجاهل لتاريخهم الفني الزاخر بأجمل الأغاني ذات المستوى الرفيع، ولكن يجب أن نعلم بأن مفهوم العالمية ليس بهذه البساطة التي قـد يتصورها البعض، ويكفي أن نعلم إنه لم يصل الى العالمية أي مطرب عربي على الإطلاق، وهذا يشمل جميع عمالقة الغناء والموسيقى العرب. لقد كانت المحاولات لإيصال الأغنية العربية للعالمية مستمرة منذ ما ينوف على سـتة عقود. إذ حاول الأخوان الرحباني الوصول للعالمية عبر حنجرة فيروز لكنهما أخفقا، فكل الحفلات التي كانت تحييها فيروز في مختلف بقاع العالم كان روادها من الجاليات العربية فقط. كما أن الموسيقار توفيق الباشا قام بمحاولات في أوائل الستينيات عندما قام بتجربته الرائدة بإعادة توزيع بعض الأغاني العربية التراثية مثل «عمي يبياع الورد» ، وبعض أغاني المطربة السورية سهام رفقي، بأسلوب عصري وبطريقة «الاستيريو»، وقد أطلق على ذلك الإنتاج اسم «شهرزاد» إلا أن ذلك العمل الجميل والمتقن لم يستطع أن ينفذ إلى آذان الخواجات. في الفترة ذاتها، كانت هناك عدة محاولات ظهرت في شكل ما عرف آنذاك بـ«الفرانكو أرب» والتي بدأها الفنان محمد فوزي بأغنية (يا مصطفى يا مصطفى) والتي اعتقد الكثير من النقاد حينها بأنها ربما تكون النقلة الأولى الصائبة في طريق إيصال الأغنية العربية للعالمية، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل. وأذكر أن الموسيقار محمد عبدالوهاب علق على تلك الظاهرة في حينها بالقول «إنها لا تختلف عن محاولة عباس بن فرناس في الطيران» وقد صدق في ذلك. ونعود لنتساءل لماذا؟ لماذا كل هذه الإخفاقات برغم المحاولات الحثيثة والجادة التي بذلها ولايزال يبذلها أصحاب الطموحات الكبيرة؟.. والإجابة على هذا التساؤل في منتهى البساطة. فهي مشكلة تقنية يعرفها محترفو الفن والأكاديميـون منهم على وجـه الخصوص، ولكي لا يعتقد القارئ العادي بأنني أتحدث هنا عن طلاسم، فأود أن أوضح الأمر ببساطة متناهية مبتدئا بتعريف هوية الأغنية العربية ومقارنتها بالأغنية الغربية (وهي ما جرى الاصطلاح على تسميتها بالعالمية) لكي نعرف العوائق التي تحول دون وصول الأغنية العربية للعالمية.
الموسيقى العـربيـة تعـتبر جـزءا من الموسـيقى الشـرقيـة، وبالأخص الفارسـية والتركيـة، وهي تخضع لنفس القـوانين والقـوالب والمقامات. ، وهي تعتمد على ما يعرف بالمقامات، وهي كثيرة ومعقدة، ويذهب كثير من النقاد الضالعين بأسس الموسيقى إلى تبرير تخلف الأغنية الشرقية بشكل عام والعربية بشكل خاص عن مواكبة لأغنية العالمية إلى كثرة مقاماتها وتعقيداتها. وإنما ما يهمنا أن نعرفه هنا هو أن أغلب هذه المقامات يدخل فيها نغمـة «الثلاثة أرباع التون»، وهـذه النغمـة ليست معروفة وليست مسموعـة لدى الغرب، وليسـت لها رموز أو قواعد تدرس لديهم، وبالتالي فهي نغمـة «شـاذة» بالنسـبة للأذن الغـربيـة. فالآلة الرئيسـية المعتمـدة عالميـا لتدريس الموسيقى عـنـد الغـرب هي (البيانـو)، وهذه الآلة ليس بها ثلاثـة أرباع التون. فمن المؤكد بأن الذي سوف يستمع إلى موسيقى بها هـذه النغمـة سوف يعتقد بأنها نشاز موسيقيا، فلن يستسيغ الاستماع إلى تلك الموسيقى.