-A +A
شتيوي الغيثي
كثرت عمليات التصنيف سواء بشكل طائفي أو بشكل أيديولوجي، ولم تقتصر هذه التصنيفات في كثير من أمورها على المعطى الفكري، بل تعدته إلى المفاصلة السياسية أحيانا. نعم الذي يحصل من عمليات تصنيف فكري أو أيديولوجي في الواقع العربي بمذهبيه الأكبرين: (السني والشيعي) كان من آلاف السنين ولم يكن وليد السنوات الماضية. المصنفات التراثية كانت تعج بالكثير من عمليات التصنيف الفكري والمذهبي منذ أول صدام حصل في التاريخ الإسلامي بين أبناء المسلمين أنفسهم، ولاحقا تشعب مثل هذا التصنيف من معتزلة وسنة وشيعة بمسميات من قبيل: الرافضة والنواصب، أهل البدع والزندقة، الماتريدية، الأشعرية، المشبهة، المعطلة القدرية، والجبرية، وما إلى ذلك. وتاريخنا الحديث والمعاصر بحكم امتداده الفكري الماضوي فإن عمليات التصنيف مازالت رائجة كثيرا من قبيل: ليبرالي، علماني، إخواني، سلفي، جامي، وسروري، وغيرها
وليست المشلكة في مسألة التصنيف من الناحية المنهجية، بحيث يمكن معرفة المنطلقات والمرجعيات الفكرية والسياقات المعرفية من هذا التصنيف، فهو أحد أهم العوامل الفكرية والعلمية في التفريق بين المتداخلات الفكرية بين الخطابات جميعها؛ أقول: ليست المشكلة من التصنيف المنهجي، وإنما الإشكالية تنتج من التصنيف «الإقصائي» ـ إذا صح الوصف ـ بمعنى أن يتم الإلغاء الكلي فكريا واجتماعيا وسياسيا، وربما يصل أحيانا إلى التهم بالتخوين تمهيدا للاعتقال والتصفية الجسدية كما يحصل في بعض الفصائل المتناحرة في أكثر من دولة عربية حاليا.

أعود مرة أخرى وأقول: إنه من ناحية التصنيف المنهجي والعلمي سوف يكون ذلك في صالح الفكر العربي كتعددية ثقافية طبيعية يمكن قراءتها في السياق الاجتماعي الطبيعي لكن من ناحية التصنيف الإقصائي فإن ضرره كبير على الفكر العربي، حيث يفرق ولا يجمع، ويبعد ولا يقرب، بل هو رفض للتعددية الفكرية، ورفض للرؤية المنهجية والعلمية في مسألة التصنيف.