-A +A
محمد بن سليمان الأحيدب
في إحدى محطات القطار في سان فرانسيسكو، خرج فجأة رجل أسمر مفتول العضلات منفوش شعر الرأس (كدش مرعب) عارٍ تماما يقفز على أجهزة إدخال التذاكر في بوابات الدخول ويؤدي حركات جمبازية بهلوانية فوق تلك الأجهزة، مثيرا الرعب في قلوب أعداد كبيرة من مستخدمي القطار من النساء والأطفال وكبار السن، خصوصا أنه يختار ضحية من بين المارة ويبدأ بتوجيه لكمات للضحية وإسقاطها أرضا أو محاولة خنق الضحية ويختار غالبا النساء، فعم الصراخ وطلب النجدة في المكان، لكن لا أحد يتدخل سوى أحد حراس دخول المحطة الذي يحاول إشغال ذلك الرجل حتى تهرب الفتاة التي يعتدي عليها.
لم يكن الرجل مخمورا، بل بدا واضحا من قوته وحركاته البهلوانية الدقيقة أنه مريض نفسيا هائم، وكعادة الأمريكان، فإنهم لا يتدخلون فيما لا يعنيهم ما لم تكن لهم مصلحة في التدخل أو ضرر من الاعتداء، وكذلك يفعل شعوب الدول الأوربية غربا وشرقا من ذوات الدم البارد، فأذكر أثناء الدراسة في بريطانيا أن الرجل يشبع ضربا، والفتاة تسرق حقيبتها أمام الناس، والعجوز يسرق ما تبقى من عمرها من أيام ويسلب ما معها مما حرصت على حمله حبا في الدنيا وتفرغ حقيبتها أمام المارة، ولا أحد يتدخل!!، وعموما هم يراهنون على شرطة تصل بسرعة فائقة، وأناس يبلغون الشرطة فورا خلف الكواليس.

مجتمعنا يختلف، أو كان يختلف، فلدينا نخوة وشهامة ودم حار لا يقبل أن يرى أحدا يظلم ويتفرج، خصوصا أننا نعلم أن الشرطة تتأخر (شوي)، (بس شوي) بسبب ازدحام الطرق طبعا!!، واشتهر عنا أننا (نفزع) لنصرة من يستنجد وأن (تكفى عندنا تهز الرجاجيل)، لكن يبدو أننا مع تزايد المشاكل الناجمة عن التدخل والفزعة أصبحنا مثلهم لا نتدخل، بل نتدخل بصورة غريبة، فعند حدوث حدث يستوجب الفزعة، يدخل كل منا يده في جيبه ويخرج جواله ويصور!!.
المؤكد أن سرعة وصول شرطة النجدة لم تتحسن، ربما خوفا من ساهر، لكن (تكفى) عندنا لم تعد تهز (الرجاجيل)، وأجزم أن للتربية دورا، فقديما كان الأب يقول (عار عليك لماذا لم تفزع مع المستغيث؟!)، اليوم يقول (يا بايخ ليش ما صورته؟!).