-A +A
تركي العسيري
حوادث العنف التي يتعرض لها بعض المعلمين من قبل طلابهم تجعلنا نطالب وزارة التربية والتعليم بإجراء دراسة تربوية جادة لهذه الحالة قبل أن تستفحل.
نأخذ في الاعتبار الوضع التعليمي برمته بدءاً بالوزارة نفسها، مروراً بإدارة التعليم والمدرسة وانتهاءً بالطالب والمعلم، فالطالب في النهاية هو نتاج تربية «مختلطة» يُشارك في تكوينها المنزل والمدرسة والشارع والمجتمع ولم يعد المنزل أو المدرسة وحدهما يشكلان ثقافة السلوك أو تربيته.

فداحة الجرم ينبغي ألا تعمينا عن إيجاد حلول واقعية للمأزق التربوي الذي وصلت إليه العملية التعليمية، فاعتداءات الطلاب على معلميهم وإن بدت حالات فردية لم تصل إلى حد الظاهرة، تدل على وجود خلل ما في العلاقة القائمة بين المعلم والطالب. ولابد أن نعي أن القيادات التربوية والمعلمين في بلادنا هم نتاج «مرحلة» تربوية قديمة لها قيمها الأخلاقية، وقناعاتها النهائية في ما يتعلق بالشأن التربوي.
وبالطبع فإن تلك المرحلة لم تأخذ في الاعتبار التحولات التي حدثت أو التي ستحدث على وعي المجتمع وثقافته.
ولم تستطع الكليات التربوية إحداث تغير يذكر في تأهيل المعلم الجديد الذي تدفعه إلى الساحة بحيث ظل متشبثاً بطرق معلميه القدامى من حمل العصا وإطلاق العبارات التي تثير حنق الطلاب، مع أنها -أي تلك الكليات- يُفترض أن تؤهله للتعامل المختلف مع الطالب وفق المتغيرات التي طرأت على سلوكياته. فالطالب اليوم هو أيضاً لم يعد كطالب الأمس، بل هو ضحية لهذه المتغيرات، ومن الحكمة أن نتعامل معه من هذا المنظور.
اعتداء الطلاب على معلميهم جرم غير مقبول، ولا يمكن تبريره، لكن بالمقابل فإن إيذاء الطالب من قبل المعلم جسدياً أو لفظياً أمر غير مقبول هو الآخر.
لقد مارست العمل التربوي أكثر من ربع قرن وفي مختلف المراحل الدراسية مدرساً، ووكيلاً ومديراً، وأستطيع أن أقول إن بعض المعلمين يتسببون جراء تصرفاتهم في إشعال فتيل العلاقة المتأزمة مع الطالب، خاصة في المرحلتين المتوسطة والثانوية وهي المرحلة العمرية «الحرجة» في حياة الطالب، فمرحلة المراهقة مرحلة متأججة بالانفعالات والعواطف والأخطاء التي يصعب ضبطها والسيطرة عليها في ظل وجود «مُحفز» يؤدي لهذا الانفلات السلوكي، إلا من خلال علاقة تقوم على الاحترام المتبادل واللين والمحبة التي لا أحسبها تقلل من قيمة المعلم أو شخصيته في الفصل أو خارجه.
ولعل من الأخطاء التربوية التي تساهم في «توتير» العلاقة بين المعلم والطالب، خاصة في المرحلة الثانوية- أقولها عن تجربة- إسناد التدريس في هذه المرحلة إلى معلمين شباب دون الثلاثين مما يعني أن الفارق العمري بينه وبين الطالب ليس كبيراً، من هنا تنشأ المشكلة.
فأيّ تهديد أو عبارات يفسرها الطالب بأنها إهانة له تخلق حالة «هيجان» تنسيه الفارق المفترض بينه وبين المعلم، ويعتبرها إساءة من شاب إلى شاب مثله وهذا ما لا يقبله.. وأحسب أنه كلما كان فارق السن بين المعلم والطالب كبيراً، شعر بأبوة المعلم واحترامه وتقبل ما يطرحه من نصائح أو لوم.
العملية التعليمية -في رأيي- بحاجة إلى مراجعة وتطوير، وفتح قنوات للحوار بين العاملين في الميدان والطلاب، من أجل صياغة آلية جديدة تقدم حلولاً واقعية للمشكلات التعليمية الطارئة التي لا أظنها عصية على الحل إلى هذا الحد!!
تفاكس 076221413