-A +A
ياسر سلامة
أجزم أن معظم المهتمين في الوطن العربي قد فهموا ووعوا وحفظوا أوجه الاختلاف والتباين بين الفرقاء السياسيين في مصر.
فالإخوان يصرون ويؤكدون أن ما حصل ما هو إلا انقلاب وتحزب ومناصرة من الجيش لفئة قليلة (على حد قولهم) أمام الغالبية العظمى من الشعب المصري، وكل طروحاتهم تشير إلى أن ما حدث صراع على هوية الدولة التي يرفضها الليبراليون والعلمانيون ومن معهم ممن يسمون بالفلول، ويصر الإخوان أن رئيسهم هو الرئيس الشرعي الوحيد المنتخب وهو رئيس الثورة وأن هذا الحق لا يمكن أن يسقط إلا عبر صناديق الاقتراع التي أتت به ليكون أول رئيس بعد الثورة وأن جميع مؤسسات الدولة عسكرية أو قضائية أو الأزهر أو الكنيسة وقبلهم مؤسسات الإعلام والإعلاميين قد تآمروا على هذه الشرعية لإسقاطها دون وجه حق.

وعلى الجانب الآخر من الشعب المصري من يري (أنهم الأغلبية العظمى) وأن 30 يونيو هي ثورة ثانية أو الموجة الثانية لثورة الشعب المصري، وأن الشعب في هذا اليوم قال كلمته وأعاد تصحيح مسار الثورة التي استغلها وركب موجتها الإخوان وهم من لم يبدأها ولم يكن يؤيدها أصلاً، ويرى هذا الفريق أنهم هم الشعب ومصدر السلطات وهم من أعطوا للرئيس السابق مرسي أصواتهم لأسباب كثيرة أهمها أن منافسه في الانتخابات كان من وزراء الرئيس الأسبق محمد حسني، وعلى حد قول بعضهم (انهم عصروا على أنفسهم ليمونة وانتخبوه)، ورغم هذا الطرح الذي يؤكده من وجهة نظرهم حصول محمد مرسي على 51 في المائة من الأصوات فقط، يرى هؤلاء أن الرئيس مرسي لم يكن رئيساً لكل المصريين بل كان رئيساً لجماعة وعشيرة الإخوان المسلمين وأنه بهذا المبدأ سعى وجماعته لتدمير جميع مؤسسات الدولة وتهميشها، وأن إعلانه الدستوري الشهير وما يحتويه من صلاحيات تخصه وتحصنه، والدستور وما فيه من عوار (حسب وصفهم) ومجلس الشورى المسيطر عليه إخوانياً وكل هذا ما هي إلا أدوات في يد الرئيس السابق مرسي وجماعته للهيمنة على الدولة وأخونتها، وهذا الفريق من الشعب بطبيعة الحال يصف ما قام به الجيش بأنه تلبية وانتصار لإرادة الشعب وحماية له من تهديد وتطرف وإرهاب الإخوان.
وفي ظل هذا الإصرار والتناحر والتنافر والتباين الكبير من وبين الفرقاء السياسيين في مصر هناك أسئلة تطرح نفسها؟ أين ستذهب البلد إن بقي الحال على ما هو عليه، وهل يظن الإخوان أن من في السلطة الآن ومعهم الجيش وقوات الداخلية وفئات كبيرة من الشعب المصري سيقدمون أكفانهم لهم على أيديهم في الميادين لإرضائهم، أو يظن من في السلطة الآن أن حلما وهدفا وصبرا وكفاحا دام ستين أو سبعين عاماً للإخوان سينتهي لاسيما أن هناك رئيسا منتخبا منهم، ويعلمون جيداً أن هذه الفرصة قد لا تتكرر (ولا بعد خمسين عاماً) كما نقل على لسان أحد زعمائهم. ولهذا ولأن مصر لكل المصريين ولكل العرب والمسلمين فهي في حاجة لصوت العقلاء صوت من الأمة الوسطى الصادقة الأمينة الغيورة على مصلحة الدين والناس والوطن قبل كل شيء، العقلاء الذين يطرحون مبادرة ترضي جميع الأطراف وتحقق المسعى الجميل الذي دائماً ما يكرره الرئيس المؤقت لمصر ويتمناه كل محب صادق لمصر، نداء القاضي قبل أن يكون رئيساً بأن(لا حقد ولا كراهية ولا انقسام ولا صدام ولا تشويه لمن أعطى ولا تشويه لمن اجتهد، فقد حان الوقت لبناء وطن متصالح مع الماضي لأجل المستقبل)، وبالتصالح فقط وبقاعدة لا غالب ولا مغلوب سوف تفتح صفحة جديدة في مصر.