-A +A
شتيوي الغيثي
في ظل حالات التناحر الفكري والأيديولوجي في الأوساط الثقافية والاجتماعية والدينية، فإنه دائما ما يتساءل البعض عن ما إذا كان التعامل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد سوف يصبح حسب الهوية الأيدلوجية؟ وبرأيي أن هذا التعامل حاصل في الأساس منذ مدة طويلة جدا، وليس كونه (سيصبح). إن كلمة (سيصبح) تعني أنه لم يحصل حتى الآن في حين أن الواقع يؤكد على أن التعامل مع الفكر هو تعامل أيديولوجي في أساسه، والدليل تلك التصنيفات التي غالبا ما تتحرك في خطاباتنا الثقافية ما بين التيارات الفكرية المختلفة؛ إضافة إلى أن لكل تصنيف معسكره الفكري والسياسي الخاص الذي لا يمكن أن يتقاطع مع المعسكر الآخر، إلا في بعض المصالح المشتركة الآنية التي تنتهي مع انتهائها، وإلا فإن لكل معسكر رؤيته الخاصة وأجندته السياسية ومفكريه وكتابه، سواء كان إسلاميا أو ليبراليا أو قوميا. كذلك فإن في داخل كل تيار تيارات أصغر تنافس على الصعود والتصنيف إلغاء لتكون لها الهيمنة الفكرية دون سواها.
إن التعامل مع الهويات هو أمر طبيعي وحاصل، ولا يمكن أن يقوم مجتمع من غير تلك الهويات، سواء كانت هويات تاريخية أو هويات دينية أو حتى هويات وضعية أسستها قيم الدولة الحديثة. الهويات تتشكل في كل المجتمعات البشرية، ولا إشكال في ذلك، إنما يحصل الإشكال من حالة التنافر الفكري والأيديولوجي القائم على نبذ الآخر المختلف، بمعنى أن تتحول تلك الهويات إلى صراعات مذهبية أو دينية أو أيديولوجية ينفي بعضها البعض الآخر.

إن طبيعية المجتمعات أن تختلف، وهذا الاختلاف محل ثراء فكري واجتماعي للمجتمعات مهما توحدت هوياتها، لكن حينما تتحول إلى عمليات تصفية فكرية أو سياسية أو دينية، فإن هذه «الهويات» يمكن أن تكون «قاتلة» ــ كما كان يسميها أمين معلوف.