-A +A
بثينة النصر
يسجل حضورا متواضعا هنا كل أسبوع أبعد ما يكون عن الصورة النمطية الضيقة الشائعة عنه.. التي ربما يصدقها هو عن نفسه أحيانا...!
***
رقيقة هي، حالمة، وطيبة. يومها يبدأ بالاطلاع على آخر أخبار عالم هوليوود وحكايا الطبقات المخملية، وتترصد ما تلتقطه عدسات البباراتزي في ملاحقتها خصوصيات المشاهير، ولا تجد في ذلك التطفل سوى خدمة روحية، ديدنها: خالص الامتنان لمن لا يفتأ يقدمها لها..! الصحافة التي نسميها نحن صفراء هي بالنسبة لها عالم وردي. تنعش أحلام يقظتها، تهذب قساوة واقعها، وتجعلها تحلق في خيالات تدعم غريزة بقائها. على صفحتها الخاصة في الشبكة الاجتماعية اختارت إحدى أميرات أوروبا اللامعات صورة لهوية حسابها الشخصي! والملفت اهتمامها باحتفالات الزواج الأسطورية، والتي لا يفتأ الإعلام يغازلها بتفاصيل بهرجها وبابتسامات أصحابها العريضة. وحتى اسمها المعلن استعارته من بين ثنايا عبق ما تتنفسه هائمة فوق السحاب: «أميرة القصر»... الواقع أنه لا يوجد قصر ولا نهر ولا مرج ولا خيل، وبالكاد تلمح شجرة مخضرة في محيطها..! وشهادة التمريض التي حازت عليها لم تأت لها بالفارس النبيل في مجتمع يحترف الوصم في شؤون حيوية حين تكون صاحبة الشأن فتاة، ما أعطاها مساحة لا بأس بها لتصبغ عليه أوصافا شبه مستحيلة، كأن يكون أشقر بعيون زرقتها بحر! خلقت ملاذها الآمن.. لترتمي في أحضانه كل ليلة، وهي في حلمها أجمل عروس يمكن أن يتخيلها أعتى مخرج فيديو كليب!!
صحيح أن صوت والدتها حين تقتحم عليها خلوتها شاكية مثلا، تحدثها متبرمة من تسمر أخيها بالساعات على ألعاب الفيديو وقد بلغ التاسعة عشرة يجعلها ترتطم بالواقع!!
لكنها لا تعدو دقائق حتى تعود لتسلق قوس قزح وتغوص في أبعاد ألوانه من جديد..
في المستشفى هي متفانية دون التعلق بالتفاصيل، وإن نطقت فابتسامتها تسبقها، فاللطف هو سمة النجمة التي تتنفس بداخلها. تسارع بالهرب من زميلها أخصائي الأشعة المهووس بالسياسة!! كما تتجنب صحبة مسؤولة الاستقبال البارعة في اجتماعياتها، أو مساعدة طبيب العيون بنظراتها الحاذقة، خصوصا بعد أن صدعنها آخر مرة بتنظير غريب حول قيمة المرأة وحقوقها وأوليات حياتها!! حتى أن إحداهن كانت تتفاخر بعزمها على توفير تكاليف زفة وحفل مستهلك اجتماعيا لا يعني لها شيئا لتجهز وخطيبها بيت الزوجية!.. بل والقشعريرة لا تزال تتمكن من السريان في بدنها وهي تتذكر صورة من سيكون رفيق عمر زميلتها، المهندس المتواضع ماديا، الأصلع!! مؤخرا قررت التقديم على بعثة لاستكمال دراساتها العليا في الخارج، ستجتهد وتخوض غمار التحديات وتصحب معها شقيقها الأصغر بجهاز البلاي ستيشن خاصته ليكون محرمها في الغربة، لا من أجل طموح علمي يراودها أو تفوق يشعل بداخلها إثبات الذات، هي فقط تريد أن تكون أقرب من حلمها بصورة سطحية بامتياز!.. فكلنا نعلم بأن لا فرص أمام حضرتها للالتحاق بدروس باليه، أو علوم مسرح، ولا حتى زيارة برودواي، فهو مشوار مستبعد على عضلات ساقيها أن تخطوه، لكن دماغها المغلف بالكثير والكثير من معطيات الوهم لربما ينضج في الغربة، ويتحرك بشكل يحررها كفتاة بسيطة من شرنقة خواطر مغرقة في السذاجة، دأبت على تطويقها بها وكثيرات من بنات جيلها ذبذبات إعلام تجاري موجه لا يرحم. ربما تكتشف هوية لها أخيرا مستقلة عن الزيف، تجيد التحليق نحو آفاق أحلام تليق بها. وقد يخفق قلبها لأسمر، ابن بلد، أصيل وبسيط ومكافح، لا يشبه نجوم تصنيع ثقافة رأس مال اليوم في شيء.


mrcitizen.okaz@gmail.com