من العجيب أن يتحول الاستثناء إلى قاعدة أو العكس والأسوأ أن يتم سن القوانين على صورة معكوسة تراعي الحالات الاستثنائية النادرة وتضيق على الحالات السوية الشائعة بذريعة خروج البعض عن أطر القاعدة.
عدد كبير من القوانين التي تتعلق بالمرأة أشعر أنه تم صياغتها بالحد الأعلى من سوء الظن الذي يفترض أن المرأة لايمكن الوثوق بحسن تقديرها وتصرفها على الإطلاق رغم أن مجتمعنا برجاله قبل نسائه يقر بأن المرأة السعودية تتسم بالالتزام والعفاف وحسن الخلق والقاعدة فيها الصلاح إلا أن المدهش هو أن نجد الرجل الذي يصف زوجته ووالدته وشقيقته وقريباته بذلك قد يكون هو نفسه من يؤكد على ضرورة وجود قوانين وتشريعات تكبل (كل) النساء الفاضلات بذريعة أن (بعض) النساء قد يسئن استخدام الحقوق والحرية.
كلما استمعت إلى هؤلاء أجد أننا عرفنا القاعدة بينما ظل الاستثناء شبحاً لانرى ظله إلا في الظنون والتكهنات وبعض الحالات التي لاترتقي بعددها إلى حد تصنيفها كظاهرة، وأذكر قصة ظل البريد الإلكتروني يتناقلها منذ أن عرفت الإنترنت حتى اليوم لفتاة من أسرة كريمة وملتزمة ذهبت أسرتها لحضور أحد الأعراس وبقيت في المنزل وحدها فشاهدت مسلسلاً غرامياً وللمصادفة استقبلت معاكسة هاتفية فوقعت في شباك المتصل واستقبلته مباشرة في المنزل ووقعت في الخطيئة ثم تركها عاشق منتصف الليل وأنكر مسؤوليته عن الجريمة... وفي كل مرة تصلني القصة مذيلة بعبارة مختلفة فقد كانت فيما مضى رسالة تحذيرية من مشاهدة التلفزيون ثم أصبحت تحذيراً من الهاتف ثم الإنترنت ثم الجوال والواقع أن سذاجة من يتناقلونها ويصدقونها تجعلهم لايدركون أنهم يسيئون لبناتهم إلى الحد الذي يجعلهم يعتقدون بأنهن قد يفقدن عفتهن إذا ما تم تركهن في المنزل وحدهن بضع ساعات بين أجهزة إلكترونية!!... أغلب الظن أن هذه القصص من (بنات أفكار) صاحبها وهن بنات مصابات (بسرطان فكري) قبل أن يقتل صاحبه يحاول أن يستشري في جسد المجتمع السوي لتسميم ظنونه وتعبئتها بالريبة والشك من الخيال.
من المخجل أن تكون القاعدة هي الشك في سلوك النساء، على الأقل لأنهن من قام بتربية الرجال... وعلى الرجال الذين يشكون في سلوك محارمهم أن يعترفوا بأن حالتهم استثنائية وبالتالي عليهم أن يقوموا بإجراءات احترازية كمنعهم من العمل أو السفر أو استخراج شريحة جوال لا أن يطالبوا تعميم هذه الإجراءات.
اكتب ذلك على إثر صرخات استنكار تلقيتها من إحدى الأخوات بعد أن عجزت عن استخراج شريحة جوال بدون معرف، وقد تلقيت استنكارها ضاحكة لأنني كنت على وشك تمزيق دعوة لحضور مؤتمر في دولة شقيقة، وقد عجزت عن الاعتذار لأنني خجلت من السبب، والسبب أنني اكتشفت على حين غرة بأنني قد أصبحت على «قائمة الممنوعين» من السفر، ليس لذنب ارتكبته ولكن لأن تصريح السفر الذي حرره والدي قد فقد أهليته بعد تجديد الجواز كما أن والدي لظروف صحية فقد قدرته على مرافقتي إلى المطار للتأكيد على أن ابنته ليست هاربة من قبضته التي لم يعد بوسعه كذلك أن يوقع بها على تعهد جديد يقر فيه بأنه يثق في ابنته وبناء على ذلك على إدارة الجوازات أن لاتنظر لها بعين الريبة.
كم يبلغ عدد النساء السعوديات البالغات الناضجات السويات اللواتي يفترض أن نحسن بهن الظن في مقابل النساء اللواتي نتوقع منهن الهروب خارج البلاد، أو إساءة استخدام شريحة الجوال مالم يكفلهن معرف؟!... لعلنا إذا نظرنا إلى هذه النسبة سندرك أن على أصحاب الحالات الاستثنائية أن يطلبوا عند استخراج الجواز عدم السماح لنسائهم بالسفر إلا بمعيتهم أما القاعدة أنه لاتوجد امرأة ولا فتاة ولا حتى رجل يسافر هارباً من أسرته لأغراض مشبوهة فهذا الأمر لايتوافق مع شرعنا وقيمنا الأخلاقية ولامع عاداتنا وتقاليدنا التي نقر بأن الأكثرية الساحقة من المجتمع متمسكة بها فلا داعي لترجيح كفة الظنون على الواقع. تلك أمور تبدو بسيطة إلى حد ما قياساً بخبر لفت انتباهي في صحيفة الرياض الأسبوع الماضي بعنوان «مصاعد تعليم البنات بالرياض تمنع المعوقين وكبار السن من إنهاء معاملاتهم» وبالرغم من أن الصورة المرافقة للخبر كانت عبارة عن صورة رجل معاق عجز عن متابعة معاملة قريبته المعلمة، إلا أنني شعرت بعد قراءة الخبر أنني أمام صورة امرأة معاقة، أو ربما امرأة أعيقت عن الحراك لتعجز حتى عن متابعة معاملة تخصها في إدارة مصنفة بأنها (للبنات)... ولا أدري لماذا لم ننجح بتأنيث هذه الإدارة حتى الآن؟... فالقاعدة عندما انطلق تعليم البنات في المملكة كانت أن السواد الأعظم يخشون من أن تؤدي تلك الخطوة إلى الاختلاط فكانت الدولة بحاجة ليس فقط لفصل الفصول التعليمية ولكن كذلك لفصل الإدارة والمسمى وحيث أنه لم تكن لدينا كوادر نسائية مؤهلة لإدارة هذا القطاع كان من الطبيعي آنذاك أن يخضع تعليم البنات لإدارة الرجال... أما وقد انتفت كل الذرائع فقد آن الأوان لتقود المرأة قطاع تعليمها ويتم إحلال جميع الوظائف والمناصب القيادية التي يحتلها الرجل في تعليم البنات بكوادر نسائية تملك صلاحيات موازية لصلاحيات الرجال في تعليم البنين، والمأمول أن يتم اتخاذ قرار سريع بهذا الشأن لتتولى المرأة أمرها في قطاعها خاصة وأن الخيار الثاني الأصعب هو السماح للمعلمات بمراجعة هذه الأقسام الرجالية لتخليص معاملاتهن، أما الخيار غير المقبول فهو أن يظل عمل المرأة في قطاع التعليم عبئاً على كاهل ولي أمرها وتظل صلاحيات الإدارات النسائية مع وقف التنفيذ إلى حين الرجوع إلى الرجل.
RSS@ARABIYAT.COM
عدد كبير من القوانين التي تتعلق بالمرأة أشعر أنه تم صياغتها بالحد الأعلى من سوء الظن الذي يفترض أن المرأة لايمكن الوثوق بحسن تقديرها وتصرفها على الإطلاق رغم أن مجتمعنا برجاله قبل نسائه يقر بأن المرأة السعودية تتسم بالالتزام والعفاف وحسن الخلق والقاعدة فيها الصلاح إلا أن المدهش هو أن نجد الرجل الذي يصف زوجته ووالدته وشقيقته وقريباته بذلك قد يكون هو نفسه من يؤكد على ضرورة وجود قوانين وتشريعات تكبل (كل) النساء الفاضلات بذريعة أن (بعض) النساء قد يسئن استخدام الحقوق والحرية.
كلما استمعت إلى هؤلاء أجد أننا عرفنا القاعدة بينما ظل الاستثناء شبحاً لانرى ظله إلا في الظنون والتكهنات وبعض الحالات التي لاترتقي بعددها إلى حد تصنيفها كظاهرة، وأذكر قصة ظل البريد الإلكتروني يتناقلها منذ أن عرفت الإنترنت حتى اليوم لفتاة من أسرة كريمة وملتزمة ذهبت أسرتها لحضور أحد الأعراس وبقيت في المنزل وحدها فشاهدت مسلسلاً غرامياً وللمصادفة استقبلت معاكسة هاتفية فوقعت في شباك المتصل واستقبلته مباشرة في المنزل ووقعت في الخطيئة ثم تركها عاشق منتصف الليل وأنكر مسؤوليته عن الجريمة... وفي كل مرة تصلني القصة مذيلة بعبارة مختلفة فقد كانت فيما مضى رسالة تحذيرية من مشاهدة التلفزيون ثم أصبحت تحذيراً من الهاتف ثم الإنترنت ثم الجوال والواقع أن سذاجة من يتناقلونها ويصدقونها تجعلهم لايدركون أنهم يسيئون لبناتهم إلى الحد الذي يجعلهم يعتقدون بأنهن قد يفقدن عفتهن إذا ما تم تركهن في المنزل وحدهن بضع ساعات بين أجهزة إلكترونية!!... أغلب الظن أن هذه القصص من (بنات أفكار) صاحبها وهن بنات مصابات (بسرطان فكري) قبل أن يقتل صاحبه يحاول أن يستشري في جسد المجتمع السوي لتسميم ظنونه وتعبئتها بالريبة والشك من الخيال.
من المخجل أن تكون القاعدة هي الشك في سلوك النساء، على الأقل لأنهن من قام بتربية الرجال... وعلى الرجال الذين يشكون في سلوك محارمهم أن يعترفوا بأن حالتهم استثنائية وبالتالي عليهم أن يقوموا بإجراءات احترازية كمنعهم من العمل أو السفر أو استخراج شريحة جوال لا أن يطالبوا تعميم هذه الإجراءات.
اكتب ذلك على إثر صرخات استنكار تلقيتها من إحدى الأخوات بعد أن عجزت عن استخراج شريحة جوال بدون معرف، وقد تلقيت استنكارها ضاحكة لأنني كنت على وشك تمزيق دعوة لحضور مؤتمر في دولة شقيقة، وقد عجزت عن الاعتذار لأنني خجلت من السبب، والسبب أنني اكتشفت على حين غرة بأنني قد أصبحت على «قائمة الممنوعين» من السفر، ليس لذنب ارتكبته ولكن لأن تصريح السفر الذي حرره والدي قد فقد أهليته بعد تجديد الجواز كما أن والدي لظروف صحية فقد قدرته على مرافقتي إلى المطار للتأكيد على أن ابنته ليست هاربة من قبضته التي لم يعد بوسعه كذلك أن يوقع بها على تعهد جديد يقر فيه بأنه يثق في ابنته وبناء على ذلك على إدارة الجوازات أن لاتنظر لها بعين الريبة.
كم يبلغ عدد النساء السعوديات البالغات الناضجات السويات اللواتي يفترض أن نحسن بهن الظن في مقابل النساء اللواتي نتوقع منهن الهروب خارج البلاد، أو إساءة استخدام شريحة الجوال مالم يكفلهن معرف؟!... لعلنا إذا نظرنا إلى هذه النسبة سندرك أن على أصحاب الحالات الاستثنائية أن يطلبوا عند استخراج الجواز عدم السماح لنسائهم بالسفر إلا بمعيتهم أما القاعدة أنه لاتوجد امرأة ولا فتاة ولا حتى رجل يسافر هارباً من أسرته لأغراض مشبوهة فهذا الأمر لايتوافق مع شرعنا وقيمنا الأخلاقية ولامع عاداتنا وتقاليدنا التي نقر بأن الأكثرية الساحقة من المجتمع متمسكة بها فلا داعي لترجيح كفة الظنون على الواقع. تلك أمور تبدو بسيطة إلى حد ما قياساً بخبر لفت انتباهي في صحيفة الرياض الأسبوع الماضي بعنوان «مصاعد تعليم البنات بالرياض تمنع المعوقين وكبار السن من إنهاء معاملاتهم» وبالرغم من أن الصورة المرافقة للخبر كانت عبارة عن صورة رجل معاق عجز عن متابعة معاملة قريبته المعلمة، إلا أنني شعرت بعد قراءة الخبر أنني أمام صورة امرأة معاقة، أو ربما امرأة أعيقت عن الحراك لتعجز حتى عن متابعة معاملة تخصها في إدارة مصنفة بأنها (للبنات)... ولا أدري لماذا لم ننجح بتأنيث هذه الإدارة حتى الآن؟... فالقاعدة عندما انطلق تعليم البنات في المملكة كانت أن السواد الأعظم يخشون من أن تؤدي تلك الخطوة إلى الاختلاط فكانت الدولة بحاجة ليس فقط لفصل الفصول التعليمية ولكن كذلك لفصل الإدارة والمسمى وحيث أنه لم تكن لدينا كوادر نسائية مؤهلة لإدارة هذا القطاع كان من الطبيعي آنذاك أن يخضع تعليم البنات لإدارة الرجال... أما وقد انتفت كل الذرائع فقد آن الأوان لتقود المرأة قطاع تعليمها ويتم إحلال جميع الوظائف والمناصب القيادية التي يحتلها الرجل في تعليم البنات بكوادر نسائية تملك صلاحيات موازية لصلاحيات الرجال في تعليم البنين، والمأمول أن يتم اتخاذ قرار سريع بهذا الشأن لتتولى المرأة أمرها في قطاعها خاصة وأن الخيار الثاني الأصعب هو السماح للمعلمات بمراجعة هذه الأقسام الرجالية لتخليص معاملاتهن، أما الخيار غير المقبول فهو أن يظل عمل المرأة في قطاع التعليم عبئاً على كاهل ولي أمرها وتظل صلاحيات الإدارات النسائية مع وقف التنفيذ إلى حين الرجوع إلى الرجل.
RSS@ARABIYAT.COM