-A +A
عبدالوهاب إبراهيم أبوسليمان
غادرنا إلى رحمة الله ورضوانه العلم الفقيه الذي لا يخطئه تاريخ هذه البلاد العزيزة، ولا يتجاوزه القلم، ولا يأتي عليه النسيان، معالي الدكتور عبدالملك بن عبدالله بن دهيش، مساء الخميس الثالث والعشرين من شهر شوال عام 1434هـ، الموافق 29 أغسطس عام 2013م.
له من الصفات الخلقية، والكمالية العديد:

فقيه، ذكي، اجتماعي، يعرف لكل قدره، فلذا لم تضن عليه المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية، مسقط رأسه.
لم تعزله مناصبه الرفيعة حين تولاها عن المجتمع المكي الذي ترعرع في أحضانه، أحب هذا المجتمع، وبادله حبا بحب، وبكل الإجلال والتقدير، وحين اعتزل كل تلك المناصب زاد قربا منه، يحس آلامه، ويشاركه آماله.
زادته مناصبه الرفيعة التي تولاها حبا، وتعلقا بمكة والمكيين، وقربا من أهلها.
أصبح علما من أعلام مكة المشرفة، شاهد على حاضرها، شارك بكل إخلاص في حل مشاكل أسرها، فكان الملجأ والملاذ بعد الله ــ عز وجل، يقصده أهلها في سرائهم، وضرائهم، فكان المستشار الأمين، حافظا للأسرار.
كان خير عون بعد الله ــ عز وجل ــ لبعض طلاب الدراسات العليا في غربتهم؛ لإكمال رسائلهم العلمية، فلم يضن بما يدخره من معلومات، كان أحد الأسباب بعد الله ــ جل وعلا ــ في تجاوزهم العقبات.
يطرق بابه العزيز، والذليل فيجد منه الجميع رحابة الصدر، وحسن الاستقبال، بلا ضجر، ولا ملل.
أما منزله المبارك بمكة المكرمة في حي العزيزية، فقد أصبح معلما يؤمه الأهالي، والحجاج، والمعتمرون، القادمون من أصقاع الدنيا على اختلاف مذاهبهم، يقصده العلماء، وطلاب العلم، يخرجون منه بطانا، محملين بنفائس المطبوعات، كما يقصده ذوو الحاجات فيكرمهم، ويسخو عليهم بماله.
كان له حضوره ــ رحمه الله تعالى ــ في الاجتماعات، واللجان العلمية، فكان عضوا فاعلا فيها، مشاركا في نقاشاتها، وقراراتها.
جهوده العلمية في مجاله التخصصي: الفقه وعلوم الشريعة لا يزاحمه فيها أقرانه، قد أثرى المكتبة الشرعية، والتاريخية المكية فأخرج نفائس المؤلفات، وأمهاتها في التفسير والحديث، وكتب فقه المذهب الحنبلي، تحقيقا، وتأليفا، بذل في هذا المجال ما من الله به عليه من مال بسخاء، وبذل نادر.
مكة المكرمة قبلة الإسلام، منبع الإيمان مقره، ومعقد عزه، أحبها، واتخذها موطن إقامته، قدم لها بعض ما تستحقه من المحبين لها، لم تصرفه المناصب عنها، بل اشتد حبه، والتزامه بها من قبل، ومن بعد، إعظاما لشعائر الله، وحبا في أهلها، واعتزازا بتاريخها، أحيا من تاريخها القديم، والحديث ما بقي مطويا لقرون عديدة، فأبرز من نفائسها الكثير مما يتطلع إليه الباحثون، أخرج من طي النسيان تراثها المكنون بما يضاعف التعلق بها، وبما لم يسبق إليه، نشرا يضاعف حبها، والإيمان بمكانتها، ومكانة أهلها، والمقيمين بها.
جهده ــ رحمه الله تعالى ــ في هذا الميدان لا يسبقه فيه المتنافسون.
ألف عنها، وعن حرمها الشريف، فأخرج بحوثا عديدة نفيسة فيها، بل بينها بعض البحوث غير المسبوقة، لعل من أهمها بحثه القيم المفيد غير المسبوق عن (الحرم المكي الشريف والأعلام المحيطة به) بذل له من جاهه وماله، ووقته، وجهده الكثير مما تعجز عنه المؤسسات الرسمية.
أخلص ــ رحمه الله ــ لمكة، واعتز بأهلها، في صدقهم، وحسن تعاملهم، فبذل لها من جاهه، ووقته، وماله الكثير.
قد أحسن ابنه الدكتور هشام ــ حفظه الله ــ بتدوينه كافة مطبوعاته، ومؤلفاته في كتاب بعنوان (أضواء على مؤلفات وتحقيقات معالي الشيخ أ. د. عبدالملك بن عبدالله بن دهيش سلمه الله ورعاه) يقع في مائة وثمانين صفحة، بلغ مجموعها واحدا وثلاثين مؤلفا، فكفى الباحثين مشقة كبيرة في معرفة عناوينها، ومضمون موضوعاتها.
كان لمعالي الدكتور عبدالملك ــ رحمه الله تعالى ــ إسهاماته الجليلة في مكتبة مكة المكرمة (المولد النبوي الشريف)، فكان عطاؤه عطاء من لا يخشى الفقر.
إسهاماته الجليلة فيما تبقى من معالم مكة المكرمة، ودفاعه عن أهلها خير شاهد على نبله، ووفائه، وحبه، قد ترك ــ رحمه الله تعالى ــ بصماته الخالدة على التراث الإسلامي بعامة، وتراث مكة بخاصة بما سيكون له ــ إن شاء الله ــ شفيعا يوم القيامة، يثقل موازينه يوم الحساب، تذكره الأجيال القادمة بحسن الذكر، والذكر للإنسان عمر ثانٍ.
إن مكة المكرمة بجميع أوساطها العلمية، والاجتماعية تنعاه، وتدعو المولى ــ جل وعلا ــ أن يرفع درجاته في الآخرة بما قدم لهذه الأمة في حاضرها، وبما بر به تراث أمته، وقبلتها المشرفة، والعزاء الجميل لأهله، وذويه ذكورا، وإناثا، وللوسط العلمي، والاجتماعي في مكة المكرمة، وجميع محبيه أينما حلوا، وحيثما وجدوا، والله يتولى الصالحين، وإنا لله، وإنا إليه راجعون، اللهم أجزه خير الجزاء، وأنله رضوانك، وسعة رحمتك آمين، آمين، آمين يا رب العالمين.