-A +A
رندا الشيخ
كانت تنتظر ذلك اليوم منذ سنوات. حلمت به كثيراً حتى بات واقعاً أكثر منه حلماً. كيف لا وقد تخيلته بكل تفاصيله! بصخبه، وبرائحة باقات زهوره، وبملامح الحاضرين، حتى حان موعده. تأنقت وانطلقت مع والدتها التي لم يتوقف لسانها للحظة عن اللهج بالدعاء، وإخوتها الذين غمرهم حماس منقطع النظير. حين وصلت إلى مقر الحدث، لم تتوقف المفاجآت السعيدة عن التوالي الواحدة تلو الأخرى، حتى شعرت بأن ما تستنشقه لم يعد أوكسجيناً، بل عنصراً غازياً يجمع في تركيبه بين الدهشة والسعادة والغبطة! تلك التركيبة خلقت حاجزاً أمام كل المحاولات التي قام بها القلق للتسلسل إلى تفكيرها. وفي اللحظة التي وقفت فيها لتتحدث، تذكرت أنها نسيت أن ترتب أفكارها أو تدون ما تريد قوله، فابتسمت ونطقت بتلقائية بما شعرت به لحظتها. في غمرة حديثها، كانت تتأمل تلك الوجوه التي اصطفت عن يمينها وشمالها، وهي تقرأ في ملامح أصحابها وأعينهم سطوراً تجمع كل ما في الحياة من ألق. ثم أمسكت بقلمها الذهبي وبدأت في التحليق كطائر فتح باب قفصه فجأة، وسارعت تحفر الآثار على الكتب، لتبقى دليلاً دامغاً على تحقيق الحلم، إن حدث واستيقظت من نومها في اليوم التالي.
حين جلست على منصة توقيع إصدارها الأول، لم تشعر سوى بالحب. حبٌ كبير غمرها به كل من حضر من داخل المدينة وخارجها ومن دول مجاورة ليشاركها الفرح. فازداد يقينها بأن كل ما زرعته في الأعوام الماضية لم يذهب سدى، وبأن جني الثمار ألذ وأشهى من مذاق الثمرة نفسها، وبأن كتفاً واحداً تستند عليه يغني عن ألف يدٍ تمتد إليك وهي متمنعة.

بعد أن انتهى اليوم الحلم، لم تنطفئ شموع السعادة والحماسة والإصرار بل ازداد وهجها، ولم يتوقف العقل عن رسم صور أخرى لأحلام جديدة بل اتسع مداه، وباتت الأهداف التي تنتظر نهاية الطريق أكثر وضوحاً الآن. أخيراً أتساءل، ترى هل عرفت صاحبة الحلم؟ نعم.. إنها أنا! وإن كنت قد حققت أحد الأحلام، فأنت بالتأكيد قادر على فعل ذلك! ما الذي يمنعك إذاً من أن تعيش حلمك؟ هيا، لا تتردد!