-A +A
طالب بن محفوظ «جدة»
رصد


الباحث السفير محمد أحمد طيب ثمانية أبعاد لـ «الإسلامفوبيا»؛ تتمحور حول البعد التاريخي والتنافس ما بين الحضارتين، والبعد الاستعماري الأوروبي، واغتصاب فلسطين وإنشاء إسرائيل، والبعد العلماني الأوروبي المناوئ للدين، والبعد الاقتصادي والتغير الديمغرافي، وأخيرا البعد السياسي في العصر الراهن والحاجة إلى عدو جديد.
وطرح طيب سؤالا: هل «الإسلافوبيا» ظاهرة حقيقية تهدد المسلمين المقيمين في الغرب بصفة خاصة، وتزعزع الأمن والسلم في العالم بصفة عامة، متسائلا: هل «الإسلامفوبيا» ظاهرة جديدة جاءت نتيجة تطورات سياسية واجتماعية دفعت بها إلى السطح، أم أنه يمكن القول إن لها أبعادا تاريخية وتراكمات سياسية واجتماعية ألقت بظلالها القاتمة على العلاقات؟.





قال طيب في بداية بحثه (الأعمال المسيئة للإسلام.. أبعاد الصدام وآفاق التعايش السلمي بين الإسلام والغرب): «مما يدعو للقلق أن (الإسلامفوبيا) قد ارتفعت في السنوات الأخيرة حسب تقرير (مرصد الإسلامفوبيا) التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، وأنها أخذت منحى خطيرا بإضفاء الصفة المؤسسية عليها بعد تصويت الشعب السويسري في نوفمبر 2009م على استفتاء وطني لصالح حظر المآذن في سويسرا بعد أن كانت المآذن محل احترام من قبل الجميع».
البعد التاريخي
وعند العودة للأبعاد الثمانية للإسلامفوبيا التي طرحها، فإن السفير طيب يقول في أولها وهو (البعد التاريخي والتنافس ما بين الحضارتين»: «تتسم العلاقة التاريخية بين الشرق والغرب المسيحي في كثير من حلقاتها بالتنافس وتبادل السيطرة في كل مرحلة من مراحل الصراع الذي ابتدأ مع بزوغ شمس الإسلام وسطوعها مع الفتوحات العربية الإسلامية على أراضي الدولة الرومانية البيزنطية خلال القرن السابع الميلادي في الشام ومصر، ودخول شعوب تلك البلاد إلى الإسلام أفواجا لما أظهره المسلمون من سماحة وعدل».
وأوضح أن تبادل الحروب بين الطرفين وتبادل السيطرة والنفوذ بين الدولة الإسلامية والغرب على مدى قرون قد حفرت أخاديد عميقة في ذاكرة المسلمين والغرب على السواء ظلت آثارها وتداعياتها قائمة إلى عصور لاحقة.
البعد الاستعماري
وحول البعد الاستعماري الأوربي، فإن السفير طيب اعتبر أن الاستعمار الأوروبي للبلاد العربية والإسلامية بعد الحرب الكونية الأولى حلقة جديدة في الصراع والتنافس ونشر روح الكراهية، حيث اتفقت بريطانيا وفرنسا سريا في «اتفاقية سايكس بيكو» على تقسيم أملاك الدولة العثمانية على البلاد العربية بينهما، وتم تنفيذ هذه الاتفاقية في أعقاب الحرب.
اغتصاب فلسطين
وعن البعد الثالث (اغتصاب فلسطين وإنشاء إسرائيل) الذي طرحه السفير طيب، قال عن ذلك: «لم تكتف بريطانيا بالاستيلاء على فلسطين، ولكن آثرت التعاون مع الحركة الصهيونية العالمية لحل ما كان يعرف في أوروبا بـ «المسألة اليهودية» على حساب الفلسطينيين، حيث أعلن وزير خارجيتها بلفور يوم 2 نوفمبر 1917م إنشاء وطن قومي لليهود الأوروبيين إلى فلسطين وتوطينهم فيها تمهيدا لإنشاء دولة إسرائيل بعد نحو ثلاثين عاما من مايو 1948م».
وأضاف: «وإذا كان الصراع الإسلامي الغربي بات في مجمله جزءا من الماضي، إلا أن اغتصاب فلسطين وقيام دولة إسرائيل على أراضيها يعد شاهدا حيا وتذكارا مريرا للصراع في الماضي، ومصدرا مستديما للخلاف والريبة بينهما في الحاضر».
البعد العلماني
وفي حديثه عن «البعد العلماني الأوروبي المناوئ للدين»، أوضح السفير طيب أنه على أثر الثورة على الفكر الكهنوتي والانقلاب على سلطة الكنيسة، اتجهت أوروبا مع بداية عصر النهضة نحو الفكر العلماني وإعمال العقل والمنطق في جميع أمور الحياة، ودفعها ذلك إلى تبني موقف مناوئ للدين الذي كان مرتبطا في ذهن أوروبا العلمانية بالفكر الكنسي المعوق للعلم والتقدم.
وأضاف السفير طيب معقبا على ذلك بقوله: «ولسوء الفهم بحقيقة الدين الإسلامي جرى تعميم هذه المفهوم للدين على جميع الأديان، بما في ذلك الدين الإسلامي، الأمر الذي أوجد مصدرا آخر لسوء الفهم والخلاف مع الحضارة الإسلامية، ولو أن أوروبا العلمانية أمعنت النظر في موقف الإسلام من العلم والفكر لوجدته على النقيض من موقف الكنيسة في العصور الوسطى، حيث أن أول آية نزلت على قلب الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ هي (اقرأ)، وقد تكررت الآيات في القرآن التي تخاطب العقل والفكر.. هذا الموقف من الدين جعل الكثير من الغربيين حتى يومنا هذا يتحسسون من كل ما يمت للدين بصله ويجعلون منه مادة للسخرية».
البعد الاقتصادي
وأكد السفير طيب في حديثه عن (البعد الاقتصادي والتغير الديمغرافي)، أن الأزمات الاقتصادية وارتفاع نسبة العطالة في البلدان الغربية ساعدت على تقوية اليمين المتطرف العنصري الذي وظفها للنيل من المهاجرين، ولا سيما القادمين من البلدان الإسلامية الذين يعتبرهم سببا في هذه الأزمات وخطرا على الثقافة والحضارة الغربية.
البعد السياسي
وقال السفير طيب فيما طرحه حول «البعد السياسي في العصر الراهن والحاجة إلى عدو جديد»: مع انتهاء الحرب الباردة بسقوط حائط برلين عام 1989م وزوال الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو عن الوجود ونهاية الخطر الشيوعي الذي كان يمثل العدو الأول للعالم الغربي الرأسمالي في العصر الحديث، برزت نظريات جادة لاستحداث عدو جديد يشكل حافزا للمحافظة على استمرار تماسك العالم الغربي وتفوقه، ومن أشهر هذه النظريات كتاب (صراع الحضارات) لصاموئيل هانتجتنون، وكتاب (نهاية التاريخ) لفوكوياما».
الحركات المتطرفة
وأكد السفير طيب حول البعد السابع (الحركات الإسلامية المتطرفة)، أن مما ساهم في تعميق الخلاف وإثارة القلق والخوف بين الغربيين من المسلمين هو ظهور حركات إسلامية في العقود الأخيرة تعتنق فكرا دينيا متشددا يحمل قدرا كبيرا من الكراهية ضد الغرب الذي يعتبرونه عدوا ومصدرا للشر ومسؤولا عن كل ما يصيب الأمة الإسلامية من ويلات وحروب وهزائم، مستشهدا في ذلك بإنشاء الغرب لدولة إسرائيل على أرض إسلامية مقدسة ومواقف الدول الغربية ضد القضايا الإسلامية بصفة عامة.
وأضاف السفير طيب معقبا: «وقد اعتمدت تلك الحركات المتشددة فكرة محاربة الغرب وضرب أهدافه ومصالحه، حيثما تكون وبما هو متاح لها من وسائل بما في ذلك استخدام العنف لإرغام الغرب على مراجعة مواقفه ووقف سياسته المعادية للأمة، وللأسف، أن هذه الحركات المتطرفة قد آذت المسلمين وقضاياهم أكثر من أي جهة أخرى، وقدمت خدمة كبرى لأعداء المسلمين وأعداء التعايش السلمي بين الأمم».
البعد الإعلامي
وعن (البعد الإعلامي) في ظاهرة (الإسلاموفوبيا) قال السفير طيب: «إن الإعلام الأمريكي والأوروبي ساهم مساهمة كبيرة في الدفع نحو قبول نظريات الصدام مع الإسلام، حيث ركز على تشوية صورة الإسلام مستغلا أحداث 11 سبتمبر 2011م لإقناع الغرب بأن المسلمين هم أعداء للحضارة الغربية».
آفاق التعايش
وعن آفاق التعايش السلمي، قال السفير طيب: «إذا كانت كل هذه العوامل والأبعاد السياسية والاجتماعية والتفسيرات الخاطئة للدين قد ساعدت اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا في تشكيل مناخ موائم للتحريض على الصراع وحتمية الصدام بين الإسلام والغرب، وإعادة طرح المقولة القديمة (الشرق شرق والغرب غرب لا يلتقيان)، فإنه بالإمكان أن نزعم أيضا بأن أحداث 11 سبتمبر وما تبعها من حروب وضربات إرهابية ذهب ضحيتها أبرياء في العالمين الإسلامي والغربي قد أتت أيضا بنتائج معاكسة لما كان يأمله اليمين المتطرف؛ لأنها دفعت الكثير من القادة السياسيين والمفكرين من الطرفين إلى الاهتداء إلى حقيقة أنه لا مناص وخلاص للبشرية من الوضع الحضاري المتأزم إلا بإحياء وتطبيق قيم التسامح الديني والعدالة والمساواة، وفهم الآخر واحترام التعددية الدينية والثقافية واعتماد الحوار سبيلا للتعارف والتفاهم وحتمية التعايش السلمي بين الأمم والشعوب».
مبادرة الملك
وتطرق السفير طيب إلى مبادة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، موضحا أن الملك عبدالله من أوائل المبادرين في حمل مشعل ثقافة التسامح والتفاهم والحوار مع الآخر، وقد دشن هذا الطريق بزيارته التاريخية لحاضرة الفاتيكان ولقائه مع البابا بندكتوس السادس عشر في نوفمبر 2008م حول حوار أتباع الأديان انطلاقا من مفهوم وحدة الأسرة الإنسانية وفقا لقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وأشار إلى المبادرة تقوم على ركيزتين أساسيتين، هما: الحوار بالتي هي أحسن وحرية الديانة، مبينا أنه «للتأكيد على أن المبادرة لم تكن ضربا من المناورات السياسية لمواجهة مشكلة طارئة، فقد دعا خادم الحرمين الشريفين إلى عقد مؤتمر عالمي في مدريد افتتحه وعاهل إسبانيا في يوليو 2008م، وتواصل الجهد إلى أن عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعا رفيع المستوى في دورتها الثالثة والستين عام 2008م، حيث أعلن قادة الدول المشاركة دعم جهود الحوار والتفاهم والتسامح بين الناس واحترام أديانهم وثقافاتهم ومعتقداتهم المتنوعة، وتوجت هذه الجهود بافتتاح (مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان) في فينا بالنمسا يوم 26 فبراير الماضي».
وأضاف السفير طيب: «تواصلا مع هذه النهج، قدم الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرة أخرى للقمة الإسلامية الطارئة التي انعقدت في مكة المكرمة ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك الماضي 1433هـ بإنشاء (مركز إسلامي للحوار بين المذاهب الإسلامية) في مدينة الرياض، وقد تبنت القمة هذه المبادرة بهدف تأصيل ثقافة التسامح والاعتدال والوسطية، ابتداء من العالم الإسلامي ولتساهم على المستوى العالمي في نشر هذه القيمة النبيلة».
منظمة التعاون
كما تطرق السفير طيب إلى دور منظمة التعاون الإسلامي في الحوار، موضحا أنها لم تكن بعيدة تلك الجهود فكانت القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة في مكة المكرمة في شهر ديسمبر 2005م قد مهدت لذلك عندما اعتمدت (البرنامج العشري) الذي اشتمل على تأصيل قيم التسامح والوسطية والتعددية والحكم الرشيد، كما دعا البرنامج لمواجهة «الإسلامفوبيا» وإنشاء مرصد إسلامي تابع للأمانة العامة للمنظمة لمراقبة جميع أشكال «الإسلامفوبيا».
وأكد السفير طيب أهمية دور المنظمة الذي يكمن في أنه «يمثل موقف جميع الدول الأعضاء فيها، ويجسد بالتالي التطور النوعي في رؤية عموم المسلمين تجاه الآخرين وتأكيد رؤيتهم نحو حتمية التعايش السلمي مع الأمم الأخرى، حيث ثبت أن تكريس ثقافة العداء والكراهية لا تعود إلا بالوبال على الجميع، وبصورة خاصة على المسلمين الذين يقيمون في الغرب، بل وعلى القضايا الإسلامية بصفة عامة».
المبادرات الغربية
كما تطرق السفير طيب إلى المبادرات الغربية للتعايش مع الإسلام، حيث قال: «والتوازن مع مبادرات العالم الإسلامي، شهدت البلدان الغربية أيضا مبادرات تدعو للتعايش السلمي، ومنها مبادرة (تحالف الحضارات) التي تبنتها الأمم المتحدة، وكذلك تجاوب قادة الدول الغربية مع مبادرة الملك عبدالله لحوار أتباع الأديان والثقافات، ولعل انضمام الفاتيكان لعضوية مركز الملك عبدالله لعالمي للحوار لدليل على استعداد الغرب للتعايش السلمي مع الإسلام»، موضحا أن خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم 4 يونيو 2009م في القاهرة أشاع موجة كبيرة من التفاؤل.
مرحلة الآليات
وقال السفير طيب متحدثا عن الانتقال من مرحلة الأفكار إلى مرحلة الاستراتيجيات عند الحوار: «مع أهمية مبادرات حوار أتباع الأديان وحوار وتحالف الحضارات وغيرها في نشر ثقافة التسامح والوسطية وقبول واحترام الآخر، إلا أنه يجب علينا كمحبين للسلام ودعاة للتعايش السلمي بين الأمم أن نطالب بالانتقال من مرحلة الأفكار والدعوات إلى مرحلة تبني الدول والأمم المتحدة استراتيجيات وآليات مماثلة لتلك التي تبنتها الدول الغربية فيما بينها، والتي استطاعت بموجبها إخراج أوروبا من حالة العداء والصراع والاقتتال المرير فيما بينها على مدى قرون، والتي ذهب ضحيتها عشرات الملايين من البشر، كان آخرها أكثر من ستين مليون نسمة في الحرب العالمية الثانية». مضيفا: «لم نعد نشهد منذ نهاية الحرب العالمية الأخيرة أية حروب كبيرة أو صراعات دموية فيما بين دول الغرب، ويعود فضل ذلك إلى تطبيق التشريعات والمبادئ التي اعتمدتها الدول الغربية في دساتيرها الوطنية وفي المواثيق الدولية على قدم المساواة وبدون أي تمييز».
عصر الوفاق
وعبر السفير طيب عن تفاؤله بمزيد من الوفاق بين الإسلام والغرب، حيث قال: «مهما بدا أفق التعايش السلمي بعيدا بسبب قوة اليمين المتطرف في الغرب حاليا، إلا أنني أتلمس إرهاصات فجر جديد من الوفاق بين الإسلام والغرب».
وذكر طيب ثلاثة أسباب لتفاؤله، هي: أن اليمين القومي المتطرف في أوروبا وأمريكا وإن كان قويا إلا أنه لا يمثل إلا قلة في المجتمع الغربي، وسوف يأخذ في الانحسار كلما تحسنت البيئة الاقتصادية والأمنية، وأن تغير البناء السكاني الديمغرافي في أوروبا وأمريكا يساعد بشكل كبير في تعزيز التسامح وقبول الآخر، وأن الحاجة للتعايش السلمي بين الأمم والشعوب لم تعد مطلبا من الدول الصغيرة، وإنما بات الجميع يطالبون به بعد أن أدركوا أن الأمن والسلام لا يجزآن، ويجب أن تستمتع بهما جميع الشعوب على قدم المساواة.
وأكد السفير طيب أن تلك الرؤية التفاؤلية مرهون تحقيقها بثلاثة أمور: إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية يستعيد بموجبها الشعب الفلسطيني جميع حقوقه الوطنية المشروعة، تطبيق التشريعات الدولية على جميع الدول بالمساواة ودون أي ازدواجية، وإصدار تشريعات دولية ووطنية تدين وتعاقب كل من يسيء إلى الأديان ورموزها المقدسة.