-A +A
محمد الأحمد
الحب كلمة تحمل من المعاني السامية ما يفوق الوصف، فهي ليست كلمة تقال، وإنما واقع يعيشه المحب لحبيبه من نصح وإرشاد، بذل وعطاء، تضحية وإيثار، تفقد ودعاء، إنها معانٍ عظيمة تظهر على المتحابين، ولهذا لما كان هذا العمل عظيما كان الجزاء عليه كبيرا من الرحمن الرحيم،
فهي كلمة لو طبقت بمعانيها السامية التي أمرنا بها الله ــ عز وجل ــ ورسول الكريم ــ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ــ لحقنت بها الدماء وسلمت بها القلوب وتصافت بها النفوس واطمأنت بها البيوت. وكيف لا يكون ذلك والمقصود بهذا الحب هو الله ــ جل جلاله. فمهما أبعدتك الأيام والأشهر والسنون عن من تحب تجد مكانك في قلبه محفوظا لم يتغير منه شيء؛ لأنه في الله ومن الله وإلى الله، وينتهي بإذن الله على منابر النور التي وعدنا بها الله ــ عز وجل. عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله عبادا ليسوا بأنبياء يغبطهم الأنبياء والشهداء» قيل: من هم لعلنا نحبهم؟ قال: «هم قوم تحابوا بنور الله من غير أرحام ولا أنساب، وجوههم نور، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس»، ثم قرأ: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (يونس: 62).
اللهم اجعلنا منهم، وألحقنا بهم، واجعلنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين أخرج الطبراني: (150) بإسناده عن أبي إدريس الخولاني قال: «دخلت مسجد دمشق، فإذا أنا بفتى براق الثنايا طويل الصمت، وإذ الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألت عنه، فقيل: معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلي، فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه، وقلت: إني والله لأحبك لله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، قال: آلله؟ فقلت: آلله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، قال فأخذ بحبوة ردائي، فجبذني إليه، وقال: أبشر؛ فإني سمعت رسول الله يقول: «قال الله: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في».
وكلنا يعلم أن الحب الذي يكون في مصلحة دنيوية ينتهي عاجلا أم آجلا بانتهاء المصلحة التي أحب الشخص لأجلها إلا من رحم الله من عباده ولا يبقى سوى الحب الخالد الذي يكون من أجل الله.
ونجد أن الإسلام يربط أتباعه برباط الحب الذي يوجد المجتمع المتحاب، ورسول الله يعلن عن الوسائل التي تقوي هذا الحب، وتزيده، أخرج مسلم في صحيحه عن رسول الله قال: «ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم! أفشوا السلام بينكم».
وقديما قيل: جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها.
ولهذا نجد أن النبي يعلم أتباعه حلاوة الحب لله، ويبين لهم الأثر المحمود لهذا الحب، أخرج البخاري ومسلم (43) عن رسول الله قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)).
الحق أن المسلم إذا أحب لله ذاق أثر ذلك في نفسه من الراحة والاطمئنان، ونال في الآخرة الأجر العظيم الذي أعد الله للمتحابين فيه، ولهذا حرص الإسلام على القواعد التي تجعل هذا الحب واقعا ملموسا يعيشه المسلم، ويستظل به في هذه الدنيا، يقول: «إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه» (أبو داود والترمذي».
إنه توكيد لهذا الحب وإعلام للغير به حتى لا يكون هذا الحب من طرف واحد.
إن الإسلام يشيع الحب بين أتباعه حتى يكون المجتمع متآلفا، أخرج أبو داود عن أنس ــ رضي الله عنه ــ أن رجلا كان عند النبي، فمر رجل به فقال: يا رسول الله، إني أحب هذا، فقال له النبي: «أأعلمته»؟ قال: لا، قال: «أعلمه». فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له. و‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ــ ‏رضي الله عنه ــ ‏أن رسول الله‏ ــ ‏صلى الله عليه وسلم ــ‏ ‏قال: «فوالذي نفسي بيده ‏لا يؤمن ‏ ‏أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده». وأخيرا أسأل الله العلى العظيم أن يرزقنا وإياكم حبه وحب كل عمل يقربنا إليه وحب حبيبه سيدنا محمد ــ صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام الطيبين.

habutalib@hotmail.com