الترفيه ثقافة اجتماعية تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، كما تختلف باختلاف الفئات الاجتماعية التي تحرص على الترفيه. ففي عصرنا الحاضر للترفيه تبعات مادية، وترتيبات اجتماعية يحددها كل مجتمع تبعا لأنماط السلوك العام في المجتمع. غير أن أهم عنصر في الترفيه وهو العفوية التي تشكل متعة بحد ذاتها لم يعد قائما. فالترفيه أصبح مرهقا ماديا لكثير من الفئات الاجتماعية. كما أن الترفيه لم يعد ميسورا لأنه يحتاج إلى مزاحمة المئات على الأماكن المحدودة.
في مجتمعنا تحول الترفيه إلى صناعة تعتمد الربح، وتتغاضى عن حقوق الأفراد في الاستمتاع بملكيات المجتمع الطبيعية. في مجتمعنا أصبحت مقرات الإيواء السياحي مفرطة في أسعارها، بخدمات متواضعة جدا. فهل من شروط الترفيه أن ينفق الناس ثروة، وأن يستدينوا من أجل إدخال البهجة على أفراد أسرهم.
في معظم مدن المملكة المطلة على البحار تتمتع بشواطئ تستحق أن تزار، وتستحق أن يقضي فيها الأفراد أوقاتا ماتعة، السباحة لمن يرغب، والصيد لمن يهوى، والغوص لمن يقدر، والاستمتاع بالرمال الناعمة للغالبية العظمى. المفارقة أن كل هذه الأنشطة ممنوعة إن لم تدفع مبالغ طائلة، لأن معظم الشواطئ أصبحت أملاكا خاصة، بعضها تحول إلى مناطق استثمارية، وبعضها مغلق بوصفها حيازات خاصة. أن يغلق البحر وتسد منافذه على الناس فهذه كارثة تبدأ بالسيد المسمى فساد، وتنتهي بحرمان الآلاف من المواطنين من أن يستمتعوا بشواطئ مدنهم أسوة بمدن العالم. فالمتاح للمواطنين والمقيمين في أغلب المدن الشاطئية وخاصة مدينة جدة لا يتجازو 20 % من إجمالي الشريط البحري الطويل الذي يزيد على 100 كيلومتر.
تشكل المواقع الطبيعية كالشواطئ والحدائق العامة أهم مصادر الترفيه دون تبعات مالية، بوصفها حقا مشاعا وملكية عامة لا يجوز التملك فيها أبدا. غير أن واقع الحال ينبئ عن عكس ذلك تماما، فلا شواطئ متاحة، ولا حدائق عامة متوفرة. فنسبة الحدائق المستصلحة قليلة جدا، وما هو موجود مجرد فراغات مهملة، ومكب للنفايات والسيارات التالفة داخل الأحياء.
ولأن الترفيه غريزة طبيعية في الإنسان، فالكثير ممن حرموا ممارسته في ظروف إنسانية كريمة يضطرون للاقتعاد داخل الجزر في الطرقات العامة مع ما قد يتعرضون له من مخاطر الحوادث، وتلوث عوادم السيارات، والأعين الفضولية التي ترقب بؤسهم، إنه في هذه الحالة ترفيه المضطر!، لماذا هان علينا هؤلاء إلى درجة تفضيل فرد على مجموعة، ألأنه يقدر على الاستحواذ وغيره لا يقدر؟! هذه ليست إلا مسؤولية الجهات المعنية بالحفاظ على المرافق العامة والمواقع الطبيعية كالأمانات والبلديات.
هل يمكن تصحيح ما أخطأت فيه الأمانات وإعادة حيازات الشواطئ للمجتمع؟ هل يمكن استصلاح الحدائق المهملة داخل الأحياء والاستمرار في صيانتها تعويضا للمواطنين عن حرمانهم من شواطئ يفترض أنها ملك للمجتمع؟ يجب أن لا تكون هذه مجرد أمنيات أو مطالبات، بل يقظة تعيد للمجتمع حقوقه الإنسانية في الترفيه دون أن يتحمل أعباء مادية مبالغا فيها، أو اضطراره لسلوكيات ترفيه تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان، مثل اقتعاد البعض في جزر الطرق العامة في منظر يوحي بهوانهم.
ولأن الترفيه ضرورة فلابد من وضعه ضمن أولويات الجهات المسؤولة عن التخطيط العمراني للمدن، وأن لا يترك الأمر لأصحاب المخططات السكنية الذين ينشدون الربح دون التفكير في ضرورات الحياة الاجتماعية. وكما يطلب من مطوري المخططات الردم والتسوية وتمديد خطوط الخدمات والرصف والسفلتة، فالأولى التأكيد على استصلاح الحدائق بالتشجير والتنسيق. كما يتمثل واجب الأمانات والبلديات، بعد ذلك، في صيانتها وحمايتها..
هذا هو حديث الضرورة، لكنه ليس حاصلا في واقعنا .. من هنا يأتي دور الجهات الحقوقية التي غرقت في المشكلات الفردية دون أن تصل لقرار. فمن حق المجتمع على هيئة حقوق الإنسان والمجالس البلدية متابعة قضايا المجتمع والاهتمام بالشأن العام مثل قضية غياب أماكن الترفيه أو عدم تسخيرها للمجتمع بالشكل اللائق.
halnemi@gmail.com
في مجتمعنا تحول الترفيه إلى صناعة تعتمد الربح، وتتغاضى عن حقوق الأفراد في الاستمتاع بملكيات المجتمع الطبيعية. في مجتمعنا أصبحت مقرات الإيواء السياحي مفرطة في أسعارها، بخدمات متواضعة جدا. فهل من شروط الترفيه أن ينفق الناس ثروة، وأن يستدينوا من أجل إدخال البهجة على أفراد أسرهم.
في معظم مدن المملكة المطلة على البحار تتمتع بشواطئ تستحق أن تزار، وتستحق أن يقضي فيها الأفراد أوقاتا ماتعة، السباحة لمن يرغب، والصيد لمن يهوى، والغوص لمن يقدر، والاستمتاع بالرمال الناعمة للغالبية العظمى. المفارقة أن كل هذه الأنشطة ممنوعة إن لم تدفع مبالغ طائلة، لأن معظم الشواطئ أصبحت أملاكا خاصة، بعضها تحول إلى مناطق استثمارية، وبعضها مغلق بوصفها حيازات خاصة. أن يغلق البحر وتسد منافذه على الناس فهذه كارثة تبدأ بالسيد المسمى فساد، وتنتهي بحرمان الآلاف من المواطنين من أن يستمتعوا بشواطئ مدنهم أسوة بمدن العالم. فالمتاح للمواطنين والمقيمين في أغلب المدن الشاطئية وخاصة مدينة جدة لا يتجازو 20 % من إجمالي الشريط البحري الطويل الذي يزيد على 100 كيلومتر.
تشكل المواقع الطبيعية كالشواطئ والحدائق العامة أهم مصادر الترفيه دون تبعات مالية، بوصفها حقا مشاعا وملكية عامة لا يجوز التملك فيها أبدا. غير أن واقع الحال ينبئ عن عكس ذلك تماما، فلا شواطئ متاحة، ولا حدائق عامة متوفرة. فنسبة الحدائق المستصلحة قليلة جدا، وما هو موجود مجرد فراغات مهملة، ومكب للنفايات والسيارات التالفة داخل الأحياء.
ولأن الترفيه غريزة طبيعية في الإنسان، فالكثير ممن حرموا ممارسته في ظروف إنسانية كريمة يضطرون للاقتعاد داخل الجزر في الطرقات العامة مع ما قد يتعرضون له من مخاطر الحوادث، وتلوث عوادم السيارات، والأعين الفضولية التي ترقب بؤسهم، إنه في هذه الحالة ترفيه المضطر!، لماذا هان علينا هؤلاء إلى درجة تفضيل فرد على مجموعة، ألأنه يقدر على الاستحواذ وغيره لا يقدر؟! هذه ليست إلا مسؤولية الجهات المعنية بالحفاظ على المرافق العامة والمواقع الطبيعية كالأمانات والبلديات.
هل يمكن تصحيح ما أخطأت فيه الأمانات وإعادة حيازات الشواطئ للمجتمع؟ هل يمكن استصلاح الحدائق المهملة داخل الأحياء والاستمرار في صيانتها تعويضا للمواطنين عن حرمانهم من شواطئ يفترض أنها ملك للمجتمع؟ يجب أن لا تكون هذه مجرد أمنيات أو مطالبات، بل يقظة تعيد للمجتمع حقوقه الإنسانية في الترفيه دون أن يتحمل أعباء مادية مبالغا فيها، أو اضطراره لسلوكيات ترفيه تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان، مثل اقتعاد البعض في جزر الطرق العامة في منظر يوحي بهوانهم.
ولأن الترفيه ضرورة فلابد من وضعه ضمن أولويات الجهات المسؤولة عن التخطيط العمراني للمدن، وأن لا يترك الأمر لأصحاب المخططات السكنية الذين ينشدون الربح دون التفكير في ضرورات الحياة الاجتماعية. وكما يطلب من مطوري المخططات الردم والتسوية وتمديد خطوط الخدمات والرصف والسفلتة، فالأولى التأكيد على استصلاح الحدائق بالتشجير والتنسيق. كما يتمثل واجب الأمانات والبلديات، بعد ذلك، في صيانتها وحمايتها..
هذا هو حديث الضرورة، لكنه ليس حاصلا في واقعنا .. من هنا يأتي دور الجهات الحقوقية التي غرقت في المشكلات الفردية دون أن تصل لقرار. فمن حق المجتمع على هيئة حقوق الإنسان والمجالس البلدية متابعة قضايا المجتمع والاهتمام بالشأن العام مثل قضية غياب أماكن الترفيه أو عدم تسخيرها للمجتمع بالشكل اللائق.
halnemi@gmail.com