-A +A
علي فقندش

ليس هم الفنانون فقط من لا يعرف أصول الغناء! ذاك لأن كثيرين من المتابعين والمتلقين أيضا لا يعرفون كيف يسمعون بطريقة صحيحة، لكن يظل من يتحمل تبعات ذلك بعض الفنانين الذين لا يعرفون كيف يغنون، والمصيبة الأكبر لا يعرف بعضهم ما هو الذي يغنيه ويردده، ذلك كونه لا يعي معنى الكلام أو النص والصورة المكتوبة التي يرددها، كثيرون هم ــ للأسف ــ من يأخذ بيد المتلقي إلى الأمية في عالم الفن، وفي رأيي ليس أسهل من هذا رغم أن السواد الأعظم من المتلقين أكثر ذكاء وإدراكا من بعض الفنانين الذين نجدهم مرددين دون يعوا معنى وصورة ما يقدمون، وهذا ما حدث في كثير من الأغنيات الشهيرة في عالمنا العربي، بل وفي عيون الأغنيات وأشهرها، وعلى سبيل المثال واحدة من أغنيات بدايات القرن العشرين في العراق «فوق إلنا خل فوق فوق»، والتي بلغت شهرتها كل الخريطة العربية، ورددها كثير من الفنانين العرب، إلى جانب كل نجوم الغناء في العراق منذ ناظم الغزالي وعفيفة اسكندر، ومرورا بالكثيرين مثل ياس خضر وسعدون جابر وغيرهم من الفنانين، إلى كاظم وماجد وغيرهم، وهي الأغنية التي ينسبها البعض إلى التراث اعتقادا بأنها ضاربة في عمق التاريخ لصدقها وبساطة صورتها ومذهبية لحنها، حيث غناها كثيرون بـ«فوق النخل فوق فوق» رغم عدم توافق النص مع هذا المطلع، إذ ليس من المعقول أن يكون المعنى أن الشاعر يتغنى بحبيبه وهو فوق النخلة مثلا، بينما المعنى الواضح في النص، وفيما يلي من كلام لهذا المطلع يدلل على أن الشاعر يتحدث عن حبيبه فوق، كما هي واردة هذه الكلمة إلى الآن في مكان ما من عالمنا العربي يقصدون به بلدة أعلى منطقة في البلدة أو المدينة أو بلدة أخرى مجاورة أعلى ارتفاعا، ولدينا مثال في الشام ولبنان مثلا عندما يعود إلى مدينة ساحلية يقول «كنت فوق»، أي في منطقة جبلية وهكذا، المهم أن كثيرا من الفنانين العرب يردد هذه الأغنية بقوله «فوق النخل فوق»، وهي العبارة التي لا تكملها تلك التي بعدها، بل إن ما يليها يدلل على أنها «فوق إلنا خل فوق»، وهو النص الذي يقول:

فوق إلنا خل فوق فوق يابا فوق فوق

مدري لمع خده يابا مدري القمر فوق

والله ماريده باليني بلوة

وهنا يتضح من مذهب الأغنية معنى صحة الاسم المشار إليه، عموما مثل شوائع الأخطاء في أشهر الأغنيات فيه الكثير من عدم الدقة في فهم النص إلى الدرجة التي تكاد تقنعنا بأن الخطأ الشائع مقبول أكثر من الصحيح المهمل وغير مستخدم في اللغة.

فاصلة ثلاثية

لابن تبانة:

عذولي لست أسمع منه قولا

على غيداء مثل البدر تما

ولمعروف الرصافي:

سحر بعينيك يستهوي القلوب وما

ينفك في هتك عباد ونساك

وللبهاء زهير:

سمعت أوصافك الحسنى فهمت بها

فكيف إن نلت ما أرجو من النظر