أتذكر، يا صديقي عاصم، عندما كنت أنت في بداية شبابك، وكنت أنا يافعا صغيرا، وأنت تدخل من باب الرحمة في مسجد رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ترمق بعينك جلسة العالم الفذ محمد الأمين، أو الشيخ محمد مختار الشنقيطي، أو عالم الحديث حماد الأنصاري، أو من كانت جلسته أقرب إلى الروضة الشريفة العالم عمر فلاتة، أو لعلك لا تنسى صلاة التراويح والتهجد خلف أئمة الحرم النبوي ــ يومئذ ــ عبدالعزيز بن صالح وعبدالمجيد الجبرتي والصاوي وابن زاحم، أعلم جيدا أنه كان يروق لك سماع صوت الأذان بأداء عبدالعزيز بخاري وعبدالملك نعمان والنجدي، ولا يمكن أن تمحى من ذاكرتك القبة الخضراء والروضة والحصوة وجبل أحد وحارة الأغوات وسيل أبو جيدة، أكيد أكيد أكيد قبيل لحظات من وقت الإفطار في رمضان كنت توجه بصرك إلى أعلى جبل سلع، حيث هناك مدفع رمضان، وكل أهل المدينة الذين حول الجبل يفعلون، بينما آخرون الأقرب إلى الحرم يسمعون صوت الله أكبر إيذانا بدخول وقت الإفطار والمغرب، رمضان بعبق الماضي القريب: جيران أحباب جيران، وإنسان يحب إنسانا، تمر وتميز وفول له طعم، عصرية ذكر وقرآن، مغربية طنطاوي وفوازير ومسابقة قرآن، لا أظنك ــ يا عاصم ــ تنسى بعد الانتهاء من صلاة التراويح تلك الألعاب البريئة: طيري، غميمة، عصفر... ثم تكون هدأة ما قبل السحور لنسمع صوت دق المسحراتي عم صابر الذي يجوب بعض نواحي المدينة، وهو يقول: يا نايم قوم وحد الدايم سحورك يا صايم، وسط المدينة أول «مول» شارع العينية به أكثر من مائة دكان، في رمضان يشغي من البشر، فيه وفيما حوله من دكاكين كل الأغراض وكل ما يحتاجه أهل المدينة وتنزل الأسرة رجالا ونساء، خصوصا في العشرة الأواخر، حيث الزحمة في شارع من أول باب السلام إلى المناخة دون أن يكون هناك سيارات، إن كان رمضان شهر روحانية وفيه نفحات، فإنه في المدينة المنورة أكثر روحانية ونفحات؛ لأن الأجواء هناك معطرة بعبق الحبيب محمد ــ صلى الله عليه وسلم.
ودخول شهر رمضان إيذان للنفس البشرية بأن تبدأ بالتزكية والقرب من الله، وأن يا باغي الخير أقبل، وقد خاب من يدخل عليه شهر رمضان ولم يغفر له، وهناك معنى جميل للفرق بين المغفرة والعفو، المغفرة هي صفح الله عن ذنب العبد مع بقاء الأثر في سجل العبد، بينما العفو هو صفح الله عن ذنب العبد ومحوه تماما من سجل العبد فلا أثر له أبدا، ولذلك ورد في الحديث التأكيد في رمضان على صيغة معينة في الدعاء، وهي «اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا»، إن النفس ترتقي في سلم التزكية ومراحل السير إلى الله، فلا حاجة لله في صائم لم تزك نفسه ليرتقي بعيدا عن قول الزور وأكل المال الحرام أو يأتي بتصرفات وأخلاقيات لا تليق برمضان، فشهر الصوم مدرسة لسمو النفس وتزكيتها، فمن لم يطله من تلك المدرسة تربية روحية وتصرفات أخلاقية ومعاني إنسانية يكون صومه إجهادا وتعبا ليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
Prof.skarim@gmail.com
ودخول شهر رمضان إيذان للنفس البشرية بأن تبدأ بالتزكية والقرب من الله، وأن يا باغي الخير أقبل، وقد خاب من يدخل عليه شهر رمضان ولم يغفر له، وهناك معنى جميل للفرق بين المغفرة والعفو، المغفرة هي صفح الله عن ذنب العبد مع بقاء الأثر في سجل العبد، بينما العفو هو صفح الله عن ذنب العبد ومحوه تماما من سجل العبد فلا أثر له أبدا، ولذلك ورد في الحديث التأكيد في رمضان على صيغة معينة في الدعاء، وهي «اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا»، إن النفس ترتقي في سلم التزكية ومراحل السير إلى الله، فلا حاجة لله في صائم لم تزك نفسه ليرتقي بعيدا عن قول الزور وأكل المال الحرام أو يأتي بتصرفات وأخلاقيات لا تليق برمضان، فشهر الصوم مدرسة لسمو النفس وتزكيتها، فمن لم يطله من تلك المدرسة تربية روحية وتصرفات أخلاقية ومعاني إنسانية يكون صومه إجهادا وتعبا ليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
Prof.skarim@gmail.com