زار القاهرة، خلال الأيام القليلة الماضية، وفود إقليمية ودولية لاستطلاع الوضع المتأزم بين الحكومة والمعارضة عقب التطورات التي حدثت يوم الثالث من يوليو الماضي لاستجابة الجيش لما عرف بموجة ثورية جديدة حدثت ليلة الثلاثين من يونيه الماضي لتصحيح مسار ثورة يناير، وتمخض عنها تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا مؤقتا للبلاد، وتعطيل مؤقت للدستور المستفتى عليه، وحل مجلس الشورى. ومن يومها دخلت مصر في حالة من عدم الاستقرار لم تقلق فقط المصريين وحدهم، بل والمنطقة والعالم. وتمثل هذا هذا القلق الخارجي لما يحدث في مصر في جهود حميمة إقليمية ودولية تفاعلت في الأيام القليلة الماضية، بحضور نائب وزير الخارجية الأمريكي، ومندوب عن مفوضية العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوربي، ووزيري خارجية قطر والإمارات العربية المتحدة. وتعزز الفريق الدولي والإقليمي هذا بعد أيام بحضور شيخين جمهوريين من مجلس الشيوخ الأمريكي، وهما السيناتور جون مكين والسيناتور لينزي غراهام. وكان قد سبق هذا الحشد للوساطة الدولية زيارة لمفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي الوزيرة كاثرين أشتون، ولحق بها بعد مغادرتها القاهرة وفد من الاتحاد الأفريقي. إلا أن هذه الوفود الدولية والإقليمية سرعان ما واجهت طريقا مسدودا أمامها، وبعد ذلك أعلنت الحكومة المصرية الجديدة انتهاء دور الوفود الخارجية، الذي وصف من قبل المتحدث الرئاسي بأنه تجاوز كل حدود القانون والأعراف الدولية، وفي لغة شديدة اللهجة، وصف نفس المصدر تصريحات السيناتور ماكين، بأنها «خرقاء» استندت على قلب الحقائق!
لكن هل يعني هذا غلق باب جهود الوساطة الدولية. الجواب لا، حتى من قبل السلطات الرسمية في مصر. وهذا لا يعد تراجعا من حكومة الرئاسة المصرية المؤقتة التي سبق ووصفت مثل هذه الجهود الدولية والإقليمية بأنها تجاوزت حدود القانون والأعراف الدولية، وبالرغم من الهجوم الذي الذي تعرض له السيناتور مكين، عندما وصفه الناطق باسم الرئاسة بأنه قلب الحقائق وصدرت عنه تصريحات «خرقاء». كما أن الكلام الرسمي عن إمكانية فتح باب الجهود الدولية للمساعدة لحل الأزمة السياسية في مصر لا يتعارض مع ما جاء على لسان حكومة الدكتور الببلاوي بفشل تلك الجهود وقرارها بالشروع في خطط فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر.
كل ما في الأمر أن الرئاسة والحكومة المؤقتة وكذا الجيش يقدرون أن من مصلحتهم ومصلحة البلاد تجنب المزيد من إراقة الدماء، وأن من مصلحة حكام القاهرة الجدد رمي الجدل حول مشروعية ما قاموا به وجهودهم لترسيخ الواقع الجديد جانبا والمضي قدما في تطبيق خريطة الطريق التي أعلن عنها الفريق السيسي يوم الثالث من يوليو الماضي. كما أنه ــ في المقابل ــ ما حدث في جولة الوساطة الإقليمية والدولية الأولى لم ولن ينجح في إدخال تلك الوساطة لمرحلة اليأس من معاودة الكرة. فمصر أكبر من أن يتجاهل ما يحدث فيها أي طرف أو تكتل إقليمي أو دولي. يؤكد هذا التحليل، أن أعضاء تلك الوفود لم تفارقهم بشرى الأمل من معاودة الكرة. بل إنه بعد يومين من إعلان السلطات المصرية فشل جهود ما أسمته بالوساطة الدولية، صدر بيان مشترك من الاتحاد الأوربي والولايات المتحد قيم فيه جهود المتغير الإقليمي والدولي لمساعدة المصريين على الخروج من الأزمة، وبعد تأكيد ذلك البيان على إصرار الجانبين الأمريكي والأوربي من أن الحل لا يمكن إلا أن يكون سياسيا، وليس أمنيا، أبدى كلاهما استعداده للعودة مرة أخرى لبذل الجهود مع آخرين لمساعدة الفرقاء المصريين على التوصل لحل ليس بالضرورة يرضي جميع الأطراف، ولكنه يعكس ــ في النهاية ــ انتصارا لمصر والمصريين.
ويمكن للمراقب أن يلاحظ أن هناك اختراقا لم يلحظه أحد لتلك الجهود الدولية ضاع في خضم الحديث عن فشل تلك الجولة اليتيمة من الجهود الإقليمية والدولية لمساعدة طرفي الصراع في مصر. لم يعد الجدل، على الأقل من وجهة نظر الأطراف الدولية والإقليمية يدور حول النقطة التقليدية: عن مشروعية أو عدم مشروعية ما حدث في الثالث من يوليو، وهو ما يمكن أن يكون قد فهم خطأ من مثال «البطة» الذي أشار إليه السيناتور جون مكين. ما كان يقصده السيناتور مكين أن الوقت والأحداث قد تجاوزت الجدل حول ما حدث في الثالث من يوليو كان انقلابا عسكريا أم أي شئ غير ذلك. بدلا عن ذلك أن نقطة البداية لا بد أن تكون الإعلان عن إيمان وتأكيد جميع أطراف الأزمة في مصر بأن الحل لا يمكن تصوره إلا أن يكون سياسيا وليس أي شيء غير ذلك. نقطة بداية جديدة في طريق الحل جاءت بها الأطراف الدولية والإقليمية تبعد أطراف معادلة الصراع في مصر عن خط التشدد والتطرف في مواقفهم السابقة.
ولعل ما يؤكد على نقطة البداية هذه عن استراتيجية الحل السياسي السلمي لحل الأزمة بدل الجدل الذي يبدو عقيما حول مفاهيم المشروعية واللا مشروعية لحدث لا يمكن تجاهل واقعه من قبل الطرفين، أنه قد لا يكون مستغربا أن يجمع أطراف الجهود الدولية والإقليمية دون سابق تنسيق بينها أن تكون البداية: الإفراج عن المعتقلين السياسيين من أجل بناء الثقة بين الجانبين، والبدء في حوار جدي ناضج متكافئ للخروج من الأزمة. وربما توفر مثل هذا التطور يسمح بمواصلة أية جهود للوساطة الفعالة والمثمرة، مستقبلا.
الكرة الآن في ملعب أطراف معادلة الصراع الداخلي في مصر، هل يباشرون في التحيز لخيار الحل السلمي أم يظلون متمرسين في مواقعهم الهشة ومواقفهم المتخشبة. المعادلة الصفرية ليست خيارا لأي من الطرفين لارتفاع تكلفة الاستمرار وغموض تقدير عائدها. لا بد أن تنزع مشروعية العنف، من كلا الطرفين لحل الأزمة. حتى لو قادت المعادلة الصفرية لانتصار أحد الطرفين على الآخر، فإن هذا الانتصار لن يكون مكلفا لدرجة فقدان النصر لحماس وفرح من حققه، بل أيضا سيكون انتصارا مؤقتا لن تسمح لا المتغيرات الداخلية ولا الظروف الدولية باستمراره، وسريعا ما يعود أطراف الصراع لحلبة الصراع مرة أخرى، ربما باستراتيجيات وتكتيكات أكثر فتكا ومضاء.
المتغير الخارجي تدفعه مصالحه في استقرار مصر، أو عدم استقرارها... وليس شعارات الأخوة والإنسانية والديمقراطية والعدل والسلام. ولهذا ليس من المتوقع أن تقف الجهود الدولية لمساعدة المصريين على تجاوز الظرف الحرج الذي تمر به بلادهم عند هذا الحد. من المتوقع أن تتواصل هذه الجهود، سواء أراد أطراف الصراع هذا أم لم يريدوه أو أراده بعضهم ولم يرغب فيه البعض الآخر. بل إنه ليس من المستبعد أن تنظم لجهود الجولة الأولى أطراف دولية وإقليمية جديدة. وتكمن خطورة المتغير الخارجي هنا عندما يكون متاحا لديه فرض الحل، ويتجاوز مرحلة الوساطة والمساعي الحميدة في تقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع ويترك الحل ضمن خيارات وتقديرات النخب السياسية الوطنية. عندها يخسر الجميع، وتكون نتيجة أي تدخل خارجي في فرض حل أجنبي، خصوصا إذا جاء من قبل طرف دولي فاعل، أسر القرار المصري رهينة لذلك الطرف الأجنبي، وعندها لن يتبقى الكثير لا من استقلال مصر ولا من حرية شعبها.
للمتغير الخارجي في حل الأزمة السياسية في مصر فوائده ومحاذيره، وبين هذه وتلك، خيط رفيع يجب ألا يلهي أطراف الصراع على السلطة في مصر التنبه له والحذر من تجاوز معالمه.
لكن هل يعني هذا غلق باب جهود الوساطة الدولية. الجواب لا، حتى من قبل السلطات الرسمية في مصر. وهذا لا يعد تراجعا من حكومة الرئاسة المصرية المؤقتة التي سبق ووصفت مثل هذه الجهود الدولية والإقليمية بأنها تجاوزت حدود القانون والأعراف الدولية، وبالرغم من الهجوم الذي الذي تعرض له السيناتور مكين، عندما وصفه الناطق باسم الرئاسة بأنه قلب الحقائق وصدرت عنه تصريحات «خرقاء». كما أن الكلام الرسمي عن إمكانية فتح باب الجهود الدولية للمساعدة لحل الأزمة السياسية في مصر لا يتعارض مع ما جاء على لسان حكومة الدكتور الببلاوي بفشل تلك الجهود وقرارها بالشروع في خطط فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر.
كل ما في الأمر أن الرئاسة والحكومة المؤقتة وكذا الجيش يقدرون أن من مصلحتهم ومصلحة البلاد تجنب المزيد من إراقة الدماء، وأن من مصلحة حكام القاهرة الجدد رمي الجدل حول مشروعية ما قاموا به وجهودهم لترسيخ الواقع الجديد جانبا والمضي قدما في تطبيق خريطة الطريق التي أعلن عنها الفريق السيسي يوم الثالث من يوليو الماضي. كما أنه ــ في المقابل ــ ما حدث في جولة الوساطة الإقليمية والدولية الأولى لم ولن ينجح في إدخال تلك الوساطة لمرحلة اليأس من معاودة الكرة. فمصر أكبر من أن يتجاهل ما يحدث فيها أي طرف أو تكتل إقليمي أو دولي. يؤكد هذا التحليل، أن أعضاء تلك الوفود لم تفارقهم بشرى الأمل من معاودة الكرة. بل إنه بعد يومين من إعلان السلطات المصرية فشل جهود ما أسمته بالوساطة الدولية، صدر بيان مشترك من الاتحاد الأوربي والولايات المتحد قيم فيه جهود المتغير الإقليمي والدولي لمساعدة المصريين على الخروج من الأزمة، وبعد تأكيد ذلك البيان على إصرار الجانبين الأمريكي والأوربي من أن الحل لا يمكن إلا أن يكون سياسيا، وليس أمنيا، أبدى كلاهما استعداده للعودة مرة أخرى لبذل الجهود مع آخرين لمساعدة الفرقاء المصريين على التوصل لحل ليس بالضرورة يرضي جميع الأطراف، ولكنه يعكس ــ في النهاية ــ انتصارا لمصر والمصريين.
ويمكن للمراقب أن يلاحظ أن هناك اختراقا لم يلحظه أحد لتلك الجهود الدولية ضاع في خضم الحديث عن فشل تلك الجولة اليتيمة من الجهود الإقليمية والدولية لمساعدة طرفي الصراع في مصر. لم يعد الجدل، على الأقل من وجهة نظر الأطراف الدولية والإقليمية يدور حول النقطة التقليدية: عن مشروعية أو عدم مشروعية ما حدث في الثالث من يوليو، وهو ما يمكن أن يكون قد فهم خطأ من مثال «البطة» الذي أشار إليه السيناتور جون مكين. ما كان يقصده السيناتور مكين أن الوقت والأحداث قد تجاوزت الجدل حول ما حدث في الثالث من يوليو كان انقلابا عسكريا أم أي شئ غير ذلك. بدلا عن ذلك أن نقطة البداية لا بد أن تكون الإعلان عن إيمان وتأكيد جميع أطراف الأزمة في مصر بأن الحل لا يمكن تصوره إلا أن يكون سياسيا وليس أي شيء غير ذلك. نقطة بداية جديدة في طريق الحل جاءت بها الأطراف الدولية والإقليمية تبعد أطراف معادلة الصراع في مصر عن خط التشدد والتطرف في مواقفهم السابقة.
ولعل ما يؤكد على نقطة البداية هذه عن استراتيجية الحل السياسي السلمي لحل الأزمة بدل الجدل الذي يبدو عقيما حول مفاهيم المشروعية واللا مشروعية لحدث لا يمكن تجاهل واقعه من قبل الطرفين، أنه قد لا يكون مستغربا أن يجمع أطراف الجهود الدولية والإقليمية دون سابق تنسيق بينها أن تكون البداية: الإفراج عن المعتقلين السياسيين من أجل بناء الثقة بين الجانبين، والبدء في حوار جدي ناضج متكافئ للخروج من الأزمة. وربما توفر مثل هذا التطور يسمح بمواصلة أية جهود للوساطة الفعالة والمثمرة، مستقبلا.
الكرة الآن في ملعب أطراف معادلة الصراع الداخلي في مصر، هل يباشرون في التحيز لخيار الحل السلمي أم يظلون متمرسين في مواقعهم الهشة ومواقفهم المتخشبة. المعادلة الصفرية ليست خيارا لأي من الطرفين لارتفاع تكلفة الاستمرار وغموض تقدير عائدها. لا بد أن تنزع مشروعية العنف، من كلا الطرفين لحل الأزمة. حتى لو قادت المعادلة الصفرية لانتصار أحد الطرفين على الآخر، فإن هذا الانتصار لن يكون مكلفا لدرجة فقدان النصر لحماس وفرح من حققه، بل أيضا سيكون انتصارا مؤقتا لن تسمح لا المتغيرات الداخلية ولا الظروف الدولية باستمراره، وسريعا ما يعود أطراف الصراع لحلبة الصراع مرة أخرى، ربما باستراتيجيات وتكتيكات أكثر فتكا ومضاء.
المتغير الخارجي تدفعه مصالحه في استقرار مصر، أو عدم استقرارها... وليس شعارات الأخوة والإنسانية والديمقراطية والعدل والسلام. ولهذا ليس من المتوقع أن تقف الجهود الدولية لمساعدة المصريين على تجاوز الظرف الحرج الذي تمر به بلادهم عند هذا الحد. من المتوقع أن تتواصل هذه الجهود، سواء أراد أطراف الصراع هذا أم لم يريدوه أو أراده بعضهم ولم يرغب فيه البعض الآخر. بل إنه ليس من المستبعد أن تنظم لجهود الجولة الأولى أطراف دولية وإقليمية جديدة. وتكمن خطورة المتغير الخارجي هنا عندما يكون متاحا لديه فرض الحل، ويتجاوز مرحلة الوساطة والمساعي الحميدة في تقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع ويترك الحل ضمن خيارات وتقديرات النخب السياسية الوطنية. عندها يخسر الجميع، وتكون نتيجة أي تدخل خارجي في فرض حل أجنبي، خصوصا إذا جاء من قبل طرف دولي فاعل، أسر القرار المصري رهينة لذلك الطرف الأجنبي، وعندها لن يتبقى الكثير لا من استقلال مصر ولا من حرية شعبها.
للمتغير الخارجي في حل الأزمة السياسية في مصر فوائده ومحاذيره، وبين هذه وتلك، خيط رفيع يجب ألا يلهي أطراف الصراع على السلطة في مصر التنبه له والحذر من تجاوز معالمه.